الوقت - لطالما واجه الاتحاد الأوروبي تحديات خطيرة منذ إنشائه، وهي التحديات التي قادته أحيانًا إلی موجة أزمة الطاقة والأزمة الاقتصادية، وأصبحت أحيانًا منصة للتباعد والانقسام، مثل "بريكست"(خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).
وفي هذا الصدد، كتب موقع نشنال اینترست التحليلي منذ حوالي عامين: "الاتحاد الأوروبي يجد نفسه في أخطر معضلة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وخطر الانقسام بين الدول الأعضاء في أوروبا الوسطى والشرقية، وكذلك غالبية الدول الأخرى، بشأن المصالح المتباينة أمر خطير، وتغيير نظرة أمريكا إلى العالم، وخاصةً الجزء المتعلق بسياسة هذه الدولة تجاه أوروبا، له دور حاسم. وللتغلب على هذه العاصفة، هناك العديد من التحديات المهمة التي يجب على أوروبا التغلب عليها، وتشمل هذه التحديات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والصفقة الخضراء (إزالة أول أكسيد الكربون)، والسياسة الخارجية والأمنية المشتركة، والتجارة الخارجية المشتركة".
إن ما یعتبره موقع نشنال اینترست تحديًا للاتحاد الأوروبي، يعود إلى الوضع قبل الأزمة في أوكرانيا، ولا شك أنه في الأجواء التي تتورط فيها أوروبا وأمريكا في هذه الأزمة المتآكلة، أضيفت تحديات خطيرة أخرى إلى التحديات والمشاكل السابقة. فيما يلي بعض التحديات القديمة والجديدة التي تواجه الاتحاد الأوروبي.
التحدي المتمثل في عدم وجود قيادة قوية وموحدة
لا شك أن أحد التحديات الرئيسية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، هو الافتقار إلى قيادة وإدارة واحدة.
لقد أظهر الافتقار إلى قيادة قوية نفسه بشكل جيد خلال الأزمة المالية اليونانية منذ حوالي عقد من الزمان. إن الدولة أو المؤسسة التي يمكنها اتخاذ قرارات حاسمة عند الضرورة وتحظى بدعم الدول الأخرى، هي أحد أهم الأشياء التي يحتاجها الاتحاد. وعلى الرغم من أن فرنسا وألمانيا تدعيان أنهما زعيمتا الاتحاد، إلا أنهما لم تتمكنا من لعب الدور القيادي بشكل جيد خلال الأزمة اليونانية بسبب الخلافات.
وعلى الرغم من أن ألمانيا هي الدولة الأكثر تصنيعًا في الاتحاد ولعبت دائمًا دور زعيم الاتحاد الأوروبي إلى حد ما، ولکن في الوقت الحالي يحاول الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون إظهار قوته.
ويمكن تقييم استعراض ماكرون لعضلاته من وقت لآخر أمام مسؤولي البيت الأبيض في هذا الاتجاه، من التأكيد على الجيش الأوروبي الموحد إلى الاحتجاج على ارتفاع أسعار مبيعات الغاز الأمريكية إلى أوروبا خلال أزمة أوكرانيا. وأخيرًا، يجب القول إن الاتحاد الأوروبي يقرر وينفذ بشكل جماعي، وليس لديه زعيم واحد.
الخلافات في الرأي
هنا يظهر التحدي التالي للاتحاد ، أي الخلافات في الرأي. على سبيل المثال، خلال الأزمة المالية اليونانية، كانت هذه الخلافات في الرأي واضحةً على عدة مستويات.
فمن ناحية، بينما دعمت فرنسا التحرك السريع للاتحاد للتعامل مع الأزمة اليونانية، أرادت الحكومة الألمانية، لبعض الأسباب، تأجيل أي إجراء إلى ما بعد أشهر. ومن ناحية أخرى، وفقًا للتقارير، كان هناك خلاف بين دول الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي حول كيفية مساعدة اليونان، ما جعل من المستحيل اتخاذ قرار سريع بشأن الأزمة اليونانية.
