الوقت- رغم أن الحزبين الكرديين الرئيسيين في منطقة شمال العراق، وهما الاتحاد الوطني (يكيتي) والحزب الديمقراطي (البارتي)، تمكنا من تجاوز خلاف طويل الأمد بشأن اختيار مرشح الرئاسة العراقي، وبالتالي يجب على كلا الحزبين في مجلس الوزراء الاعتراف بحكومة بغداد الجديدة كشريك سياسي، لكن حالة العلاقات بين الحزبين في المناطق الكردية تشبه إلى حد كبير مبنى البرلمان في بغداد، وشهدت الأشهر الأخيرة توترات بين الجانبان تزداد عمقا وخطورة كل يوم، حتى أنه من المنظور السياسي والاقتصادي والأمني يواجه المنطقة حالة من عدم اليقين. حذر رئيس إقليم كوردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، مؤخرا، من أن إقليم كوردستان يواجه مخاطر وتهديدات جسيمة بسبب الخلافات المستمرة بين أربيل والسليمانية.
أبعاد التوتر والاختلاف
أصبحت الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في المنطقة الشمالية من العراق أكثر صعوبة يوما بعد يوم، حيث تسببت هذه التوترات في قيام أعضاء حزب الاتحاد الوطني، بمن فيهم قباد طالباني، نائب رئيس الوزراء الحالي لإقليم كوردستان، بمقاطعة الاجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء المحلي.
وحسب بيان بافل طالباني - رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني وشقيق قباد - فإن هذه الفجوة سببها عدة قضايا مختلفة. وقال بافل في مقابلة مع شبكة روداو الإعلامية قبل أسابيع: إن حكومة إقليم كردستان تعاقب منطقة السليمانية وإدارتها، ولا تدفع رواتب المواطنين، ولا تسمح حتى لنائب رئيس الوزراء بالقيام بواجبه، وعلى وجه التحديد، قال البيان إن حكومة إقليم كردستان "لا تسمح لقباد باستبدال الوزراء أو المسؤولين المتورطين في الفساد".
في غضون ذلك، لم يبد رئيس وزراء إقليم كوردستان، وهو من عائلة بارزاني ونجل مسعود رئيس الحزب الديمقراطي، أي رد ذي مغزى على مخاوف وانتقادات قادة الاتحاد الوطني، ويعتبرون الخلل من قبل أداء الطرف المنافس. على سبيل المثال، قال هيمن هورامي النائب الأول لرئيس مجلس النواب المحلي وعضو الحزب الديمقراطي في مقابلة، في إشارة إلى التوترات: "المهام في السليمانية تحت سلطة الاتحاد الوطني الكردستاني، ولا أحد يعلم عن دخل هذه المنطقة ".
لطالما كانت قضية حجم عائدات النفط وطريقة إنفاقها والتدقيق في هذه العملية من أكبر الشكوك والمطالب المهمة للرأي العام والمواطنين الأكراد في الإقليم، والتي تزايدت فيها المشكلات الاقتصادية في السنوات الأخيرة، وأثرت على معيشة الشعب وأدت إلى تشكيل احتجاجات ضد وجود الفساد في الهيكل البيروقراطي والتصويت على هرم السلطة في هذه المنطقة.
عادت التوترات بين الطرفين إلى اشتداد المنافسة نتيجة تعطل معادلات القوى في الماضي. في الأسابيع الأخيرة، اغتيل هوكر عبد الله رسول (المعروف باسم هوكر الجاف)، ضابط مجلس الأمن الكردستاني في مدينة أربيل في 7 أكتوبر، والذي انفصل هذا العام عن الاتحاد الوطني وانضم إلى الحزب الديمقراطي المنافس، ما أشعل الأجواء الأمنية للإقليم.
نفى الاتحاد الوطني بشدة التورط في هذه الحادثة وطالب بتحقيق كامل في هذه الحادثة، لكنه طلب أيضًا من الحكومة عدم نشر أسماء مرتكبي الحادث، لكن الدائرة الأمنية بقيادة البرزاني أعلنت عن أسماء مرتكبي الاعتداء واعترافاتهم، ما أدى إلى تصعيد الخلافات.
