الوقت - بعد أن نجح "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات العربية المتحدة في الإطاحة والسيطرة على المحافظات الجنوبية في اليمن وسيطرته على محافظة شبوة الشهر الماضي، تواصل هذه المجموعة إدارة ظهرها للاتفاقات مع مجموعات سياسية أخرى. ولا يزال المجلس الانتقالي الجنوبي يحاول مرة أخرى تكرار هذا السيناريو في مقاطعتين جديدتين لهما ثقل اقتصادي كبير في البلاد.
والتوجه نحو المحافظات الشرقية في اليمن - حضرموت والمهرة – يعتبر خططًا جديدة للإمارات وقوتها العميلة المجلس الانتقالي، والتي تتماشى مع الخطة الشاملة للسيطرة على المطارات والموانئ الاستراتيجية في اليمن. وبينما تسيطر الإمارات اليوم على موانئ اليمن بشكل مباشر أو من خلال ميليشياتها في عدن وتعز وحضرموت وسقطرة وشبوة، هذه المرة دخلت المهرة على الحدود مع السلطنة عبر بوابة استثمارية في أحد موانئ البلاد.
ولقد وافقت حكومة عدن في اليوم الأخير من عام 2022 على عقد بقيمة 100 مليون دولار مع الإمارات لبناء ميناء بحري جديد في منطقة رأس شيروين بمحافظة المهرة. وحسب رويترز، سيخصص هذا الميناء الجديد لأنشطة التعدين التجاري في محافظة المهرة. وأفادت وكالة الأنباء هذه، نقلاً عن مسؤول حكومي، بأن العقد المبرم مع شركة "أكام" الإماراتية لبناء ميناء بحري في منطقة رأس شيروين بالمهرة، يتضمن إنشاء ميناء مكون من عدة مستويات، بما في ذلك حاجز أمواج بطول 1000 متر ورصيف بطول 300 متر لرسو السفن. كما أن هذا الميناء مخصص لتصدير الحجر الجيري والمعادن الأخرى إضافة إلى نقل الحاويات والبضائع المختلفة وتحميل السفن.
معارضة عامة
أثار نشر هذا الخبر غضب اليمنيين، وخاصة سكان محافظة المهرة، الذين اعتبروا هذا الاتفاق مفتاح الدخول الرسمي لدولة الإمارات إلى محافظتهم، التي تم الكشف عن خططها الاستعمارية لمناطق الموانئ اليمنية الأخرى خلال السنوات الماضية.
وحول هذا السياق، كتب أنيس منصور، الناشط والصحفي اليمني، على فيسبوك: "أهالي المهرة أحبطوا مشروعًا ضخمًا وكبيرًا وعالميًا وهو مشروع أنبوب النفط، فماذا عن مشروع ميناء قشون؟" وحصر منصور الموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرة الإمارات أو ميليشياتها وقال: "ميناء عدن، وميناء المخا، وميناء مقلح، وميناء الضبا، وميناء بير علي، وميناء بلحاف، وميناء ردوم، وميناء زوباب، والخوخة وميناء الخوبة وميناء قنا وميناء النشيمة تقبع حاليا تحت سيطرة الامارات".
من جهتها، أدانت "لجنة الاعتصام" في محافظة المهرة، عبر المتحدث باسمها علي بن محمد، الموافقة على عقد إنشاء ميناء قشان في المهرة، وأضافت: "نحن نرفض بشكل قاطع هذا الغموض والقرار غير المعروف ". ولجنة الاعتصام هي حركة من النشطاء السياسيين والمدنيين ضد وجود التحالف الذي تقوده السعودية والذي تشكل في محافظة المهرة عام 2016 ونشط في رفض سياسات الرياض وسيطرتها على مراكز الشحن في صرفيت وميناء نشطون ومطار الجيزة الدولي.
كما أكد الناشط السياسي علي المهري أن الموافقة الأحادية الجانب على عقد ميناء قشان من قبل حكومة عدن تتعارض مع الدستور. ورأى أمير الشامي أن "الاتفاق على ميناء قشون في محافظة المهرة جاء حتى تتمكن الإمارات من السيطرة على جميع الموانئ اليمنية". من ناحية أخرى، قال ناشط سياسي يمني آخر، عبود المهري، إن تأجير ميناء قشان، الذي وصفه تماشيا مع احتلال الإمارات العربية المتحدة لمدة 50 عاما، غير مقبول، وأن أهالي المهرة وكل أهل اليمن لن يسمحوا بذلك.