إضافة إلى ذلك، بينما تعتقد فرنسا وألمانيا أن على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تلعب دورًا على أساس مبادئ التعاون الاقتصادي من أجل حل الأزمة المالية، لكن دول الشمال، التي تعرضت لأقل ضرر من الأزمة الاقتصادية، جادلت بأن تكلفة سوء الإدارة الاقتصادية تقع على عاتق مواطني الدول المتأزمة، وبالتالي حجبت دعمها.
المهاجرون وطالبو اللجوء
على مدى العقود الماضية، استوعبت أوروبا ملايين المهاجرين واللاجئين من جميع أنحاء العالم، وخاصةً دول الشرق الأوسط، نتيجة تدخل الغرب وإثارته للحروب. على سبيل المثال، في عام 2015 وحده، وصل إلى أوروبا حوالي مليون شخص بسبب الحرب والتشرد.
أصبحت قضية الهجرة واللجوء في أوروبا أكثر خطورةً منذ فبراير 2022، مع بداية أزمة أوكرانيا. ومنذ حوالي ثلاثة أشهر، أفادت وكالة الحدود الأوروبية(فرونتكس) عن زيادة غير مسبوقة في عدد الوافدين غير الشرعيين إلى حدود الاتحاد الأوروبي على مدى السنوات الست الماضية.
وحسب هذا التقرير، فقد ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون حدود الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022 بنسبة 70٪ مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، ووصل إلى أعلى مستوى له منذ عام 2016.
أيضًا، استنادًا إلى أحدث الإحصاءات التي نشرتها وكالة الأمم المتحدة للاجئين في 29 نوفمبر 2022، كان لكل دولة أوروبية حصة من استضافة اللاجئين الأوكرانيين.
في هذه الأثناء، احتلت بولندا المركز الأول بأكثر من مليون و 500 ألف نسمة، وجاءت ألمانيا في المرتبة الثانية بأكثر من مليون نسمة، وجمهورية التشيك في المرتبة الثالثة بعدد 463 ألف نسمة. وكانت مولدوفا وبلغاريا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا أيضًا، وجهةً لمئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين.
الشعبوية وتعزيز الأحزاب اليمينية المتطرفة
التحدي الآخر للاتحاد الأوروبي، هو القومية المتطرفة وتقوية الفصائل الشعبوية.
لقد رفع تدفق اللاجئين الأوكرانيين وتزامنه مع مشاكل المعيشة والطاقة في مختلف البلدان الأوروبية، صوت الاحتجاجات. وقبل بضعة أشهر، اعتقلت الشرطة النرويجية 35 شخصًا في اشتباك مع متظاهرين من النازيين الجدد في الشارع.
وفي المجال السياسي، نرى أيضًا أن الشعارات اليمينية المعادية للمهاجرين ووعودها قد جذبت الناس، لدرجة أنهم حققوا تقدمًا كبيرًا في الانتخابات والعمليات السياسية.
في بداية شهر أكتوبر من هذا العام، في الانتخابات البرلمانية الإيطالية، فاز الفصيل الأكثر يمينيةً في هذا البلد، بقيادة "جورجيا ميلوني". لذلك، أثار انتصار حزب "إخوان إيطاليا" بزعامة ميلوني قلق المهاجرين والأقليات الدينية والعرقية، لأن هذا الحزب الفائز وقيادته تبنوا مواقف مناهضة للهجرة، ويطالبون بإغلاق الحدود بالكامل أمام المهاجرين واللاجئين.
إيطاليا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة لظهور اليمين المتطرف في أوروبا، ويمكن اعتبارها امتدادًا للحركة الراديكالية التي شهدتها القارة الأوروبية في السنوات الأخيرة.
وفي الانتخابات الأخيرة في السويد، نجح الائتلاف اليميني المكون من المعتدلين والليبراليين والديمقراطيين المسيحيين والديمقراطيين السويديين، في الفوز بـ 176 مقعدًا في البرلمان. وفي ألمانيا، فاز حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، بنسبة 10٪ من الأصوات في الانتخابات البرلمانية في البلاد في سبتمبر الماضي.
