الوقت - لفتت ليالي تل أبيب المضطربة وانطلاق ما لا يقل عن 3 مظاهرات لأكثر من 100 ألف شخص في هذه المدينة، انتباه وسائل الإعلام إلى الأراضي المحتلة. وهذه التطورات تدل على أن بعض الأزمات الداخلية للكيان الصهيوني، أصبحت أكثر خطورةً ومؤسسيةً مما يتصور الکثيرون.
على الرغم من أن المظاهرات الأخيرة تأتي رداً على تصرفات نتنياهو لتغيير قوانين وسلطات المحكمة العليا، ولکن نحاول تقديم لمحة عامة عن الأوضاع الاقتصادية وبعض التظاهرات الاقتصادية في العامين الماضيين. وهذا العامل، حسب بعض المحللين الصهاينة، کان مكونًا مهمًا في حدوث مظاهرات في الليالي الأولی لعام 2023 في الأراضي المحتلة، وقد يتحول إلى احتجاج اقتصادي.
هل الظروف الاقتصادية أفضل من الأمن؟
في العامين الماضيين، في ظل الحرب في أوكرانيا وعدم الاستقرار السياسي الداخلي المتأثر بالانتخابات المتكررة، أصبحت الظروف الاقتصادية للصهاينة أكثر تعقيدًا.
ربما للوهلة الأولى، وبسبب نقص المعرفة الدقيقة، يعتبر المجتمع الإيراني أن الأوضاع الاقتصادية للصهاينة طبيعية، ويفترض أن الأمن يشكل تحديًا خطيرًا لليهود في الأراضي المحتلة بسبب وجود المقاومة الفلسطينية ودعم إيران.
لكن أحدث النتائج من مركز صهيوني في الشهر الأخير من عام 2022، تظهر أنه على الرغم من المشاكل الأمنية الهائلة وخوف الصهاينة من هذه القضية، فإن مواطني الأراضي المحتلة يعتبرون حكومة الكيان الصهيوني أكثر عجزًا عن توفير الاقتصاد والرفاهية من الأمن.
وفي النتائج التي توصل إليها مركز الديمقراطية الإسرائيلي، يُذكر بوضوح أن مواطني الکيان كانوا يؤمنون دائمًا بأن الهيكل السياسي كان أكثر نجاحًا في توفير الأمن من توفير الازدهار.
ستكون هذه الإحصائية صادمةً بالتأكيد. فإذا كان ما يقرب من 80٪ يعتقدون في عام 2020 أن الکيان الصهيوني كان قادرًا على توفير الأمن لهم، لكن في العام نفسه، وافق 30٪ فقط على توفير الرفاه لهم.
ويُظهر انخفاض الرضا عن حالة الرفاهية في عام 2022 إلى 18٪، أن ظروف التضخم والحرب في أوكرانيا وعدم قدرة لابيد على إدارة الوضع أزعجت الصهاينة إلى حد كبير، والتحليلات القائلة بأن المكون الاقتصادي له تأثير جاد على عودة نتنياهو إلى السلطة ليست بعيدةً عن الواقع. في المقابل، 48٪ فقط أيدوا توفير الأمن، وهي إحصائية غير مقبولة للکيان الصهيوني.
الاحتجاجات الاقتصادية لعام 2020، أوسع من 2022
على الرغم من أن التظاهرات الأخيرة قد جذبت اهتمام وسائل الإعلام بسبب موضوعها الخاص وعددها، فقد شهدت الأراضي المحتلة مظاهرات حاشدة في عدة مدن مختلفة قبل عامين.
بدأت المظاهرات في آب/أغسطس 2019، وحسب تقديرات الشرطة، شارك أكثر من 5 آلاف شخص في المظاهرات في القدس وتل أبيب وقيسارية في يوم واحد فقط.
إضافة إلى ذلك، نظمت مظاهرات أخرى في جميع أنحاء الأراضي المحتلة. وخرجت هذه التظاهرة احتجاجاً على الفوضى الاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، وردد المتظاهرون هتافات مناهضة لنتنياهو وطالبوا باستقالته.
کما تجمع المئات أيضاً في متنزه تشارلز كلور في تل أبيب، وتجمع حوالي 300 شخص أمام منزل نتنياهو الخاص في قيسارية. ونُظمت مظاهرات مماثلة أخرى على نطاق أصغر في جميع أنحاء الأراضي المحتلة.
