الوقت - أنهى مدير التعاون الأمني والدفاعي بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، الجنرال ريجي كولكومبي، زيارة عمل غير معلنة إلى المغرب، في ظل أزمة صامتة تخيم على علاقات البلدين منذ ما يقارب السنتين.
ورغم التوتر السياسي المتصاعد بين باريس والرباط، يحافظ البلدان على التنسيق العسكري والأمني في مجموعة من الملفات الاستراتيجية، حيث قالت السفارة الفرنسية بالرباط إن “مدير التعاون الأمني والدفاعي بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، الجنرال ريجي كولكومبي، أنهى اليوم زيارة عمل إلى المغرب”، دون أن تقدم المزيد من التفاصيل حول الزيارة ومدتها.
واكتفت السفارة الفرنسية بالإشارة، في تدوينة لها عبر حسابها الرسمي على “فيسبوك” إلى أن الجنرال كولكومبي أجرى العديد من اللقاءات المثمرة مع الشركاء المغاربة في ما يخص التعاون الأمني والعسكري.
ولم يحظ ريجي كولكومبي بأي استقبال رسمي من عسكريين مغاربة، ولم تفرد لزيارته أي تغطية إعلامية رسمية، وهو ما قرأه متتبعون على أنه “صفعة” تلقتها باريس من المملكة، في حين سعت السفارة الفرنسية بالرباط، الى الترويج لـ”زيارة عمل”، قام بها مدير التعاون الأمني والدفاعي بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية إلى المغرب.
الاعلام الرسمي في المغرب، تجنب كليا الحديث عن الزيارة المفترضة ولم يشر اليها، وهو ما يؤكد من جديد رفض الرباط لأي تقارب مع باريس اذ يبقى الشرط الوحيد لاستعادة العلاقات طبيعتها، هو مسألة الصحراء التي لا يبدو أن الاليزيه سيتخذ أي قرار بشأن مواقفه من هذه القضية على الأقل في الوقت الحالي.
ومن أبرز مظاهر الأزمة بين البلدين، تجميد زيارات مسؤولي البلدين وغياب أي اتصال بين قادتهما، وحدوث فراغ دبلوماسي منذ تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم، بعد تكليف سفير الرباط بمهام إدارية داخل المملكة.
وتتزامن الزيارة مع توتر في علاقات المغرب بفرنسا تسببت في تأجيل زيارة رسمية كان سيقوم بها الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون للمغرب.
وتعتبر زيارة كولكومبي، التي لم يعلن عنها من قبل من أي طرف، هي ثاني زيارة لمسؤول فرنسي رفيع المستوى، بعد الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى العاصمة المغربية الرباط في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وهي الزيارة التي كان عنوانها البارز السعي لتجاوز القضايا الخلافية التي عكرت صفو العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الماضية.
وتأتي زيارة المسؤول الفرنسي، في وقت يسود الغموض مصير زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب خلال النصف الأول من مارس/ آذار الحالي، التي يراهن عليها الجانب الفرنسي من أجل طي صفحة الأزمة بين بلدين حليفين.
كما تأتي بعد أيام على اعتراف ماكرون، خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب خطابه حول العلاقات بين فرنسا وأفريقيا، في 27 فبراير/ شباط الماضي، بوجود مشاكل بين المغرب وفرنسا، لكنه استدرك بالقول إن علاقاته الشخصية مع الملك محمد السادس "ودية" وإنها "ستبقى كذلك".
وأيضاً جاءت زيارة المسؤول الفرنسي عقب زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، إلى المغرب والتي يبدو أنها أقلقت قصر الإيليزي كثيرا.
وكان الجنرال الأميركي ميلي، قد أكد أن المغرب "شريك وحليف كبير للولايات المتحدة، وبلد مستقر للغاية في قارة ومنطقة تحتاج إلى الاستقرار".
