الوقت- بينما تدعي السلطات الأمريكية أن سبب استمرار وجودها العسكري في العراق هو للمساعدة في استقرار وتأمين هذا البلد، إلا أن تصرفات واشنطن تثبت عكس هذا الادعاء.
في آخر الأنباء عن خطط واشنطن المشبوهة، حذر المحلل السياسي العراقي مؤيد العلي من تحركات السفيرة الأمريكية في بغداد إيلينا رومانوفسكي، واجتماعاتها مع كبار المسؤولين، وقال إن واشنطن تحاول إعادة إرهابيي داعش من مخيم الهول في سوريا إلى العراق لزعزعة استقرار هذا البلد من جديد. وحسب هذا المحلل السياسي فإن تحركات السفيرة الأمريكية ولقاءها بعدد من الشخصيات المؤثرة آخرهم وزيرة الهجرة قد يأتي لخدمة الإرهاب وتوفير بيئة جديدة ومراكز نمو لعناصر داعش الإجرامية.
بناءً على ذلك، سيتم توطين عائلات إرهابيي داعش في محافظات كركوك وديالى ومحيط بغداد. هذه مناطق بعيدة عن سيطرة الحكومة المركزية وتقع ضمن نفوذ إقليم كردستان، ويمكن لأمريكا، التي لديها المزيد من القواعد والقوات في هذه المحافظات، تقويتها بسهولة. ونفذت مجموعات الحشد الشعبي العام الماضي عشرات العمليات للقضاء على عناصر داعش في كركوك وديالى، ويظهر ازدياد نشاط هذه المجموعة في الأشهر الأخيرة استمرار وجود الدعم لهذه المجموعة الإرهابية.
حذر مسؤولون وخبراء سياسيون وعسكريون عراقيون قبل أسبوعين من مؤامرة أمريكية لمواصلة العمليات الإرهابية في العراق. وفي هذا الصدد، قال أحمد رحيم عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، عن تحركات الجيش الأمريكي لدعم الإرهابيين: الجماعات الإرهابية لجأت إلى بعض الأماكن في ديالى، وخاصة في مرتفعات حمرين والضواحي ويستخدمونها لاستهداف قوات الأمن.
كما حذر المحلل السياسي العراقي صباح العقيلي من الوجود العسكري الأمريكي على حدود العراق وسوريا وقال إن هذا الوجود يهدد أمن البلدين وخاصة سوريا التي لا تستطيع السيطرة على حدودها بسبب الوضع الراهن.
الشريط الحدودي هو نقطة الانطلاق للجماعات الإرهابية بهدف التسلل إلى العراق بأوامر من الولايات المتحدة، حتى تتمكن هذه المجموعات من السيطرة على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا واستخدامه ضد الحكومة العراقية.
أمريكا هي مؤسس تنظيم داعش، وأثناء فترة احتلال التكفيريين لجزء من أراضي العراق، عرقلت الطريقة التي قاتل العراقيون بها هذه المجموعة الخطط الأمريكية، وحتى أنه نُشرت وثائق عدة مرات أظهرت أن مروحيات أمريكية أسقطت مواد غذائية وأسلحة لداعش والتي تم الاستيلاء عليها في المعركة، وحتى في المواقف الحرجة كان يتم تهريب قادة هذه المجموعة لاستخدامهم ضد العراقيين في المستقبل. على الرغم من تدمير الجزء الأكبر من داعش في العراق، لم تشعر أمريكا بخيبة أمل أبدًا من هذه المجموعة، وحاولت في السنوات الماضية بطرق مختلفة تقوية العناصر المتخفية لهذه المجموعة التكفيرية.
مخيم الهول القنبلة الموقوتة لعودة ظهور داعش
يقع مخيم الهول، الذي يأوي 56 ألف من أفراد وعائلات تنظيم داعش الإرهابي، في شمال شرق سوريا وعلى بعد 10 كيلومترات من الحدود العراقية. ومسؤولية إدارة هذا المخيم تعود للمجموعة المسلحة المعروفة بـ "قوات سوريا الديمقراطية" التابعة للجيش الأمريكي. وقد أعلنت سلطات بغداد مرارًا استعدادها لإغلاق هذا المخيم، لكن الأطراف الأجنبية ليس لديها نية لتفكيك قضية عائلات داعش. في السنوات الأخيرة تم تسليم المئات من عائلات الإرهابيين إلى الحكومة العراقية، وبقي عدد كبير منهم من مواطني دول أخرى لا تنوي حكوماتها إعادتهم.