وفي الوقت نفسه، وصلت قوات شرطة الاحتلال إلى جميع الأماكن، ونشرت سيارات مكافحة الشغب في هذه الأماكن. وخرجت مظاهرات 2020 في عدة أيام وفي عدة أماكن يتزايد فيها عدد السكان. استمرت هذه المظاهرة لأكثر من 30 أسبوعًا، وأصبحت تُعرف باسم أيام السبت الأسود. وتواصلت الاحتجاجات بشکل متسلسل في القدس المحتلة أمام منزل نتنياهو.
انطلقت التجمعات احتجاجاً على سياسات الكورونا والاقتصاد والفساد التي ينتهجها رئيس وزراء الكيان الصهيوني. وكانت إحدى النقاط المثيرة للاهتمام في هذه الاحتجاجات، هي أن المتظاهرين أطلقوا على مجتمعهم اسم "حركة الأعلام السوداء" وصرخوا: "دعونا نتنفس".
وغني عن القول إن تلك الاحتجاجات كانت ذروة الاحتجاجات ضد نتنياهو، واعتبر بعض المتظاهرين الوضع الاقتصادي وعدم الرضا نتيجةً لتضحية نتنياهو بالديمقراطية، وهو أمر لا يزال مستمراً حتى الآن.
يذكر أنه في عام 2011، شهد الکيان الصهيوني أيضًا مظاهرات اقتصادية حاشدة. حيث احتج آلاف المواطنين على مشروع قانون موازنة 2012 للکيان الصهيوني، وعلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية.
في هذه التظاهرات، إضافة إلى تل أبيب، تجمعت مجموعة من المتظاهرين ضد السياسات الاقتصادية للحكومة في القدس وأمام منزل رئيس وزراء الکيان الصهيوني بنيامين نتنياهو.
وانطلقت التظاهرة الرئيسية من شوارع تل أبيب، وتجمع حوالي 1000 شخص في ساحة "المسرح"، حيث أضرم شاب إسرائيلي النار في نفسه في عام 2011 احتجاجًا على سوء الوضع الاقتصادي، مرددين "خذوا من الرأسماليين، لا من الجميع". وفي مدينة بئر السبع، هتف المتظاهرون شعار "نريد العدالة الاجتماعية"، ورفعوا لافتات مناهضة للمصادقة على الميزانية.
شهدت الأراضي المحتلة العديد من المظاهرات في عامي 2010 و 2011، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين. وكانت أهم هذه المظاهرات في صيف 2011، حيث تدفق عشرات الآلاف من الصهاينة إلى شوارع تل أبيب احتجاجًا على ارتفاع الأسعار.
هل ستؤدي الاحتجاجات القانونية السياسية في عام 2022 إلى احتجاجات اقتصادية؟
على الرغم من أن نتنياهو رضخ لطلب المحكمة العليا بإقالة وزير الداخلية في مجلس الوزراء بسبب تاريخه في الفساد، ومع ذلك فإن إصرار نتنياهو على تغيير سلطاته واستمرار التظاهرات، يثير مخاوف جدية بشأن انتشار هذه الاحتجاجات في البيئة الاقتصادية غير المستقرة للکيان.
وقال أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" وأحد معارضي نتنياهو ووزير المالية في الحكومة السابقة، في تصريحاته بشأن استمرار التظاهرات وحكومة نتنياهو: "مع الاحتجاجات الحالية، تتجه إسرائيل نحو أزمة اقتصادية غير مسبوقة، لم نشهد مثلها منذ عقود، والمسؤولية تقع مباشرة على عاتق نتنياهو".
على عكس الأفكار التي تروج لها وسائل الإعلام أحيانًا، في أذهان الصهاينة فإن مسألة هيكل السلطة والديمقراطية وحتى الاقتصاد هي أكثر إثارةً للقلق والتحدي من الأمن.
ما أثار قلق السلطات الصهيونية وقادتها في التظاهرات الأخيرة، هو ارتباط هذه المظاهرات بقضية الاقتصاد غير المستقر وارتباطها بحرب أخرى مع قطاع غزة.
علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث للمظاهرات الحاشدة الحالية التي تنشأ من التحديات السياسية والهويائية الأساسية للصهاينة، إلى جانب التحديات الاقتصادية الخطيرة في السنوات الأخيرة. فهل سيتغيِّر مصير نتنياهو السياسي؟