الوقت- ثمانية اشهر مرت على الانتخابات النيابية في لبنان، وما زال الجمود السياسي في هذا البلد والتيارات السياسية لم تتفق على خيار واحد للمقعد الرئاسي. وعلى الرغم من أن بعض التيارات الغربية والسعودية تحاول إلقاء اللوم على حزب الله في هذا الوضع مع استمرار الأزمة السياسية، فقد وضع زعيم هذه الحركة مرارًا مبادرات أمام الآخرين لإخراج لبنان من هذا المأزق لإظهار أن حزب الله خلافا لخصومه، مستعد للتعاون والتوصل الى اتفاق من اجل المصالح الوطنية.
وفي هذا الصدد، تجنب السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في خطاب ألقاه بمناسبة يوم المحاربين القدامى يوم الاثنين الماضي، قضية انتخاب الرئيس وقال: "بعد أن عارض جبران باسيل اقتراحنا الترشح للرئاسة، فإننا نؤيد سليمان فرانجي ونحن نعلن ونقول بوضوح إننا ندعم فرنجية ولا شك لدينا في ذلك".
وصرح الامين العام لحزب الله باننا لن نسمح ابدا لاحد بقيادة لبنان الى الفوضى وأكد: "نريد انتخاب رئيس دون الرغبة في الهروب من مسؤولياتنا، وفي هذا الصدد نحن ملتزمون بنسبة الثلثين لانتخاب الرئيس، لا نقبل أن يفرض رئيس على لبنان أو يفرض على مرشح سواء وافقنا عليه أو لم نوافق عليه. ولا ننتظر ابدا التطورات او التنازلات لانتخاب رئيس". ولقد جاء دعم حزب الله لسليمان فرانجية عقب عقد مجلس النواب أحد عشر جلسة لانتخاب الرئيس، لكن بسبب الخلافات السياسية لم تتوصل التيارات السياسية إلى اتفاق على خيار واحد. وحاليا، يعتبر جوزيف عون قائد الجيش اللبناني، وسليمان فرنجية رئيس حركة "المردة"، المرشحان الرئيسيان لرئاسة الجمهورية.
وسليمان طوني فرنجية سياسي لبناني وزعيم حركة "المردة". ومنذ عام 1990، شغل فرنجية منصب وزير سبع مرات، وكانت مناصب وزير الإسكان والتعاونيات، ووزير الشؤون الحضرية والريفية، ووزارة الصحة العامة من بين سجلاته السياسية وأنشطته في العقود الثلاثة الماضية. وفي الانتخابات الأخيرة، تمكن حزب فرنجية من الفوز بمقعدين. وعلى الرغم من أن لبنان شهد فراغًا رئاسيًا طويل الأمد عدة مرات من قبل، إلا أنه لم تكن هناك أزمة اقتصادية في ذلك الوقت، لكن الوضع الآن أسوأ بكثير من ذي قبل، واستمرار هذا الوضع يمكن أن يواجه لبنان تحديًا خطيرًا، ولهذا السبب، قام حزب الله من أجل تجاوز هذه الأزمة السياسية والاقتصادية، بالتضحية بالمصالح الحزبية من أجل المصالح الوطنية ليثبت أنه، خلافا للهجمات الإعلامية السعودية والأمريكية وتيارات المعارضة الداخلية، هو حركة المقاومة الرحيمة الوحيدة للشعب اللبناني التي تتخذ خطوات عملية لحل الأزمات.
وفي السنوات الثلاث الماضية، عندما كان الشعب اللبناني يواجه أزمة اقتصادية هائلة، حل حزب الله جزءًا من مشاكل الوقود في البلاد بمساعدة إيران، لكن القادة السياسيين الآخرين الذين يتلقون الأوامر من غرف القيادة في الرياض وواشنطن لم يأخذوا خطوة لحل مشاكل الناس. ولقد قال قادة المقاومة مرات عديدة إن المصالح الوطنية للبنان هي خطهم الأحمر، وقد أثبتوا هذا الأمر في حالة موارد الغاز المشتركة مع الكيان الصهيوني، وحذر زعيم المقاومة من أنه إذا لم يستخدم لبنان هذه الموارد، فإنهم لن يسمحوا للصهاينة باستخراج هذه الموارد أيضًا وفي النهاية نجحت هذه التحذيرات واضطرت سلطات تل أبيب إلى التراجع.