وتتهم الأوساط السياسية والمجتمعية المغربية، فرنسا بشن حملة عدائية ضد المصالح المغربية، ودفع البرلمان الأوروبي للتصويت على قرار ينتقد وضعية حقوق الإنسان وحرية الصحافة في المغرب.
وتقود أحزاب رئيسية داخل البرلمان المغربي حملة ضد اللغة الفرنسية، تطالب فيها بإلغاء استعمال هذه اللغة في المراسلات والمعاملات الإدارية، كما دعت عدة فعاليات مغربية سياسية وجمعوية، وزير الداخلية المغربي، إلى إزالة الرموز والأسماء الفرنسية من الشوارع والساحات العمومية بمدن المملكة.
وحسب رأي محللين تحاول باريس أن تستغل أي فرصة دبلوماسية مع المغرب، بينما يمر إنهاء الأزمة حتما عبر معالجة الملفات التي أدت إلى نشوبها، فازدواجية خطاب باريس، والمناورات لضرب مصالح المملكة، من بين مسببات الأزمة التي وجب الوقوف عليها بوضوح قبل أي خطوة قادمة.
وبدا لافتا حجم الأزمة التي تعيشها العلاقات بين البلدين، بعدما أفاد مسؤول في الحكومة المغربية، في حديث مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية، بأن "العلاقات ليست ودية ولا جيدة، لا بين الحكومتين ولا بين القصر والإليزيه".
وتعيش العلاقات بين الرباط وباريس على وقع الأزمة الصامتة منذ سنتين بسبب قرار باريس تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، وموقف باريس من ملف الصحراء المغربية، ورهان الرئيس الفرنسي على الجزائر.
حيث كانت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، إلى الرباط، منتصف شهر ديسمبر الماضي، قد ساعدت على إعادة بعض الدفء إلى العلاقة بين البلدين بعد إعلانها رفع القيود المفروضة على تأشيرات المغاربة، فإن توصية جرى إقرارها بغالبية كبيرة نهاية يناير ويعتقد أن فرنسا تقف وراءها، انتقد البرلمان الأوروبي في سلسلة افتراءات ومغالطات، السلطات المغربية وزعم "عدم احترامها لحرية التعبير وحرية الإعلام". وطالب بوضع حد لما وصفها بـ"المضايقة التي يتعرض لها الصحفيون".
وكان المغرب قد رد على تلك الافتراءات وخاصة أن معظمها يعتبر تدخلا في شؤون سيادية ومنها ما يتعلق بأحكام قضائية وهو ما يعتبر مساسا وتدخلا في القضاء المغربي واستقلاليته.
ورأت بعض الأصوات في المغرب أن فرنسا تقف وراء توصية البرلمان الأوروبي فيما كانت العلاقات متوترة أصلا بين باريس والرباط وخصوصا فيما يتعلق بوضع الصحراء المغربية وكذلك شعور الفرنسيين بتراجع مكانتهم من خلال بروز شراكة مغربية أميركية واسعة وأكثر موثوقية إلى جانب تنامي دور المملكة في افريقيا بينما يتراجع الدور الفرنسي.
وكان ملف الصحراء المغربية كذلك وراء البرود في العلاقات بين البلدين حيث ابدت الحكومة المغربية انزعاجها من استقبال البرلمان الفرنسي لوفد من جبهة البوليساريو الانفصالية قبل أشهر.
وتسعى الدبلوماسية المغربية لإقناع عدد من دول الاتحاد الأوروبي بتبني مشروع الحكم الذاتي للصحراء ونجحت في ذلك مع عدد من الدول الأوروبية الفاعلة مثل إسبانيا وألمانيا والنمسا.
وتعتبر باريس الرباط شريكا مثاليا في المجالات الأمنية والاستخبارية والعسكرية، وتمثل فرنسا الشريك التجاري الثاني للمغرب بعد إسبانيا في عام 2020 حسب وزارة الاقتصاد والمال المغربية. كما أن المغرب هو الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في أفريقيا، عبر أكثر من 950 فرعا لشركات فرنسية.