ويبدو أن بارزاني يحاول إحداث شرخ داخل الاتحاد الوطني، ومن خلال الاستفادة من الاختلافات في قياداته، واستقطاب رأي الجهات الأمنية، ما سيضعف المنافس التقليدي في مجال تغيير معادلات القوة في الإقليم ويصبح قوة بلا منافس للإقليم.
وهذا يعني تدمير اتفاق تقاسم السلطة القديم في إقليم كوردستان، والذي تم التوصل إليه بعد الحرب الأهلية في التسعينيات بين مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي، وجلال طالباني زعيم حزب الاتحاد الوطني. ومن الأمثلة الواضحة على انهيار هذه الاتفاقية.. الجهود المكثفة التي بذلها الحزب الديمقراطي للفوز بالمقعد الرئاسي العراقي، الذي كان دائمًا في يد الاتحاد خلال سنوات ما بعد 2003.
التوتر اليوم بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي هو بلا شك نتيجة صراع تاريخي عمره 60 عامًا بين شخصين - الملا مصطفى بارزاني وإبراهيم أحمد - اللذان قسما الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1964 إلى نصفين بسبب خلافاتهما، ويبدو أن هذا الأمر تسبب في عدة عقود من الاختلافات التاريخية والأيديولوجية والجغرافية وحتى اللغوية.
الآن مسرور بارزاني وقباد طالباني ورثا هذا الصراع، والحدود بين المساحات الخضراء والصفراء للمناخ أصبحت جريئة مرة أخرى بالمعنى الحقيقي، لذلك يعتقد الكثير من المحللين أنه إذا لم يتم حل القضايا الخلافية، فقد يتم إنشاء نظام إداري ثنائي، ما يعني فصل السليمانية عن الهيكل السياسي والإداري لأربيل.
الخلاف على الموارد المالية
يستمر استياء الاتحاد الوطني من أن الحزب الديمقراطي يعاقب السليمانية منذ أكثر من عام. والواقع أن في قلب الخلافات التخفيض الحاد في ميزانية السليمانية من قبل حكومة الإقليم، الأمر الذي تسبب في معاناة المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني مثل السليمانية لمشاكل جدية مثل دفع رواتب الموظفين وقوات الأمن.
حاليًا، يزعم قادة الاتحاد الوطني أن دخل محافظة السليمانية – من بين عائدات النفط والضرائب من معبرين حدوديين دوليين - لا يزال غير كافٍ لتلبية الاحتياجات الأساسية للمحافظة. وتسبب نقص الأموال في أزمة أجور في مناطق السليمانية مثل حلبجة وغرميان ورابرين وأدى إلى تأخير دفع رواتب الموظفين.
هذه المشاكل المالية أيضا سببها القضايا الهيكلية. يعتمد إقليم كردستان العراق بشكل أساسي على عدد من مصادر الدخل، أهمها النفط. وقد تم توزيع استخراج النفط بين مناطق سيطرة الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من أن غالبية هذه الموارد تخضع لسيطرة الحزب الديمقراطي، إلا أن جودة هذا الزيت متدنية جدًا ويجب خلطه بزيت المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد لبيعه.
والأهم من ذلك، أن الخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم لم تحسم بعد، وأصبح قرار المحكمة الاتحادية العراقية بحظر جميع عمليات التنقيب عن النفط وبيعه في الإقليم عقبة رئيسية أمام نفط الإقليم، ما زاد من مشاكل أربيل المالية.
أصبح عدم الاستقرار في التمويل من أكبر نقاط الخلاف بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، وخاصة حول خطة تصدير الغاز الطبيعي من العراق إلى خارجه، والتي يسعى الحزب الديمقراطي بشغف إلى تنفيذها، لكن الاتحاد الوطني يعارض بقوة هذا العمل. بطبيعة الحال، أدت هذه النزاعات على النفط والغاز إلى مزيد من الخلافات المالية البارزة.
وقد أثارت هذه المشاكل قلقًا كبيرًا لشعب الإقليم، لأن أي خلافات بين هذين الحزبين الرئيسيين ستعيد ذكريات حقبة الحرب الأهلية والأزمة المالية وانقسام الحكومة.
لا أحد متأكد مما يخبئه المستقبل للإقليم، حيث يتحرك كل من الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي في اتجاهات مختلفة، ويختلفون بشكل متزايد؛ ولا أحد يعرف أين ستذهب سفينة الإقليم الصغيرة في النهاية؟