وفي فرنسا، تمكن حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان من الفوز بـ 89٪ من المقاعد في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية. وهذه واحدة من المرات القليلة التي فاز فيها اليمين المتطرف بهذه النسبة المئوية من المقاعد.
في الانتخابات الرئاسية لهذا البلد، التي أجريت في مايو، تمكن ماكرون بصعوبة من التغلب علی "مارين لوبان"، زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف في الجولة الثانية.
غياب السياسة الخارجية والأمنية المشتركة
أظهرت التجربة المستقلة للاتحاد الأوروبي في سنوات ما بعد الحرب الباردة، أن السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي في مواجهة الأزمات الدولية الحادة، مثل أزمة كوسوفو (1999)، حرب العراق (2003) والأزمة الليبية (2011)، کانت تفتقر إلى التماسك والفعالية اللازمين كلاعب مهم على الساحة الدولية، والآليات القائمة تفتقر إلى القدرة اللازمة لتحويل الاتحاد الأوروبي إلى لاعب موحد على المسرح العالمي.
حاليًا، على الرغم من أن أعضاء الاتحاد الأوروبي لديهم مواقف مشتركة بشأن بعض القضايا الدولية، مثل أزمة أوكرانيا، أو يحاولون تقريب مواقفهم من بعضهم البعض، لكن وجود العديد من العوائق والتحديات قد خلق طريقاً طويلاً أمامهم لتحقيق سياسة خارجية وأمنية مشتركة.
يحتاج الأوروبيون إلى قوة منفصلة عن الناتو للحفاظ على أمنهم، ويتعامل رؤساء البيت الأبيض دائمًا مع هذه الفكرة بأسوأ طريقة ممكنة، ومن الأمثلة على ذلك معاملة ترامب العدائية والقاسية لهذه الفكرة ومبادرة ماكرون. حيث إنه للضغط على فرنسا والجهات الفاعلة الأخرى في الاتحاد، استغل ترامب زيادة رسوم عضوية الناتو، وبهذه الطريقة ضغط على رؤساء بروكسل حتى يتخلوا عن مطالبهم.
بشكل عام، خلال نصف القرن الماضي، تأثر الاتحاد الأوروبي بتيارات واتجاهات مختلفة، والتي يمكن تلخيصها على ثلاثة مستويات داخلية(المستوى الوطني وداخل الدول الأعضاء)، وإقليمية(على المستوى الأوروبي) ودولية(النظام العالمي).
إضافة إلى التحديات المذكورة أعلاه والتي يمكن تقييمها على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، هناك عقبات مهمة أخرى في طريق الوحدة والتقارب في الاتحاد، والتي تخلق منصةً للتباعد.
وتشمل هذه المعوقات: شكوكاً حول فاعلية مشروع التكامل والتقارب، شعور بعض أعضاء الاتحاد باللامبالغة، وخاصةً من الناحية الاقتصادية(المكون الذي أدى إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانفصالها عن جسم الاتحاد)، المكانة الدولية لأعضاء الاتحاد وموقعهم في الاصطفاف العالمي، عدم الاستعداد لنقل السيادة الوطنية إلى الاتحاد، أهمية الاختلافات الثقافية والتعددية اللغوية والتوسع المفرط للاتحاد الأوروبي، وأخيراً الفجوات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين أوروبا الشرقية والغربية.
کما لا ينبغي تجاهل الانقسام بين الشمال والجنوب في أوروبا. فاليوم، يعدّ الانقسام بين الشمال والجنوب في أوروبا أهم قضية تتعامل معها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لدرجة أن هذه الفجوة أثرت أيضًا على عملية التقارب في أوروبا.
في الواقع، يعدّ الانقسام بين الشمال والجنوب نتيجة الانقسامات الأوروبية الكلاسيكية المسماة الشرق والغرب، الشاب والقديم، المحور القاري والمحور الأطلسي، وأخيرًا غير المتطور والأقل تطورًا.