الوقت_ في الوقت الذي يتحدث فيه الإسرائيليون ومسؤولوهم أنّ الكيان يواجه مفترق طرق تاريخيّ قد يؤدي إلى نهايته، نتيجة الفوضى والكراهية الداخلية والضعف الخارجيّ واستعباد الكيان لحاجات رجل واحد، في إشارة إلى رئيس الوزراء القادم بنيامين نتنياهو، الذي عاد إلى السلطة مجدداً بعد توليه المنصب 12 عاماً حتى عام 2021، كتلة مؤلفة من حزبه المحافظ ليكود وأحزاب يمينية متشدّدة ودينيّة حققت فوزاً حاسما في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، ناشد رئيس الكيان الإسرائيلي إسحق هرتسوج الساسة الإسرائيليين وقف التراشق بين الحكومة الائتلافية المتشددة الجديدة والمعارضة من يسار الوسط، وقال في تغريدة على تويتر "هذا توقيت حساس في الحياة العامة الإسرائيلية، أناشدكم، أيها الممثلون المنتخبون والمواطنون من مختلف الطيف العام والسياسي، ممارسة ضبط النفس والتصرف بمسؤولية، نحن بحاجة إلى تهدئة الأمور وخفض درجة الحرارة (في الخلاف السياسيّ).
انقسام حكوميّ كبير
تأتي تغريدة رئيس كيان العدو في ظل شعور عام بأنّ "إسرائيل تحفر قبرها بنفسها"، وذلك بالنظر إلى أنّ كيان الاحتلال أصبح مستعبداً بشكل كامل لاحتياجات الجماعات الإسرائيليّة المتطرفة، وبالتالي سيدفع الإسرائيليون أثماناً باهظة، وخاصة أنّ مؤسسات الكيان ستصبح بما لا شك فيه مسخرة لخدمة الصهاينة المتطرفين، وقد بات الإسرائيليون بالفعل يشعرون بأنّ الكيان بأسره يعيش دور العبوديّة الكاملة للمتشددين، ما يطرح تساؤولات كثيرة حول مدى تأثير حكومة نتنياهو –راعي التشدد الأول- على مستقبل الكيان الإسرائيليّ، في ظل معارضة كبيرة ضد هذا الوضع، ويسعى اليساريون بقوّة لأن يكون الكيان ليبراليّاً لأبعد حد، فيما يذهب أغلب المحللين إلى أنّ الكيان أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الذهاب نحو تخلخل المجتمع الإسرائيليّ وانعدام استقراره نتيجة الصراعات، أو حدوث حربٍ أهليةٍ بين المعسكرين اليمينيّ الدينيّ المتزمت والحاكم، وبين القوى الديمقراطيّة واللبراليّة، المُكونّة بسوادها الأعظم من اليهود الذين تمّ استجلابهم عن طريق الحركة الصهيونيّة من دول أوروبا.
وجاء حديث رئيس كيان العدو بعد فترة وجيزة من تصريح النائب في الكنيست عن حزب (قوة يهودية) زفيكا فوجل بأن أربعة أعضاء بارزين في المعارضة، منهم زعيمها الوسطي ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد، "هم أخطر الأشخاص الموجودين في هذه اللحظة"، ولا يخفى على أحد حجم الانقسام الذي يعيشه المجتمع الإسرائيليّ بالاستناد إلى نقاط كثيرة أهمها الانتخابات الأخيرة وتزايد الشروخات التي تُهدد الكيان بشكل جديّ للغاية، حيث يردد غالبية الإسرائيليين عبارة “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وهذا الموضوع يقُضّ مضاجع صنّاع القرار بالكيان اللقيط الذي قام منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، وإنّ موضوع "مصير إسرائيل" يطغى بشكل كبير على لسان الكثير من المحللين الإسرائيليين، استناداً إلى أدلة كثيرة أهمها التماسك الداخليّ المتآكل.
"إنهم يدعون إلى الحرب، وإذا كانوا يدعون لاحتجاجات، فسأعطيهم كل الحق في الاحتجاج لكنهم يتحدثون بعبارات أنني العدو، إنهم يتحدثون بلغة الحرب"، هذا ما نوّه إليه فوجل في مقابلة مع وسائل الإعلام الرسمية، مضيفاً: "بالنسبة لي هذه خيانة للدولة، وبالتأكيد هذا سبب للسجن"، وقالت شرطة الكيان إنها ألقت القبض على سائق سيارة لتهديده مجموعة من المتظاهرين، الذين قال لابيد إنهم من أنصار حزبه، في مدينة بئر السبع الجنوبية من خلال القيادة على الرصيف والتوقف أمامهم مباشرة، وردا على ذلك قال لابيد في تغريدة على تويتر "تحريض الحكومة سينتهي بإراقة الدماء"، وفي تعليق لاحق على تصريحات فوجل، كتب على تويتر أنه "هكذا تنهار الديمقراطية".
