الوقت_ في الوقت الذي بات فيه كيان الاحتلال الغاصب مستعبداً بشكل كامل لاحتياجات الجماعات الإسرائيليّة المتطرفة، وفي خضم النقاش المتصاعد داخل مجتمع العدو حول الفساد المستشري، وهيمنة السلطة التنفيذيّة على السلطة القضائيّة، وتقزيم المحكمة العليا، وبقية المؤسسات الكابحة –وفقاً لتقارير إعلاميّة-، كشفت وسائل إعلام عبريّة النقاب عن قرار رسميّ بإغلاق ملف التحقيق مع نائب وزير الثقافة والرياضة في حكومة العدو، بشبهة الضغط على شهود في قضية تحرّش جنسي تورط به والده الحاخام، حيث بات الإسرائيليون يشعرون بأنّ الكيان بأسره يعيش دور العبوديّة الكاملة للمتشددين، وقد كتبت “يديعوت أحرونوت” مؤخراً، أن أكثر ما يثير الخوف لدى أولئك الذين يخشون حدوث تغيير جذري في نظام الكيان الإسرائيلي وتعديلات في النظام القضائي من شأنها إجراء تحوّل كامل في الطابع الديموقراطيّ للكيان، هو تعيين ياريف ليفين وزيراً للعدل، فيما حذّرت المدعية العامة لكيان العدو غالي باهراف ميارا في منتصف كانون الأول/ديسمبر من أن مشاريع القوانين الحكومية المستقبلية تهدّد بتحويل الأراضي الفلسطينية التي يحتلها الإسرائيليون إلى “ديموقراطية بالاسم، وليس في الجوهر".
شرعيّة أخلاقيّة معدومة
بما أنّ المصالح الشخصيّة و السياسيّة تطفو على كل شيء في كيان الاحتلال، أوضحت صحيفة “هآرتس” العبريّ، أنّ نائب الوزير يعقوب تيسلر (حزب يهودوت هتوراة) كان متورطاً بالحيلولة دون قيام بعض الفتية اليهود بالإدلاء بشهاداتهم لشرطة الاحتلال حول اعتداءات جنسية تعرضوا لها من قبل والده الحاخام إفرايم تيسلر، ويستدل من الشهادات التي نشرت أنه مقابل موافقتهم على وقف شهاداتهم، والتزام الصمت التام، تم إبعاد الحاخام عن وظيفته كرجل دين يهوديّ، لكن وعقب عامين من الإطاحة بالحاخام المعتدي جنسياً على الأطفال، تم إغلاق الملف بزعم عدم وجود تعاون من قبل الضحايا، رغم أنّ الحاخام تيسلر اعتدى جنسيّاً على أربعة فتية يهود على الأقل داخل المدرسة الدينيّة التي يترأسها، والمعروفة بـ “مدرسة دمشق اليعازر” في العاصمة الفلسطينيّة المحتلة.
و بالاستناد إلى أنّ الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة وبالأخص حكومة نتنياهو –التي يمكن أن تدمر الكيان- فقدت شرعيتها الأخلاقية بالنسبة لجمهورها بشكل كبير، تبين وسائل إعلام عبريّة أن الفتية المعتدى عليهم قرروا عدم الإدلاء بشهادة مباشرة ضد الحاخام، وذلك نتيجة ضغوط شديدة مورست عليهم مقابل أن يتم إبعاد الأخير عن المدرسة، كما يتضح وفقاً لتقارير إسرائيلية أن أحد الفتية الأربعة قد وقع ما يمكن تسميته “اتفاق صمت” مع الحاخام، وكل ذلك بضغوط ترهيب وترغيب قادها ابن الحاخام، نائب الوزير يعقوب تيسلر، ما يطرح تساؤولات كثيرة حول مدى تأثير حكومة نتنياهو –راعي التشدد الأول- على مستقبل الكيان الإسرائيليّ المُهدد بالفعل.
ومن الجدير بالذكر، أنّ المعلومات تؤكّد اعتقال شرطة الاحتلال في نوفمبر/تشرين ثاني الحاخام تيسلر بشبهة الاعتداء جنسياً على الفتية من تلاميذه، وهم ينتمون للفئة العمرية بين 14و 16 عاماً، وحسب شهادتين، قام نائب الوزير تيسلر بالتنسيق مع إدارة شبكة المدارس الدينية بعقد صفقة، بموجبها يتم إسكات الفتية الضحايا مقابل إقناع والده بالاستقالة من منصبه، وهذا ما حصل بالفعل عام 2018، ليتم مؤخراً كشف النقاب عن “الفضيحة الجديدة” بعدما كانت قد بقيت طي الكتمان لسنوات، ودون إطلاع حزب “يهدوت هتوراة”.
