الوقت- على خلفية تصريحاته التي استهدفت المسلمين، رفع اتحاد مساجد فرنسا الجمعة دعوى قضائية ضد الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك بتهمة "التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف". وقد قال الروائي في تصريح نشرته مجلة "فرون بوبيلير" إن المسلمين يهددون أمن الفرنسيين غير المسلمين. مضيفا أن "رغبة الفرنسيين الأصليين، كما يقال، ليست في أن يندمج المسلمون، بل أن يتوقفوا عن سرقتهم ومهاجمتهم. وإلا فهناك حل آخر، أن يغادروا".
رفع اتحاد مساجد فرنسا الجمعة دعوى قضائية ضد الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك بتهمة "التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف"، حسب ما أفادت محامية الاتحاد.
ورفعت الشكوى أمام محكمة نانتير في غرب باريس ضد مدير مجلة "فرون بوبيلير" ستيفان سيمون وضد ميشال ويلبيك ومؤسس المجلة الفيلسوف ميشال أونفراي، كما أشارت المحامية نجوى الحايت.
وموضوع الشكوى تصريحات ويلبيك بخصوص المسلمين التي وردت في مقابلة مع أونفراي ونشرت في مجلة "فرون بوبيلير".
في المقابلة، اعتبر الروائي أن المسلمين يهددون أمن الفرنسيين غير المسلمين. وصرح قائلا إن "رغبة الفرنسيين الأصليين، كما يقال، ليست في أن يندمج المسلمون، بل أن يتوقفوا عن سرقتهم ومهاجمتهم. وإلا فهناك حل آخر، أن يغادروا".
كذلك، توقع وقوع "باتاكلان معاكس" في حق مسلمين، في إشارة إلى الهجمات الجهادية في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 وهي الأسوأ في فرنسا على الإطلاق وخلفت 130 قتيلا وأكثر من 350 جريحا واستهدفت خصوصا مسرح باتاكلان في باريس.
وأقر الكاتب الأسبوع الماضي أن بعض الفقرات في المقابلة تتسم بـ"الغموض". وتحدث عن نسخة معدلة جديدة من تصريحاته الأولية التي ينتظر أن تنشر في كتاب.
من جهته، اعتبر رئيس اتحاد مساجد فرنسا محمد موسوي في بيان أن "مسلمي فرنسا لا يفهمون أن ويلبيك يدرك من ناحية أن الفقرات المعنية غامضة ومن ناحية أخرى لا يتخذ أي إجراء لوقف نشرها".
وتابع موسوي إن "اقتراحه باستبدالها في شكل كتاب مقبل لا يضع حدا لنشرها ولا يحمي المسلمين من تداعياتها".
بدوره، أعلن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي أجرى الأحد 8 كانون الثاني/يناير جلسة عامة والذي يتولى موسوي رئاسته المشتركة، عزمه على رفع شكوى ضد ميشال ويلبيك.
وساطة ودعوات متجددة للإدانة
يعتبر تصريح ويلبيك دعوة إلى الكراهية ويقع تحت طائلة عقوبة جنائية لا تقبل الشك. لكن المحاكم لا تصلح ما أفسده الإسلاموفوبيون من أمثال إيريك زمور وميشال ويلبيك وغيرهما. غير أن القضية تحولت إلى مسلسل من فصلين جديدين في انتظار تفاعلات أخرى: في الخامس من يناير، تدخل على الخط الحاخام الأكبر لفرنسا، حاييم كورسيكا، ليقترح وساطته بين ويلبيك وشمس الدين حفيظ. بعد اللقاء وافق ويلبيك على تغيير تصريحه في الكتاب الذي يصدر له قادما معترفا بأن الفقرات جاءت غامضة وسيعمل على شرحها وتفسيرها في كتابه الجديد.
أقنعت هذه التفسيرات عميد مسجد باريس الكبير الذي قبل الوساطة مع إلغاء دعوته ضد ويلبيك. هل يجب الثقة في رجل تعتبر الاسلاموفوبيا وقوده الحارق؟ على أي حال ما إن اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار، حتى أعلن محمد الموساوي، رئيس تجمع مساجد فرنسا ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، والذي له توجهات مساندة للمغرب، رفعه لدعوى ضد ويلبيك في القضية نفسها. وستقدم محامية تجمع مساجد فرنسا الدعوة يوم الإثنين امام محكمة نانتير بضاحية باريس. سترفع الدعوى ضد ميشال ويلبيك، وأيضا ضد ميشال أونفري وناشر مجلة الجبهة الشعبية، ستيفان سيمون. هناك انطباع بأن المسلمين ليسوا طرفا في المعادلة وبأن مسؤولين عن هيئات ومؤسسات دينية يرفعون دعوات قضائية ثم يلغونها من دون أي نقاش ولا استشارة ديمقراطية. إنها أحد طرق الوصاية و«تطفيل» (التحويل إلى أطفال) المسلمين.
