الوقت - مع تزايد دور ومكانة الاقتصاد في السياسة العالمية، تبحث القوى العظمى عن شركاء تجاريين لتحسين موقفهم ضد منافسيهم. تحاول روسيا، التي تستعد للنظام العالمي الجديد تحت قيادتها، زيادة التعاون الاقتصادي مع حلفائها، وفي الوقت نفسه، تعتمد على شركاء موثوقين مثل إيران.
بينما تحاول الولايات المتحدة إضعاف قوة كبيرة مثل روسيا وإيران باستخدام العقوبات، دفعت هذه الضغوط طهران وموسكو نحو التقارب والتحالف الاستراتيجي. إيران وروسيا، اللتان تخضعان لأشد العقوبات الغربية، ولعدم وجود أفق واضح لتحسين علاقات هذه الدول مع الغرب، اتجهتا إلى توطيد العلاقات في المجالين التجاري والاقتصادي.
في هذا الصدد، ولتعزيز الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الماضي، سافر وفد أعمال روسي برئاسة إيغور ليفيتين، المساعد الخاص لرئيس روسيا إلى طهران. التقى ليفيتين، الثلاثاء، وبحث مع كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، بمن فيهم علي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي، محمد مخبر، النائب الأول للرئيس، وكذلك مع وزير الطرق والتنمية العمرانية ورئيس البنك المركزي، وفي هذه الاجتماعات تم بحث موضوع تعزيز التعاون الاقتصادي المشترك.
اهداف زيارة الوفد الروسي الى طهران
كما يتضح من التكوين الاقتصادي للوفد الروسي، فإن الخطة الرئيسية للرحلة هي تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية.
في هذه الاجتماعات، وصف ليفيتين التفاعلات المكثفة بين البلدين بأنها تفتح الطريق وفعالة في تحقيق الأهداف المشتركة، وقال إنه خلال هذه الرحلة، سيزور مشروع سكة حديد رشت - أستارا وميناء قزوين للحصول على صورة دقيقة عن عملية تنفيذ المشروع. كما قال المسؤول الروسي إنني أتابع شخصيًا عملية التعاون بين البنكين المركزيين في البلدين وآمل أن يتم تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين البلدين في أسرع وقت ممكن.
وفي إشارة إلى القدرات والمزايا الإيرانية الفريدة في مجال الطاقة والعبور، أعلن اهتمام الشركات الروسية بالتواجد الكبير والاستثمار في مشاريع البنية التحتية في إيران.
وفي إشارة إلى الاتفاقيات التي تم التوصل إليها لتطوير العلاقات التجارية باستخدام العملات الوطنية وتبادل البضائع، أكد رئيس الوفد الروسي أنه لحسن الحظ، مع إجراءات المسؤولين الاقتصاديين والمصرفيين في البلدين في تنفيذ الآليات اللازمة لتجاوز قيود العقوبات في المجالين النقدي والمصرفي سنشهد قريباً نقلة نوعية في العلاقات التجارية بين البلدين.
وأكد مساعد بوتين استعداد روسيا للتعاون مع إيران لتزويد دول المنطقة بالمنتجات الغذائية والسلع الأساسية، وأعلن استعداد الشركات الروسية للإنتاج المشترك للسيارات والمروحيات والمعدات الزراعية.
أكد محمد مخبر، النائب الأول للرئيس، في لقاء مع المسؤولين الروس، أن إيران ترحب بوجود ومشاركة الشركات الروسية في إنشاء واستكمال البنية التحتية في مجال النقل والعبور. وقال المخبر أيضًا إن بإمكان إيران وروسيا القضاء على جزء كبير من المشكلات المصرفية الحالية باستخدام العملة الوطنية للبلدين في المعاملات التجارية، ويمكن أن يؤدي هذا الإجراء إلى توسع معاملات البين التجارية.
وفي الاجتماع، تم التأكيد على تعزيز طرق النقل بين البلدين، بما في ذلك ممر الشمال والجنوب، أكثر من القضايا الأخرى، ويظهر أن الروس يحاولون تطوير طرق العبور هذه في أسرع وقت ممكن لتسهيل نقل البضائع بين البلدين بسهولة أكبر.
حاولت إيران وروسيا تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية في العقود الثلاثة الماضية، وأصبحت هذه العلاقات أكثر أولوية بعد بدء الحرب في أوكرانيا، وخلال هذا الوقت، قام مسؤولو البلدين بزيارات مكثفة لتقوية العلاقات بينهم.
وضعت طهران وموسكو استراتيجية "التطلع إلى الشرق" على رأس سياستهما الخارجية وتحاولان زيادة تفاعلهما مع الحلفاء الشرقيين واستبدالهم بالدول الغربية، وفي العام الماضي بُذلت جهود كثيرة، وقد تم في هذا الاتجاه عقد اجتماعات ميدانية وإقليمية وتوقيع اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف مع دول المنطقة.
فصل جديد في التعاون التجاري
في السنوات الماضية، كان لإيران وروسيا تفاعلات مكثفة مع بعضهما البعض في مجال الطاقة النووية، وفي الأشهر الماضية، تم فتح فصل جديد في العلاقات التجارية بين البلدين. يظهر الحلفاء توجها متزايدا في هذا الاتجاه، ووفقا للإحصاءات المعلنة، تجاوز حجم التجارة في عام 2022 حدود 4 مليارات دولار، والتي نمت بنسبة 100 ٪ مقارنة بالعام السابق.
وبتوقيع عقود جديدة وإطلاق ممرات سكة حديدية وممرات مائية، من المتوقع أن يصل مستوى التجارة بين البلدين إلى 8 مليارات دولار في العامين المقبلين. وحتى وفقًا للاتفاقيات التي وقعتها سلطات البلدين في طهران قبل بضعة أشهر، فقد تم النظر في سقف 40 مليار دولار للتفاعلات الثنائية في المستقبل.
