الوقت- إن العقيدة العسكرية للنظام الصهيوني أنشأها رئيس الوزراء ووزير الحرب الأول دافيد بن غوريون، منذ تشكيل هذا النظام المزيف، وكانت مهمته التفكير الاستراتيجي والتشغيلي وتشكيل جميع السياسات الأمنية الإسرائيلية منذ البداية على أساس هيكلية الجيش وقواعده. وعلى الرغم من تشكيل الوزارات المختلفة ذات التوجهات والأحزاب والبرامج السياسية المختلفة، إلا أن المؤسسة العسكرية للنظام الصهيوني، وعلى رأسها قيادة الجيش، كانت على رأس المؤسسات المسؤولة عن تأسيس القواعد الأساسية للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية. وفي غضون ذلك، يعتبر مفهوم الأمن الداخلي قضية حيوية ووجودية للصهاينة، وتشمل أبعادها ما يلي:
الف) الأمن الداخلي والخارجي.
ب) العلاقات الخارجية للنظام الصهيوني وموقفه الدولي.
ج) النمو الاقتصادي والموارد الطبيعية في فلسطين المحتلة.
د) سلطة اتخاذ القرار والتنفيذ.
ه) تماسك ومرونة المجتمع "المدني" الصهيوني.
وينعكس مفهوم الأمن الداخلي بالتأكيد في الأدوار التي تلعبها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بقيادة الجيش، فضلاً عن تداخلها مع مختلف جوانب سياسات الكيان الصهيوني. وعلى الرغم من أنه وفقًا لقانون النظام الصهيوني، فإن الجيش تحت قيادة وزير الحرب يخضع إلى حد ما لسيطرة المؤسسات السياسية، لكن الواقع هو أن المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في إسرائيل تخضع جميعها لسيطرة الجيش. وعليه، لطالما اعتبر الصهاينة الجيش المؤسسة الأكثر موثوقية لحمايتهم.
وإضافة إلى ذلك، فإن المعاهد البحثية ومراكز الفكر والدوائر الأكاديمية والإعلامية التابعة للنظام الصهيوني مدربة تحت إشراف الجيش وملتزمة به. ولهذا السبب، يلعب الجيش الإسرائيلي دائمًا الدور الرئيسي في عملية القرارات الحساسة، والتقييمات الاستخباراتية، والسيطرة على العمليات، وما إلى ذلك.
لكن الجيش الصهيوني، بدوره المحوري وتأثيره على ركائز نظام الاحتلال، عانى من ازدواجية هيكلية في السنوات الأخيرة في ظل الأزمة السياسية الإسرائيلية الواسعة الانتشار، وخاصة في المرحلة الجديدة مع دخول المتطرفين. إن الأحزاب والحاخامات في مجلس الوزراء والأطراف والأشخاص الذين سيأخذون أدواراً مهمة في الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة "بنيامين نتنياهو" بدؤوا انقلاباً سرياً على الجيش منذ البداية.
وإيتمار بن جاور، رئيس حزب القوة اليهودية، الذي من المفترض أن يكون وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو، وبتسلئيل سموتريتش، الزعيم المتطرف لحزب "الصهيونية الدينية"، عضوان متطرفان في حكومة نتنياهو، حتى قبل التقديم الرسمي لهذه الحكومة بدأت تتدخل في استراتيجية الجيش، وخاصة على صعيد المواجهة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وهي القضية التي أثارت غضب واحتجاج العديد من المسؤولين والقادة في الكيان الصهيوني.
ولقد انتقد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي تصرفات بن جاور وسموتريتش الأخيرة وأعلن أن الجيش لن يسمح لأي سياسي يساري أو يميني بالتدخل في أوامر قيادة الجيش واستخدام الجيش كأداة لكسب مصالح سياسية. لكن من الواضح أنه في ظل تشكيل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة والصلاحيات التي منحها نتنياهو لأعضائها، فإن خوف جيش هذا النظام من فقدان موقعه ودوره وصلاحياته لا يقتصر على ذلك. وتشير الأدلة إلى أنه مع هيمنة الأحزاب والمتطرفين في حكومة نتنياهو على أركان نظام الاحتلال على مختلف المستويات، فقد الجيش الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية لهذا النظام تدريجياً مجال نفوذهما وجزءاً كبيراً من سلطتهما في دوائر صنع القرار وفي مجال الأمن الداخلي للصهاينة،والسلطة فإن المجال مفتوح للصهاينة المتطرفين الذين ليس لديهم خبرة في الشؤون العسكرية.
وحسب وسائل الإعلام العبرية، أوكل نتنياهو قيادة 2000 من حرس الحدود في الضفة الغربية، بمن فيهم أفراد من الوحدة الخاصة، إلى إيتمار بن جاور، ومن المتوقع أيضًا أن يزداد عدد وحدات حرس الحدود في الأراضي المحتلة عام 1948. كذلك، مع تغيير المستوى القانوني للحكومة الجديدة للنظام الصهيوني وإقالة منصب المستشار القانوني للحكومة، يبدو أن قوة الجيش تتناقص تدريجياً.
بعبارة أخرى، فإن احتكار السلطة في يد الجيش الصهيوني آخذ في الانهيار. حيث تم نقل مسؤولية السيطرة على الضفة الغربية من قائد المنطقة الوسطى للنظام الصهيوني إلى وزير مستقل في وزارة الحرب يتبع رئيس الوزراء مباشرة. أيضًا، وفقًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش، مُنح سموتريش السلطة الكاملة على الأمور المتعلقة بالمستوطنين الصهاينة والفلسطينيين.
يُشار إلى أنه منذ عام 1967 واحتلال الصهاينة للضفة الغربية، لم تحدث حالة واحدة لمدني مسؤول عن السيطرة على الضفة الغربية، وترى الأوساط الإسرائيلية أن الأوضاع الحالية واستبدال شخصية سياسية مع نهج متطرف للسيطرة على الضفة الغربية، سوف يكون له العديد من التداعيات على الأمن الداخلي لهذا النظام.
وحسب هذه الحالات، فإن الكيان الصهيوني الآن في موقع لم يعد فيه الجيش هو أول وأهم هيئة لصنع القرار وسلطة موثوقة للصهاينة، واعتبر أن الجيش نفسه الذي كان في السنوات الماضية في ظل الإخفاقات العسكرية والاستخباراتية ضد المقاومة، فقد جزءا كبيرا من مكانته بين الإسرائيليين، ومع تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة مهامها، سيكون وضعه أسوأ بكثير.