الوقت- يعتزم أكبر مسؤول عن العقوبات في وزارة الخزانة الأمريكية بريان نيلسون خلال جولة إلى تركيا والإمارات و دول شرق أوسطية أخرى هذا الأسبوع توجيه تحذير لدول وشركات من أنها قد تفقد القدرة على دخول أسواق دول مجموعة السبع إذا تعاملت مع كيانات خاضعة للعقوبات الأمريكية. يأتي هذا فيما تتخذ واشنطن إجراءات صارمة في مواجهة المحاولات الروسية للالتفاف على العقوبات المفروضة عليها بسبب حربها في أوكرانيا.
و في بيان لوزارة الخزانة قالت فيه إن براين نيلسون، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، سيسافر إلى سلطنة عُمان والإمارات وتركيا بدءا من 29 يناير كانون الثاني للقاء مسؤولين حكوميين وممثلي شركات ومؤسسات مالية للتأكيد على استمرار واشنطن في تطبيق عقوباتها بصرامة.
وحسب الوزارة “الأفراد والمؤسسات العاملة في نطاق السلطات المتساهلة يواجهون خطر فقدان (إمكانية) دخول أسواق دول مجموعة السبع بسبب التعامل مع كيانات خاضعة للعقوبات”.
وكانت رويترز أول من أورد نبأ هذه الجولة. وأثناء وجوده في المنطقة، سيناقش نيلسون موضوعات مثل جهود وزارة الخزانة لمواجهة محاولات روسيا للتهرب من العقوبات وقيود التصدير المفروضة عليها بسبب حربها الوحشية في أوكرانيا، وتصرفات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، والتمويل غير المشروع الذي يهدد بتقويض النمو الاقتصادي، والاستثمار الأجنبي.
وستكون هذه أحدث زيارة يقوم بها مسؤول كبير بوزارة الخزانة إلى تركيا لمناقشة العقوبات، بعد سلسلة من التحذيرات العام الماضي من جانب مسؤولين في إطار تكثيف واشنطن ضغوطها على أنقرة لضمان الامتثال للقيود على روسيا. ويزور نيلسون العاصمة التركية أنقرة والمركز المالي في إسطنبول يومي الثاني والثالث من شباط/فبراير، وقال متحدث باسم وزارة الخزانة الجمعة إنه سينذر الشركات والبنوك بأن عليهم تجنب المعاملات المرتبطة بعمليات نقل محتملة للتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، والتي يمكن أن تقع في يد الجيش الروسي في نهاية المطاف.
و كان الغرب قد صعد ضغط العقوبات على روسيا بشأن أوكرانيا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والمواد الغذائية في أوروبا والولايات المتحدة. صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق أن سياسة احتواء وإضعاف روسيا هي استراتيجية غربية طويلة المدى، وأن العقوبات وجهت ضربة خطيرة للاقتصاد العالمي بأكمله. ووفقا له، إن الهدف الرئيسي للغرب هو تدهور حياة الملايين من الناس. وتشير المؤشرات الاقتصادية إلى تأقلم الاقتصاد الروسي مع صدمة العقوبات. وعلى الرغم من أن العام الماضي انتهى بركود، إلا أنه لم يكن كارثياً كما بدا في الربيع، عندما بدأ قصف وابل العقوبات.
رزمة العقوبات على روسيا
لقد تضمن تسونامي العقوبات رزمة كاملة معروفة تقريباً من الإجراءات التقييدية: كالعقوبات المالية، وحظر الاستثمار، والقيود على القطاعات، وحظر التصدير لمجموعة واسعة من السلع والخدمات إلى روسيا، والقيود على الواردات الروسية، وحظر بث وسائل الإعلام الروسية، والنقل، وعقوبات التأشيرة. كما ظهرت أدوات جديدة، كتحديد لسقف سعر النفط الروسي. وتُستكمل العقوبات الرسمية بمقاطعة الشركات والنزوح الجماعي للشركات الغربية من روسيا. والخوف من العقوبات الثانوية والإجراءات القسرية لانتهاك نظام العقوبات يؤدي إلى أنه حتى في الدول الصديقة، تظهر الشركات هناك حذراً مفرطاً في التعامل مع روسيا. وتعتبر حالات تأخير أو إلغاء الدفع المصرفي أمراً شائعاً، وكذلك اضطرابات سلسلة التوريد وفقدان الأسواق.