بسبب عدم تقديم الكثير من الدعم الدولي لمخيم الهول، نشأ وضع بائس لسكان هذا المخيم. قالت منظمة أنقذوا الأطفال، في تقرير نشرته مؤخرًا عن أوضاع عائلات داعش في الهول، إن حوالي 7000 طفل أجنبي في سوريا لا يزالون معرضين لخطر سوء المعاملة والعنف.
وأكدت هذه المنظمة أن هؤلاء الأطفال يعيشون في ظروف يرثى لها ولم يعد هناك وقت نضيعه. وحسب تقرير المنظمة، في عام 2021 وحده، فقد 74 طفلاً حياتهم في مخيم الهول، 8 منهم قُتلوا. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، قُتل أكثر من مئة شخص في هذا المخيم بين يناير 2021 ويونيو 2022.
وبالنظر إلى سوء حالة عائلات الإرهابيين في هذا المخيم، يبدو أن الأمريكيين يحاولون تقليص عدد الموجودين في المخيم ومنع وقوع كارثة، بحجة دعم هؤلاء الأشخاص ومنع تفاقم الأوضاع. قد تكون الإحصائيات الرهيبة للوضع في مخيم الهول فرصة جيدة لواشنطن لإقناع السلطات العراقية باستلام مواطنيها في أسرع وقت ممكن.
أهداف أمريكا الرئيسية
ما لا شك فيه أن السيناريو الجديد لأمريكا لإعادة عائلات داعش إلى العراق لا يُطرح لأهداف إنسانية، بل يسعى بالتأكيد إلى تحقيق أهداف سياسية أخرى. وبالنظر إلى أن الحكومة العراقية الجديدة قد تولت السلطة مؤخرًا وأن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لديه توجهات أكثر تجاه جماعات المقاومة، ولهذا السبب تحاول واشنطن نقل التكفيريين إلى العراق.
والهدف من جعل هذا البلد غير آمن هو إظهار الحكومة الجديدة على أنها غير فعالة والتلميح إلى أن الحكومة التي شكلتها قوى المقاومة لا تستطيع مواجهة التهديدات الأمنية، ودفع الرأي العام العراقي ضد الحشد الشعبي والسوداني.
قضية أخرى هي أنه لأن البرلمان العراقي، المتمحور حول ممثلي المقاومة، يحاول إعادة فتح قضية ترحيل الأمريكيين، فإن واشنطن تخطط لتحويل انتباه العراقيين عن هذه القضية من خلال إحداث الفوضى وانعدام الأمن. لأن وجود داعش يوفر فرصة جيدة لأمريكا لتعزيز موطئ قدمها في هذا البلد بحجة مواجهة الإرهابيين.
تأتي الحركات الأمريكية الجديدة بينما تكتسب مجموعات المقاومة العراقية مزيدًا من القوة في هذا البلد يومًا بعد يوم، وهي الآن في أعلى مستوياتها سياسيًا وعسكريًا، وهذا تهديد لمصالح واشنطن. حاولت الولايات المتحدة في السنوات الماضية الضغط على حكومة بغداد حتى تتمكن من إخراج الحشد الشعبي من جسم القوات الأمنية، لكن هذه التحركات لم تذهب إلى أي مكان. والآن إضافة إلى القطاع الأمني، فإن قوى المقاومة لديها الآن أيضا أغلبية البرلمان، واختاروا هم رئيس الوزراء.
لهذا السبب، يحاول البيت الأبيض، الذي لا يستطيع الوصول إلى أهدافه بالوسائل السياسية، إضعاف فصائل المقاومة بجعل العراق غير آمن، وتقوية خلايا داعش هو الخيار الأفضل لواشنطن لتنفيذ خططها مرة أخرى.