أيضاً، إنّ يعقوب تيسلر يعد مندوب حركة “أغودات يسرائيل” داخل حزب “يهودوت هتوراة” وقد انتخب للكنيست الإسرائيلي للمرة الأولى عام 2019 وانتخب مجدداً في الانتخابات الأخيرة، وعين نائباً لوزير الثقافة والرياضة، وقبل ذلك شغل تيسلر عضوية المجلس البلدي في بلدية "سدود"، كما عمل مساعداً لوزير الصحة السابق يعقوب ليتسمان، أما والده الجاني في هذا الملف الجنائيّ الفاضح، فهو من الحاخامات المركزيين لدى المجموعة اليهودية الأورثوذوكسية (الحريديم) في مدينة "بني براك"، وطوال سنوات ترأس مدرسة دينية للفتية، ولم يكن وحده من اتهم في مثل تلك القضايا، بل هناك عدد لا بأس به من رجال الدين والسياسيين الصهاينة البارزين ممن اشتبهوا أو اتهموا أو أدينوا بارتكاب مخالفات جنسيّة خطيرة وفاضحة، منهم رئيس الكيان الإسرائيليّ الأسبق موشيه قصاب، الذي أدين قبل أكثر من 10 سنوات بالاعتداء الجنسي على موظفاته، وفرض نفسه عليهن مرات كثيرة، ناهيك عن محاولاته تشويش مجرى التحقيق.
تأثيرات شديدة على مستقبل الكيان
في الفترة الأخيرة، تتزايد التنبؤات باحتماليّة وقوع حرب أهليّة نتيجة التفكك الكبير داخل المجتمع الإسرائيليّ، على الرغم من كل المساعي لضبط إيقاع الوضع داخل الكيان الصهيونيّ، إلا أنّ الخلافات الداخليّة والغضب المجتمعي تتصاعد يوماً بعد آخر، ناهيك عن التماسك الذي تآكل بشدّة في السنوات الأخيرة بين اليهود داخل المجتمع الإسرائيليّ وخاصة مع وصول المتطرفين لزمام الحكم، وحل محله فجوات حقد داخليّة تغذيها الكراهية الشديدة الخارجة عن نطاق السيطرة، والتي قد تُوصل الكيان قريباً إلى صدام داخليّ عنيف، ربما يتحول فيما بعد إلى حرب أهليّة كارثيّة.
ولا يخفى على أحد أنّ الكيان الصهيونيّ يفتقر اليوم لشخصيات تضغط على المكابح قبل فوات الأوان لكيان العدو، حيث يتوقع أن تكون نهاية هذا الكيان على يد هذه الحكومة ويد الجماعات المتطرفة، فيما يذهب أغلب المحللين إلى أنّ الكيان أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الذهاب نحو تخلخل المجتمع الإسرائيليّ وانعدام استقراره نتيجة الصراعات، أو حدوث حربٍ أهليةٍ بين المعسكرين اليمينيّ الدينيّ المتزمت والحاكم، وبين القوى الديمقراطيّة والليبراليّة، المُكونّة بسوادها الأعظم من اليهود الذين تمّ استجلابهم عن طريق الحركة الصهيونيّة من دول أوروبا.
ويؤكّد الكثير من الإسرائيليين أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يودي بالكيان إلى الهاويّة، حيث بات منخرطاً بشكل كامل ولحظي بتدمير الكيان الغاصب من الداخل، ناهيك عن الحرب الشعواء ضد أعدائه السياسيين، فيما تواجه الحكومة المتطرفة معارضة حقيقية تمثل نصف الشارع الإسرائيلي على الأقل، واليوم بتنا نسمع –كما في السابق- آلاف المعارضين الذين يدعونه للتنحي في مظاهراتهم، ولا بد أن اليوم الذي ستعجز فيه شرطة العدو عن السيطرة على الاحتجاجات العارمة قادم لا محالة، في ظل الانقسام الحاد بين المعسكرين المتصارعين ما أفرز كراهية شديدة داخل مجتمعهم، وفقدان ثقة مستوطني الكيان بشكل كامل بمؤسساته، وخاصة عقب تلك الأنباء.
ختاماً، تغذي فضائح الحكومة الفاشية الجديدة للكيان مبدأ "التصادم الحتميّ"، حيث يستمر تنافس النسق الكليّ للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة بين اليسار واليمين، وينعكس الصراع بلا شك على المجتمع الإسرائيليّ المنقسم على ذاته بين مؤيد للتطرف ومعارض له، ما يدل على تحول الكيان إلى برميل من الديناميت لا يحتاج سوى شرارة واحدة للانفجار نتيجة الانقسام غير المسبوق داخل المجتمع الإسرائيليّ، إضافة إلى تمسك نتنياهو الشديد بالسلطة لمرات عدة متجاهلاً ارتفاع الأصوات المطالبة برحيله، رغم إدراكه بما يحل بكيانه نتيجة لذلك، في وقت يعيش الكيان الصهيونيّ مرحلة حاسمة تهدد وجوده بشكل حقيقيّ وباعتراف نخبة الصهاينة في أكثر من مجال، ولذلك يستشعر كثيرون اقتراب الحرب الأهليّة التي ستعيد العدو الصهيونيّ الغاشم إلى مرحلة ما قبل عام 1948.