ويشير الناشط السياسي ماهر عبد الرحيم المهري، في مقابلته مع الخليج أون لاين، إلى أن هذا العقد يعد احتيالًا واضحًا بحق أهالي منطقة قشان في المهرة، ويهدف إلى نهب ثروات هذه المحافظة. وكشف الناشط السياسي أن شركة قهم "شركة وهمية تأسست عام 2017 من قبل الإمارات كشركة سعودية بهدف استكشاف واستخراج موارد المهرة.
التخطيط للسيطرة على المهرة وحضرموت
المهرة، وهي محافظة في أقصى شرق اليمن وتعرف بالبوابة الشرقية لليمن، لها حدود طويلة مع عمان، وبسبب بعدها عن مركز اليمن، فقد نجت من ساحات القتال الكبرى. وفي هذه المحافظة سهل ساحلي ومرتفعات كبيرة ومناطق جبلية وصحراوية. وتتمتع هذه المحافظة أيضًا بخط ساحلي طويل في بحر العرب والمحيط الهندي، يبلغ طوله ما يقرب من 560 كيلومترًا، وبهذا المعنى يمكن أن تكون ممرًا تجاريًا لليمن. وتتمتع هذه المحافظة أيضًا بموارد معدنية وزراعية ومائية كبيرة، وتوجد فيها مناظر طبيعية خلابة وفرص استثمارية كبيرة. كما أن قلق التحالف من تهريب الأسلحة والمعدات من خارج الحدود إلى صنعاء كان أحد أسباب محاولة المعتدين السيطرة على هذه المحافظة.
كانت خطة الإمارات للسيطرة على هذه المحافظة مخططة منذ السنوات الأولى للحرب، كما فعلت في عدن وبعض المدن الجنوبية. ودخل ممثلو الإمارات هذه المحافظة في أغسطس 2015، بعد 4 أشهر فقط من دخولهم اليمن، وأُعلن أن سبب وجودهم هو دعم السلطات المحلية والحفاظ على الأمن في هذه المحافظة المهمة.
إضافة إلى المهرة، حضرموت هي محافظة أخرى وجدت موقعًا رئيسيًا في الجولة الجديدة من الجهود التي تبذلها الإمارات والميليشيات المتحالفة معها لتوسيع السيطرة الإقليمية. وحضرموت هي أكبر محافظة في اليمن، فهي تمثل أكثر من ثلث مساحة البلاد (36 في المئة)، إضافة إلى الثروة النفطية والمعدنية والسمكية، ويبلغ طول ساحلها 450 كيلومترًا. ولحضرموت ثقل سياسي كبير في معادلات اليمن المستقبلية ويمكن أن تكون عقبة في طريق المشاريع التي تريد فصل جنوب هذا البلد عن شماله.
ويحاول المجلس الانتقالي بدعم من الإمارات زعزعة استقرار أوضاع هذه المحافظات ومن ثم إيجاد طريقة للسيطرة عليها. ولقد فرضت قوات النخبة الحضرمية الموالية للإمارات سيطرتها بشكل أساسي على سواحل محافظة حضرموت. وقد جاء هذا الوجود بمزاعم تحت عنوان القتال مع ترويج "الإرهاب" و "القاعدة" و "الإخوان". ويعتقد علي جابر، الناشط السياسي اليمني ، في حديث له، أن ما يحدث الآن في شرق وجنوب شرق اليمن "ليس سوى خطوة واحدة من الخطوات التي اتخذتها الإمارات منذ سنوات من أجل السيطرة على كل الجنوب والمحافظات الشرقية وسواحل اليمن".