من هو ميشال ويلبيك؟
ميشال توما ويكتب باسم ميشيل ويلبك هو مؤلف ومخرج سينمائي وشاعر فرنسي، حوله جدل كبير بين معجبيه الذين يعتبرونه خليفة للماركيز دي ساد وشارل بودلير، وبين منتقديه الذين يعتبرونه «بائعاً متجولاً ببضاعة فاسدة».
بدأ ويلبك بكتابة الشعر وسيرة كاتب قصص الرعب هوارد فيليبس لافكرافت، ثم نشر أولى رواياته سنة 1994 بعنوان «توسيع منطقة الصراع» وتلاها برواية «الجسيمات الأساسية» سنة 1998 ثم «الرصيف» سنة 2001. وبعد جولة ترويجية لهذا الكتاب، انتقل ويلبك للعيش في أيرلندا، حيث مكث لعدة سنوات، ثم انتقل إلى إسبانيا. فاز بجائزة غونكور سنة 2010 عن روايته «الخريطة والأرض».
وبالتوازي مع نشاطاته الأدبية، فهو أيضاً مخرج وممثل شارك على وجه الخصوص في فيلمين عام 2014 هما «اختطاف ميشيل ويلبك» و«خبرة الموت القريب».
ولد ويلبك في مدينة سان بيير في جزيرة «لاريونيون» الفرنسية لعائلة شيوعية. والده رينيه توما كان يعمل كدليل جبلي أما والدته لوسي سيكالدي فهي دكتوره في الطب وتعمل في التخدير تخرجت من كلية الطب في الجزائر العاصمة. أطلق عليه والداه اسم «ميشال» بعد زيارتهما إلى «جبل القديس ميشيل»، وكانت والدته قد زورت شهادة ولادته وجعلته أكبر بعامين اعتقاداً منها أنه يمتلك مواهب خاصة متفوقة على أقرانه. انفصل والداه عن والدته بزمن قصير ما أدى إلى فقدانهما الاهتمام به. عهد إليه الوالدن إلى جدته لأمه في الجزائر لتربيته والاعتناء به ثم، بعد الطلاق، تمكن والده من استعادته وكلف رعايته إلى جدته لأبيه هنرييت توما (وكانت تحمل اسم «ويلبك» قبل زواجها) وهي أيضاً شيوعية متحمسة. اعتمد ميشال اسم «ويلبك» فيما بعد اعترافاً منه بالجميل.
بعد دراسته في ثانوية مدينة مو شمال باريس، التحق بالدروس التحضيرية للمدارس العليا الفرنسية وفي عام 1975 انضم إلى المعهد الزراعي الوطني باريس-غريغنون. أسس مجلة أدبية أطلق عليها اسم «كرامازوف» كتب فيها بعض القصائد ثم شرع في التحضير لتصوير فيلم سينمائي باسم «كريستال المعاناة». تخرج من المعهد عام 1978 كمهندس زراعي متخصص في «تطوير المجال الطبيعي والبيئ». دخل المدرسة العليا الوطنية لويس-لوميير، المتخصصة بالسينما وعلوم الصورة، ودرس في قسم التصوير، لكنه تركها عام 1981 قبل أن يتخرج رسمياً. ولد ابنه إتيان في العام نفسه، ثم واجه فترة من البطالة ثم الطلاق الأمر الذي جعله يقع ضحية اكتئاب عصابي.
ويلبيك و الاسلاموفوبيا
يقول ميشال ويلبيك إن موضوع الإسلام في الأدب والإعلام الغربيين أصبح يُتناول بشكل "فيه هوس".
وأوضح الروائي المثير للجدل بحوار لصحيفة "غارديان" بمناسبة صدور الطبعة الإنجليزية لروايته "خضوع" أنها تأتي بهذا السياق الذي يدفع الناس للتوجّس من الإسلام، لكنه يردف "لا أجد نفسي ملزما بالاعتذار، ومن المستحيل رفع نسبة الحديث عن الإسلام بوسائل الإعلام أكثر مما هو موجود الآن، لقد وصلنا تقريبا إلى نسبة 100%".
