الوقت_ استطلاع إسرائيليّ جديد ضجت به المواقع العبريّة، أجراه ما يسمى "معهد إسرائيل للديمقراطية"، وكشف أنّ الإسرائيليين اليهود باتوا يولون ثقة أقل لكل مؤسسات الكيان، وقد انتشرت أخبار الكثير من اليهود الذين بات هدفهم الرئيس الخروج من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، عقب القضاء على ما تبقّى ممّا يطلق عليه بعض الصهاينة "الديمقراطيّة الإسرائيليّة"، وبالتالي تحول الكيان من مرحلة العنصريّة إلى الفاشيّة، بالاعتماد على السلطة الدينيّة والمتشددين وتعزيز العرقيّة، حيث يرفض جزء كبير من مجتمع العدو الوضع الحالي المزري، عقب تخلخل المجتمع الإسرائيليّ وانعدام استقراره نتيجة الصراعات، لدرجة تنبؤ البعض بحدوث حربٍ أهليةٍ بين المعسكرين اليمينيّ الدينيّ المتزمت والحاكم، وبين القوى الديمقراطيّة والليبراليّة، المُكونّة بسوادها الأعظم من اليهود الذين تمّ استجلابهم عن طريق الحركة الصهيونيّة من دول أوروبا، كما أنّ الهجرة من فلسطين –بعد أن كانت إليها- باتت موضوعًا مطروحًا بقوّةٍ بالنسبة لجزء يسير من الصهاينة، فيما بدأ عدد مناصري من يتحدث بتلك الأفكار ومن يطبقها يتزايد بكثرة يوما بعد آخر، وهذا ما دفع رئيس الكيان للقول: "يقض مضجعي بشكل خاص 3 أمور برزت في الاستطلاع وهي تآكل التضامن في إسرائيل، ضعف الشعور بالانتماء للدولة، وتراجع التفاؤل بشأن وضعنا".
صادم بالنسبة للقيادات الصهيونيّة، هكذا يمكن وصف الاستطلاع الإسرائيليّ الأخير، الذي نُشر كجزء من مؤشر "الديمقراطية الإسرائيلي" لعام 2022، وأظهر انخفاضًا كبيراً في ثقة الإسرائيليين بكل مؤسسات الكيان، الحكومة والبرلمان ككل والجيش والشرطة والرئاسة والمحكمة العليا، والدليل أنّ البعض بات يفكر بمغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الجمة، وقد ازدادت الأنباء المتعلقة بهذا الموضوع كثيراً عقب فوز زعيم المعارضة ورئيس الحكومة الإسرائيليّ المكلف بنيامين نتتياهو وفريقه، المؤلّف من العنصريين والفاشيين واليهود المتشددين، ما يعني بروز مشاكل ضخمة بالنسبة للكيان الشبه منهار من الداخل، علمًا أنّ جزءاً كبيراً من المجتمع الصهيونيّ هو من العلمانيين الذين يرفضون رفضًا قاطعًا العيش في كيان احتلال يحكمه أتباع الصهيونيّة الدّينيّة، باعتبارهم يُحاوِلون فرض قوانينهم الدينيّة على نظام الحكم الاستعماريّ.
وفي الوقت الذي تسلم فيه المتطرفون زمام الأمور في الكيان، وفي ظل الانقسام الشديد بين الصهاينة بدءاً من الشارع ووصولاً إلى الكنيست (السلطة التشريعية) والحكومة (السلطة التنفيذية)، وليس انتهاء عند السلطة القضائية، تماشياً مع أسلوب "تكسير العضم" داخل النظام السياسيّ الإسرائيليّ، حصلت المحكمة العليا التابعة للعدو على أدنى نسبة تدريج في عام 2022 مقارنة بالسنوات الأخرى، وينسحب الأمر نفسه على وسائل الإعلام العبرية والبرلمان والأحزاب السياسية - حيث أعرب 8.5٪ فقط من اليهود الإسرائيليين عن ثقتهم في الأحزاب السياسية، في مشهد يتناغم مع الصراع بين كل السلطات، بما يؤثر بالتأكيد على مستقبل الكيان الصهيونيّ اتفاقاً مع "لعنة الثمانين"، أي المصير المجهول الذي تسير نحوه "الدولة اليهوديّة" –المزعومة.