من أجل الحد من آثار العقوبات الأمريكية على اقتصاداتها المحلية، اتفقت إيران وروسيا في الأشهر الأخيرة على سحب الدولار من التبادلات الثنائية، وتم اتخاذ خطوات مهمة في هذا الصدد. لذلك، يسعى البلدان إلى إنشاء بنك مشترك لصفقات النقد الأجنبي لقطع التبادلات الثنائية عبر نظام سويفت الذي يسيطر عليه الغربيون، ومع مبادرات جديدة سنشهد ازدهارًا تجاريًا بين البلدين.
تحاول إيران وروسيا، اللتان تمتلكان احتياطيات ضخمة من النفط والغاز في العالم، استخدام نفوذهما لمعاقبة الغربيين عندما تواجه أوروبا أزمة طاقة، وفي غضون ذلك، اعتمدوا أيضًا على الدول الغنية بالطاقة في العالم. إضافة إلى تطوير العلاقات الثنائية، تحاول إيران وروسيا أيضًا تطوير مصالح مشتركة في شكل تعاون متعدد الأطراف، أي مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وBRICS.
ممرات تتجاوز العقوبات
وتحاول روسيا، التي خسرت الأسواق الأوروبية بعد الحرب في أوكرانيا، نقل بضائعها إلى مناطق أخرى من خلال تعزيز ممرات النقل مع إيران، وفي غضون ذلك، فتحت حسابًا خاصًا على الطرق المشتركة مع إيران.
تم إطلاق الممر بين الشمال والجنوب، الذي كان نصف مهجور لمدة 20 عامًا، بعد الأزمة الأوكرانية، ويمكن أن يقود الطريق لزيادة التعاون بين البلدين. يعتبر هذا الممر، الذي يمتد من شمال غرب روسيا إلى المحيط الهندي، أحد أهم طرق العبور في العالم، ما سيساعد الدول المحظورة على تصدير بضائعها إلى دول أخرى دون تدخل غربي.
إضافة إلى هذا الممر، أعلنت بعض المصادر الغربية مؤخرًا أن إيران وروسيا تتطلعان إلى بناء ممر جديد. يبدأ هذا الممر البالغ طوله 3000 كيلومتر من بحر آزوف، بما في ذلك ميناء ماريوبول الرئيسي في أوكرانيا ومصب نهر الدون، وبعبور بحر قزوين، يمتد نحو الخليج الفارسي وينتهي أخيرًا عند المحيط الهندي. في المستقبل، ستلعب طرق العبور هذه دورًا مهمًا في تعزيز العلاقات بين طهران وموسكو، بل إنها طرق مناسبة لبلدان المنطقة. بسبب أزمة الاستقرار في غرب آسيا وانعدام الأمن في الطرق البحرية وخاصة في البحر الأحمر، ستكون ممرات إيران وروسيا بديلاً مناسبًا لحركة البضائع في المنطقة، ويفترض أن يكون طريق التأسيس الجديد استبدال مسار قناة السويس.
بعد الأزمة الأوكرانية، حاولت روسيا وحلفاؤها في الشرق تعزيز تحالفهم ضد الجبهة الغربية. إن تقوية المنظمات الاقتصادية الإقليمية وخلق ممرات جديدة هي جزء من هذه الاستراتيجية التي كانت ناجحة إلى حد كبير. زعم الغربيون أن العقوبات المكثفة ضد روسيا ستضعف هذا البلد وتؤدي إلى تسجيل نقاط في الميدان الأوكراني، لكن تبين أن هذه التقديرات خاطئة ووجدت روسيا عملاء جدد لأسواق النفط والغاز الخاصة بها في وقت أبكر مما كان متوقعًا، وتمكنت من تحييد آثار العقوبات، لذلك ستلعب الطرق الجديدة دورًا مهمًا في تجارة الشرق في المستقبل.
أدركت إيران وروسيا، أكثر من أي دولة أخرى، أهمية خطوط السكك الحديدية والمياه في التجارة العالمية في المستقبل وتحاولان تطوير بنيتهما التحتية للعب دور مهم في التجارة العالمية. حقيقة أن السلطات الأمريكية قلقة من إنشاء ممرات بين إيران وروسيا، وهو ما يتم بهدف الالتفاف على العقوبات، تُظهر أن طهران وموسكو تمكنا من تقليل فعالية العقوبات بمبادرات جديدة، ويظهر مساعي دول المنطقة لتعزيز علاقاتها مع طهران وموسكو على فشل مساعي أمريكا لعزل هذين البلدين.
بالنظر إلى أن تتبع خطوط السكك الحديدية أصعب من تتبع الطرق البحرية، مع استكمال ممرات النقل بين البلدين، ستفقد العقوبات الغربية فعاليتها في المستقبل، وستختفي أداة ضغط واشنطن لتضعيف الدول غير الصديقة لسياساتها. مع تطور ممرات العبور بين إيران وروسيا، سيتم أيضًا تسهيل التفاعلات التجارية بين الجانبين.
لقد دفعت التغيرات العالمية بعد الأزمة الأوكرانية روسيا وإيران نحو تقارب أكبر، والآن أصبحت العلاقات بين الحليفين على جميع المستويات مرتبطة ببعضها البعض لدرجة أن الإجراءات المدمرة للولايات المتحدة لا يمكن أن تسبب اضطرابًا فيها. من خلال نبض السكك الحديدية وممرات المياه في المنطقة، تستعد طهران وموسكو للعب دور مهم في النظام العالمي الجديد، وهو نظام متعدد الأقطاب تقوده الدول الشرقية وسيكون المثلث الإيراني - الروسي - الصيني في مركزها.