وتتمثل فرادة الموقف من خلال السرعة التي يتم بها وضع القيود. فإذا كانت العقوبات تراكمت ضد إيران أو كوريا الشمالية لعقود طويلة، فقد تم اتخاذها بمثل هذه الأحجام ضد روسيا في وقت قياسي. الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو استقرار الاقتصاد الروسي، على الأقل في المدى القصير.
علاقات تركية متأرجحة
تبدو القوى الغربية غاضبة من تنامي العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا، ولا يعجبها الموقف المستقل أو "المتوازن" الذي تتخذه أنقرة تجاه الحرب الروسية في أوكرانيا. تبدّى هذا الغضب الغربي في التحذيرات المكتوبة التي لا تنفك وزارة الخزانة الأمريكية في إرسالها إلى اتحادات رجال الأعمال الأتراك محذرة من تعرض المؤسسات التركية لمخاطر الحظر الاقتصادي إذا واصلت التعامل مع روسيا. فيما يعدّ المسار الاقتصادي، ومظلته التجارة والتعاون الكبير في مجال الطاقة الكهربائية والنفطية، سبباً رئيساً في التقارب الروسي-التركي، وعاملاً مهماً في إرساء التوازن الهادئ بين البلدين.
ورغم أنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انضم للتحالف الغربي في إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا، فقد رفض تبني العقوبات الغربية على روسيا ومؤسساتها المالية، لكنّ الدول الغربية تنظر بعين الريبة والشك للموقف التركي المستقل أو المتوازن، في الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتشير بيانات نشرتها مصادر أميركية إلى تزايد عدد الشركات الروسية التي فُتحت لها أعمال في تركيا، وخصوصاً في مدينة إسطنبول، كما يتواصل تدفق الأثرياء الروس والمليارديرات الذين تعرضوا للعقوبات المالية والمصادرة في أوروبا نحو تركيا، وهذا العامل يغضب كلّاً من واشنطن ولندن وبروكسل، القوى الرئيسية التي تقود التحالف ضد روسيا.
وحسب البيانات الأميركية، فإنّ نحو 500 شركة روسية أنشأت أعمالاً في تركيا في النصف الأول من العام الماضي، كما أنّ الصادرات التركية إلى روسيا ارتفعت بنحو 75% خلال شهر يوليو/ تموز من عام 2022، مقارنة بحجمها في الشهر نفسه من عام 2021. وفي ذات الصدد قفز عدد الروس الذين تملّكوا مساكن في تركيا خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، إلى المرتبة الأولى بين المشترين الأجانب. وترى واشنطن أنّ تركيا عبر رفضها تبني العقوبات الغربية على موسكو تمنح الشركات الروسية فرصاً لتفادي الحظر.
تكتسب أنقرة قوتها من وجودها في حلف "الناتو"، على الرغم من نقدها كيفية تعاطيه مع مشكلاتها في أوقات الأزمات، وعدم تفعيله المادة الخامسة المتعلقة بالدفاع المشترك، لكنها لا تنوي الانتقال إلى أحلاف أخرى، فهي قررت اتباع سياسة انفتاح مالي غير محدودة على روسيا من أجل مصالحها، على أن تبقى مركزاً تجارياً على صلة كبيرة بالاتحاد الأوروبي الذي لا يزال أكبر شركائها التجاريين، وأكبر المستثمرين في السوق التركية.
لا شك في أن سياسة الحكومة التركية باتت أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة، فهي تعزز علاقتها مع دول الخليج، ودول الشرق الأوسط، والبلقان، والقوقاز، ووسط آسيا، وتسعى إلى تأسيس علاقة أكثر توازناً مع أطراف الساحة الدولية المختلفة، تحددها المصالح التركية في الجوار الإقليمي، ولم يزل الجيش التركي ملتزماً بكونه أحد جيوش حلف "الناتو".