رغم أن التيار الوطني بقيادة ميشال عون وزعيم الحركة الوطنية بقيادة جبران باسيل كانا متحالفين مع حزب الله منذ عدة سنوات، إلا أنهما اختلفا مع بعضهما البعض على الخيار الرئاسي. ورغم أن بعض المراقبين يعتبرون الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر نهاية شهر عسل هذا التحالف، لكن كما تظهر تصريحات نصر الله، لا يزال حزب الله متمسكًا بالتحالف مع التيار الوطني الحر، لكنه يفضل المصالح الوطنية اللبنانية على التحالفات السياسية. لطالما أعلن حزب الله استعداده لتشكيل حكومة وانتخاب رئيس للوزراء، لكن التيارات السياسية الغربية وضعت عصا في حل الأزمات وتلعب في أحجية أسيادها السعودي والأمريكي.
وفي الأشهر الأخيرة، كان من المتوقع أن يكون جبران باسيل أحد الخيارات المسيحية للرئاسة، لكنه لم يترشح للرئاسة بنفسه، ولم يقدم خياره المفضل، وبطريقة ما، إن إهمال المسيحيين في هذا الصدد يلعب في ساحة أعداء الأمة الذين ما زالوا يحاولون استمرار الفتنة في لبنان. وحسب الخبراء، مع الإعلان الرسمي لحركة أمل وحزب الله عن دعم سليمان فرنجية، فإن أجواء الانتخابات السياسية الراكدة والهادئة ستدخل جولة جديدة من المساومة السياسية، في حين أن المعسكر المنافس للمقاومة المعروف بـ 14 آذار، بعد فشلها في ترسيخ اسمها، ستخلق ترتيبًا سياسيًا جديدًا للرئاسة.
استمرار التعنت السعودي
أعلن السعوديون معارضتهم لسليمان فرنجية زعيم حركة "المردة"، وقال المندوب السعودي في اجتماع باريس: "نقول بوضوح إننا نرفض سليمان فرنجية". وفي هذا السياق رد ممثل مصر بأننا نواجه الآن مرشحين جديين لرئاسة لبنان، وهم سليمان فرنجية وجوزيف عون قائد جيش هذا البلد، ولا يمكن فرض أي خيار على اللبنانيين. لكن السعوديين أصروا على أن فرنجية لا ينبغي أن يكون حاضرا في معركة الرئاسة اللبنانية، وأكدوا أن المرشح الوحيد الذي نريد لهذا الغرض هو جوزيف عون، وهناك أيضا شخصيات مستقلة بين المسيحيين يمكن ترشيحهم للرئاسة. ولقد أفادت مصادر لبنانية مطلعة بأنه على الرغم من كل الروايات حول خروج السعودية من المشهد اللبناني، إلا أن الواقع هو أن السعوديين لا يمكنهم أبدًا رؤية أنفسهم بعيدًا عن المشهد اللبناني.
ولقاء باريس قبل أسابيع قليلة، والذي عقد مع ممثلي فرنسا وأمريكا والسعودية وقطر ومصر حول الأزمة اللبنانية، لم يسفر عن أي نتائج عملية، وخاصة في سياق القضية الرئاسية اللبنانية. ولقد أثار هذا الامر تساؤلات حول الأزمة السياسية في هذا البلد التي أصبحت أكثر تعقيدًا. ومن حيث المبدأ، كان من الواضح أن هذا اللقاء لن يؤدي إلى أي نتائج أو اتفاق حول لبنان. وعلى وجه الخصوص، تنتمي معظم الدول المشاركة فيه إلى المحور نفسه، وبالتالي كان من المستحيل تخيل حل لإنهاء الوضع الحالي في لبنان من خلال قمة باريس منذ البداية.
وقالت مصادر مطلعة إن من أسباب انزعاج السعوديين في قضية لبنان دخول مصر وقطر في هذه القضية. وفي وقت سابق، أعلنت مصادر سياسية لبنانية بارزة أن المملكة العربية السعودية لا ترفض فقط التعاون لحل الأزمة السياسية في لبنان، بل تعترض أيضًا على الدور الذي تلعبه الدول العربية الأخرى في هذا البلد. وفي هذا السياق، سمع مسؤولون فرنسيون من مسؤولين سعوديين أن للسعودية موقفًا سلبيًا من دور قطر في لبنان وأبدت استياءها الصريح من تصرفات الدوحة في سياق الترحيب بالمسؤولين اللبنانيين ومحاولة انتخاب رئيس للبلاد.
على أي حال، لقد خيبت نتائج لقاء باريس آمال بعض اللبنانيين. وقالت مصادر مطلعة إن الخلافات في الرأي بين ممثلي الدول الخمس المشاركة في اجتماع باريس كانت كبيرة للغاية، وهذا يشير إلى عدم وجود رغبة حقيقية لدى الأطراف المذكورة لإخراج لبنان من الأزمة. حاليا، وبسبب الزلازل الرهيبة في تركيا وسوريا، فإن حالة لبنان على هامش الحالات في المنطقة.