ومع ما يعيشه كيان الاحتلال الغاشم من ترنح نتيجة التنافس الكبير على السلطات في البلاد ولا تفائل الإسرائيليين بالخير أبداً، حيث إن الأراضي الفلسطينيّة الرازحة تحت نير الإرهاب الصهيونيّ بدت كما لم تبدو عليه في أي وقت سابق بالتزامن مع الحرب الشرسة والعلنية بين معسكري اليسار واليمين، وقد تحسس رئيس الكيان أنّ الأمور خرجت عن السيطرة بالفعل، لهذا اندفع مؤخراً في تصريحاته التحذيريّة، فمنذ عام 2019 وحتى منتصف عام 2022، انخفضت بشكل كبير النسبة المئوية من إجمالي العينة التي صنفت في السابق الوضع العام للكيان بأنه جيد أو جيد جدًا إلى 25٪ ،مقارنة بـ 53٪ في عام 2018، وكان هناك ارتفاع في نسبة أولئك الذين وصفوا الوضع على أنه "سيئ" أو "سيئ للغاية"، وقد بلغ 30بالمئة في عام 2022 مقارنة بنسبة 16 بالمئة في عام 2018، فيما يجمع السياسيون الإسرائيليون على شيء واحد فقط وهو أنّ "الخطر الحقيقي يكمن في المجتمع الإسرائيلي".
وبالتالي، أقل من نصف الصهاينة متفائلين بشأن مستقبل الكيان، وهو ما يمثل انخفاضًا عن 76٪ في عام 2012، وقد كان هناك تراجع في الشعور بالانتماء إلى الكيان ومشاكله، ولا يخفى على أحد حجم الانقسام الذي يعيشه المجتمع الإسرائيليّ بالاستناد إلى نقاط كثيرة أهمها الانتخابات الأخيرة وتزايد الشروخات التي تُهدد الكيان بشكل جديّ للغاية، حيث يردد غالبية الإسرائيليين عبارة “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وهذا الموضوع يقُضّ مضاجع صنّاع القرار بالكيان اللقيط الذي قام منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، وإنّ موضوع "نهاية إسرائيل" يطغى بشكل كبير على لسان الكثير من المحللين الإسرائيليين، استناداً إلى أدلة كثيرة أهمها التماسك الداخليّ المتآكل، والرفض المجتمعيّ لمؤسسات العدو.
وتنبع تلك الآراء نتيجة لشلل الحكومة في معالجة مشاكل تكاليف المعيشة والإسكان، بالتزامن مع ازدياد المشكلات الاقتصاديّة والفوضى الأمنيّة والسياسيّة إلى حدود خطيرة للغاية، في الوقت الذي يُجمع فيه الكثير من الإسرائيليين على "نهاية الكيان الإسرائيليّ" في عهد نتنياهو الذي "نجح" في تأليف حكومة جديدة للكيان، وفي تقسيم المُقسم داخل المجتمع الإسرائيليّ أيضاً، كما زاد بأضعاف أزمة الثقة بين الحكومة والمهاجرين المحتلين لفلسطين، في ظل الانقسام الحاد بين المعسكرين المتصارعين ما أفرز كراهية شديدة داخل مجتمعهم، وفقدان ثقتة مستوطني الكيان بشكل كامل بمؤسساته.
نتيجة لكل ما ذُكر، باتت "إسرائيل" قريبة من نقطة اللاعودة، حيث يشير المشهد الإسرائيليّ العام، وخاصة على الصعيدين السياسيّ والاجتماعي، إلى الحال الذي وصل إليه الكيان الغاصب من الترنح العميق في كل السلطات والعلاقات مع المجتمع في آن واحد، والدليل ما قاله رئيس كيان العدو يتسحاك هرتسوغ في تعليق على الاستطلاع: "منذ اللحظة التي تم انتخابي فيها رئيساً، جعلت الخلافات والتصدعات داخل المجتمع الإسرائيلي على رأس أكثر أولوياتي إلحاحاً، والآن يقض مضجعي بشكل خاص ثلاثة أمور برزت في التقرير، هي تآكل التضامن، ضعف الشعور بالانتماء للدولة، وتراجع التفاؤل بشأن وضعنا"، وهذه نتائج غير سارة تأتي على رأس أقسام أخرى من التقرير تعكس التوترات الداخلية التي تعصف بداخلنا، خاتماً: "تماسكنا آخذ بالذوبان، وعلينا أن نقوم بكل ما يلزم لإعادة بنائه".