أما لعب دور الوساطة في الحرب الأوكرانية - الروسية فهو يتعلق بمصالحها مع البلدين وبالتوازن الإستراتيجي في البحر الأسود. تركيا تفضل المفاوضات، وهي تخشى سيطرة الجيش الروسي على القوة البحرية المهيمنة على طول الساحل الشمالي من البحر الأسود، ولا تحبذ هزيمة أوكرانيا، ولا تقبل بضم روسيا أراضي أوكرانية بالقوة، لكنها تستفيد من هجرة مجتمع الأعمال الروسي إليها بعد رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين إثر العقوبات الغربية وتدفق رؤوس أموال روسية إلى تركيا، وزيادة تسجيل الشركات الجديدة في مدن مثل إسطنبول الوثيقة الصلة بالأسواق الأوروبية.
الموقع الإماراتي من العقوبات الأمريكية على روسيا
حسب دراسة صادرة عن منتدى الخليج الدولي، إن الإمارات عززت من خلال الحرب الروسية على أوكرانيا مكانتها كمركز مالي، ووجدت الأعمال الروسية مكانًا آمنًا للعمل بسبب نهج الدولة المؤيد للأعمال، والضرائب المنخفضة، وممارسة موقف المتفرج تجاه العقوبات الغربية. فقد وجدت روسيا في الإمارات شريكاً تجارياً ثميناً و بوابة محتملة للتمويل و التجارة العالميين بعدما أصبحت محرومة من الشراكة مع الولايات المتحدة و الدول الأوروبية.
ما لا شك فيه أن الأزمة الأوكرانية أثرت بشكل إيجابي على ديناميكيات التجارة بين موسكو وأبو ظبي، حيث زادت التجارة غير النفطية بنسبة 57% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، ما يعكس اتجاه نمو العلاقات التجارية. وكان حجم التجارة الثنائية بين البلدين قد وصل في عام 2021 إلى مستوى قياسي مرتفع بلغ 4 مليارات دولار، ارتفاعًا من 3.3 مليارات دولار في عام 2020. كما سهلت الفرص الاقتصادية التي أوجدها الصراع في أوكرانيا العلاقات الروسية الإماراتية أيضًا. بينما ارتفعت أسعار النفط نحو 130 دولارًا للبرميل في مارس/أذار، رفضت الإمارات والسعودية طلبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتخفيف الضغط على الاقتصاد العالمي من خلال زيادة إنتاج النفط.
وفيما يتعلق بالعقوبات الغربية، هناك مناقشات جارية لإجراء تجارة بالدرهم الإماراتي والابتعاد عن الدولار الأمريكي. في أبريل/نيسان، شدد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على رغبة روسيا في استخدام العملات غير الغربية في التجارة مع دول مثل الهند، في سعيها لتسديد المدفوعات بالدرهم الإماراتي.
وباعتبارها مركزًا عالميا لغسيل الأموال، تمتعت دبي بشكل خاص بالاستثمارات المتزايدة من الأثرياء الروس. في الربع الأول من عام 2022 وحده، مع إجبار الأثرياء الروس على ترك ممتلكاتهم في أوروبا، زادت مشتريات العقارات في دبي من قبل المواطنين الروس بنسبة 67٪ على أساس سنوي.
ودخلت أكثر من 4000 شركة من روسيا سوق الإمارات، مستمتعة بفوائد تأثير الإصلاحات التحررية الأخيرة، بما في ذلك شروط تأشيرة الدخول المريحة والقوانين التي تسمح للأجانب بامتلاك 100٪ من الشركات الإماراتية المسجلة لأول مرة.
فيما لا تزال الإمارات أيضًا مركزًا للسفر للروس، حيث تعد شركات الطيران التابعة لها من بين شركات النقل الرئيسية القليلة التي تواصل الرحلات الجوية التجارية إلى روسيا خلال الحرب.