واتُّهم ويلبيك عام 2002 من طرف جمعيات بالدعوة إلى الكراهية العرْقية بعد تصريحات مسيئة للإسلام والقرآن، وتتحدث روايته "خضوع" على وقوع فرنسا عام 2022 في قبضة حكم إسلامي عقب الانتخابات الرئاسية.
وذكرت غارديان أن مواقف الروائي الفرنسي من الإسلام جعلته يخضع لحماية أمنية دائمة. وفي سؤال وجه للكاتب حول ما إذا كان لديه رهاب من الإسلام، أجاب ويلبيك "بالطبع، غير أن كلمة (رهاب) توحي بالخوف وليس الكراهية، أي الخوف من الإرهاب".
الإسلاموفوبيا في الغرب
الإسلاموفوبيا تمثل حالة من حالات الخوف المرضي غير المبرر، كما أن كراهية الإسلام والمسلمين ترقى لأن تكون نمطا من أنماط العنصرية، فهي تتأسس على تصورات غير سوية، أو على جهل وهواجس ساذجة، وتتغذى من القوالب النمطية والأحكام المسبقة غير الموضوعية.
وظاهرة الإسلاموفوبيات تتأسس على سببين أساسيين، أولهما: ما يقوم به بعض الحمقى من المنتسبين للإسلام، من أعمال عنف وإرهاب، بين الحين والآخر في بلدان أوروبا. والثاني: تنامي الوجود الإسلامي في أوروبا، حيث يتكاثر عدد المسلمين كمًّا ويتطورون كيفًا ليكونوا أحد مكونات المجتمع الأوروبي.
وسائل وخطابات الإسلاموفوبيا
من وسائل الإسلاموفوبيا المستخدمة في الغرب ضد المسلمين: العنصرية الانتقائية، فالعنصرية نوعان: انتقائية، وتقليدية، أما التقليدية فهي تستعمل ضد كل المخالف للمكون الأوروبي، لكن الانتقائية هي ضد عنصر معين، وهو المسلم في أوروبا، وقد اتضحت أكثر في نموذج اللاجئين الأوكرانيين، واختلاف معاملتهم عن معاملة اللاجئين المسلمين القادمين من سوريا وأفغانستان وغيرهما، كما برز ذلك في تصريحات لصحفيين غربيين كبار، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
وهناك مواسم تشتعل فيها الإسلاموفوبيا، وعلى رأس هذه المواسم الانتخابات في كثير من دول أوروبا، هي فرصة وخاصة لليمين المتطرف في هذه البلدان، حيث يستخدم فزاعة التخويف من وجود الإسلام والمسلمين في أوربا، لحصد أصوات الناخبين.
وتنقسم خطابات الإسلاموفوبيا إلى عدة أنواع، فهناك الخطاب الثقافي الذي يركز على أن ثقافة الأوروبيين لا تلتقي مع ثقافة المسلمين، وأن المسلمين خطر على الثقافة الأوربية، ويزعم أن أوروبا تقوم بالانتحار ثقافيا باستيعاب المسلمين في أحشائها، وقبول وجودهم على أراضيها، سواء كانوا مقيمين أو مواطنين فيها.
ويستخدم الإسلاموفوبيا كذلك خطاب الهوية الأوروبية، فيقول إن المسلمين يشكلون خطرا على هوية الغرب المبنية على المسيحية، وإنهم يأتون إلى البلاد الغربية بدين مختلف من حيث الهوية، ولا يمكن أن يندمجوا في المجتمع الغربي لأنهم يتمسّكون بأمور من ثقافتهم مثل الحلال والحرام وحجاب المرأة، وهو ما يتصادم مع الهوية الأوروبية، حسب زعمهم.
ويستخدم الإسلاموفوبيا أخطر الخطابات، وهو الخطاب التاريخي والأمني؛ إذ يستغل أحداث التاريخ القديمة، فيستدعي الصراع التاريخي بين الغرب والإسلام، والحروب الصليبية مع المسلمين، كما يستغل الخطاب الأمني باستدعاء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبعض ممارسات جماعات العنف في الغرب، واستخدام ذلك وسيلة لشيطنة كل المسلمين، ولكنه لا يفعل ذلك مع أحداث مماثلة تصدر من غير المسلمين، فلا ينسب إرهابهم إلى أديانهم، بل ينسبه إلى أشخاصهم، وغالبا ما يصنّف مرتكبي ذلك بأنهم مرضى نفسيًّا.