وفي ظل الوضع السياسي المعقد في الكيان والذي يضع الإسرائيليين باعتراف مسؤوليهم أمام "تحد تاريخيّ"، مع سير الدولة اللقيطة في طريق فقدان هذا المشروع وانهيار طموحاتهم الاستعماريّة، والتي لم ينجح تطبيقها رغم كل عمليات التطهير العرقيّ والتهجير القسريّ المستمر بأعتى الأسلحة المتطورة حتى يومنا هذا، وقد حث بيني جانتس، وهو شخصية معارضة بارزة أخرى ووزير دفاع سابق، نتنياهو (رئيس الوزراء) على كبح جماح شركائه اليمينيين في الائتلاف، قائلاً: "أدعوكم إلى التنديد بالهجوم على المتظاهرين والتصريحات القاسية والعمل على جسر هوة الانقسامات في الأمة وليس تعميقها"،فيما اعترض نتنياهو لاحقا فيما يبدو على تصريحات فوجل وانتقد أيضا تصريحات المعارضة ضد الحكومة الجديدة، قائلا إن شيطنة المعارضين أمر غير مقبول في ما أسماها "الديمقراطية".
نهاية مؤكّدة
من الواضح أنّ أهمّ السياسيين الإسرائيليين متفقين على أنّ الخطر الحقيقي يكمن في "المجتمع الإسرائيلي"، ناهيك عن القلق العارم من تدهور الكيان قبل نهاية 80 عاماً من الاحتلال، وقد نوّه رئيس وزراء الكيان الأسبق نفتالي بينيت، في تصريحات سابقة، إلى أنّ السبب الرئيس لتفكك حكومات الكيان السابقة هو الكراهية الداخليّة التي نشأت بين الإسرائيليين، وحذّر حينها من أن "إسرائيل ستنهار من الداخل لأن الكراهية بين الأفراد تؤدي إلى تفكك الأمم"، وهذا بالتحديد ما أوضحه رئيس حكومة الاحتلال السابق يائير لابيد، الذي أكّد أنّ "الإسرائيليين قريبون من نقطة اللا عودة"، حيث يشير المشهد الإسرائيليّ العام، وخاصة على الصعيدين السياسيّ والاجتماعي، إلى الحال الذي وصل إليه الكيان الغاصب من الترنح العميق في كل السلطات والمجتمع الصهيوني في آن واحد.
ومع تسلم المتطرفين زمام الأمور في الكيان، وفي ظل الانقسام الشديد بين الصهاينة بدءاً من الشارع ووصولاً إلى الكنيست (السلطة التشريعية) والحكومة (السلطة التنفيذية)، وليس انتهاء عند السلطة القضائية، تماشياً مع أسلوب "تكسير العضم" داخل النظام السياسيّ الإسرائيليّ وهذا ما يؤكّده مشهد الصراع بين كل السلطات، بما يؤثر بالتأكيد على مستقبل الكيان الصهيونيّ اتفاقاً مع "لعنة الثمانين"، أي المصير المجهول الذي تسير نحوه "الدولة اليهوديّة" -المزعومة-، مع انتقال العدو بشكل كامل من مرحلة العنصريّة المقيتة إلى الفاشيّة الشدّيدة.
وكما قال بعض الإسرائيليين تستطيع قوات الاحتلال تدمير أبنية في إحدى المناطق، لكنّها لن تستطيع أبداً وقف عملية التدمير الذاتيّ الداخليّ للكيان، إذ إنّ السرطان الذي يعاني منه كيان الاحتلال قد بلغ مراحله النهائية ولا سبيل لعلاجه لا بالأسوار ولا بالقبب الحديدية ولا حتى بالقنابل النووية، فالتاريخ علم اليهود أنّه لا يمكن لدولةً يهودية أن تستمر لأكثر من 80 عاماً، وهذا ما دفع نتنياهو، للقول: "سأجتهد لكي تبلغ إسرائيل عيدها المئة"، لكنّه وكما تقول الوقائع سيقوم بعكس ذلك.
إذن، إنّ ما يعيشه كيان الاحتلال الغاصب من ترنح نتيجة التنافس الكبير على السلطات في البلاد لا يبشر الإسرائيليين بخير أبداً، حيث إن الأراضي الفلسطينيّة الرازحة تحت نير الإرهاب الصهيونيّ بدت كما لم تبدو عليه في أي وقت سابق بالتزامن مع الحرب الشرسة والعلنية بين معسكري اليسار واليمين، وقد تحسس رئيس الكيان أنّ الأمور خرجت عن السيطرة بالفعل، لهذا اندفع في تصريحاته التحذيريّة التي كشفت أكثر حجم الخلاف في الحلقة الأخيرة من مسلسل "إسرائيل".