وأشار إلى أن "خطة الإمارات لتمكين المجلس الانتقالي من السيطرة على المهرة وحضرموت من داخل أبو ظبي يتم تنفيذها من خلال عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الذي كان في الإمارات منذ فترة طويلة. وقالت مصادر محلية، إن الإمارات العربية المتحدة تدير فريقاً في سقطري يهدف إلى الإطاحة بالسلطات المحلية في المهرة. وحسب هذه المصادر، فقد خصصت الإمارات ميزانية مالية بنحو عشرة ملايين درهم (2.72 مليون دولار) لعبد الله بن عيسى بن عفرار، زعيم ميليشيا المجلس الانتقالي في سقطري، لتكرار تجربة سقطري في المهرة. وأصبحت جزيرة سقطرى الاستراتيجية، التي كانت تقليديًا قاعدة نفوذ جماعة الإخوان الإصلاحيين، تحت سيطرة المجلس الانتقالي بعد تطورات عام 2018 وتمرد القوات الجنوبية على حكومة منصور هادي. وعليه، فإن ميليشيات المجلس الانتقالي تعمل على زيادة التوترات في المهرة وسط تحذيرات أخيرة من قبل السلطات المحلية بجهود لإغراق المحافظة في أعمال عنف وفوضى.
اشتداد المنافسة مع عمان
أدى جهد الإمارات ووكلائها لتوسيع وجودها ولعب دور في المهرة إلى تكثيف المنافسة مع الفاعل الأجنبي التقليدي المؤثر في هذه المحافظة، وهي عُمان، وخاصة أن عُمان تسيطر على أحد أهم البحار والموانئ التجارية في المهرة. والتواجد في المهرة من خلال التواصل المكثف مع القبائل والشخصيات البارزة فيها له علاقة مباشرة بمصالح الأمن القومي لسلطنة عمان وأمن الحدود الغربية.
إن التنافس بين عمان والإمارات له تاريخ أقدم من التطورات في اليمن. ففي الماضي، كانت الإمارات العربية المتحدة جزءا من مملكة عمان القديمة، أي قبل الاستعمار البريطاني الذي أعاد ترسيم الحدود الإقليمية الوطنية في مشيخات الخليج الفارسي في منتصف القرن العشرين. وهذا الانقسام انتهى بتشكيل سلسلة من الصراعات والنزاعات الحدودية المستمرة، و لا سيما الصراع على الشريط الساحلي الذي يمتد لمسافة 16 كيلومترًا على طول حدود البلدين. ولقد بدأت أبوظبي عام 2005 ببناء جدار حدودي على طول حدودها مع سلطنة عمان بحجة التخلص من أزمة تهريب البشر والبضائع.
لكن الهدوء الذي جاء بعد ترسيم الحدود بين البلدين كان أيضًا الهدوء الوحيد قبل العاصفة، التي بدأتها الإمارات في قلب عمان، عندما أفاد التلفزيون العماني في أواخر كانون الثاني (يناير) 2011 بأن "شبكة تجسس إماراتية" كانت تعمل على الاطاحة بالنظام العماني.
ومع ذلك، فإن المنافسة بين الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان تتخذ الآن منعطفًا مختلفًا في محافظة المهرة. وإضافة إلى محاولة الحصول على وجود عسكري بالوكالة، تمارس الإمارات العربية المتحدة أيضًا نفوذًا ناعمًا من خلال إرسال آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والدوائية إلى المهرة ومساعدة السلطات المحلية في إعادة بناء شرطة المهرة وقوات الأمن. لم يكن خافياً على عُمان أن الحركات الإماراتية في المهرة تضع الأسس للسيطرة على هذه المحافظة في المستقبل. لذلك، استجابت عمان في البداية لهذه التحركات بمساعدات إنسانية فورية، تضمن جزء منها الوقود والغذاء والمعدات الطبية المجانية بمبلغ 180 ألف دولار شهريا. وفي وقت لاحق، منحت مسقط الجنسية العمانية لسلطان المهرة الشيخ عيسى بن عفرار وحيدر أبو بكر العطاس، رئيس "حكومة الوحدة الوطنية الأولى في اليمن"، إلى جانب ما يقرب من 69 طفلاً من هاتين العائلتين.
إلا أن اشتداد هذه المنافسة في الأشهر الأخيرة أدى إلى مواجهة عسكرية، حيث أجرت سلطنة عمان في أغسطس الماضي مناورة عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة في محافظة ظفار جنوبي البلاد تحت عنوان "وادي العبد". وأدت هذه المنافسة إلى تزايد المخاوف في محافظة المهرة من انتقال الفوضى والعنف إلى هذه المحافظة.