الوقت- بعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية لتعزيز العلاقات الاقتصادية وما تبعها من آثار جانبية، وصفها البعض بأنها علامة على ابتعاد بكين عن إيران، ولكن بعد أيام قليلة من هذه الرحلة، قام مسؤولون من رجال الأعمال الصينيين بالسفر إلى طهران لإظهار أن الحفاظ على العلاقات مع طهران وتعزيزها هو الاستراتيجية الرئيسية في سياسة الصين الإقليمية لغرب آسيا. ولهذا الغرض، وصل نائب رئيس الوزراء الصيني هو تشون هوا من أجل تطوير العلاقات وتفعيل التعاون الاستراتيجي لمدة 25 عامًا بين إيران والصين، جنبًا إلى جنب مع وفد سياسي واقتصادي وتجاري وتقني كبير رفيع المستوى يتألف من 70 شخصًا، إلى طهران يوم الاثنين الماضي وعقد اجتماع "التعاون الشامل" بين إيران والصين "الذي بدأ يوم الثلاثاء الماضي بحضور محمد مخبر النائب الأول لرئيس إيران ونائب رئيس الوزراء الصيني في طهران.
وحسب السلطات الإيرانية، كانت نتيجة مباحثات واتفاقيات الطرفين بداية تنفيذ مشاريع بعشرات المليارات من الدولارات من الاستثمارات المشتركة وتطوير التعاون الصناعي بين الطرفين، وهو ما يعد خطوة مهمة لتنفيذ التعاون الاستراتيجي والتنموي في العلاقات بين البلدين. وفي هذه المفاوضات، تم تكليف بعض المشاريع التمويلية القليلة التي تم تعليقها خلال الحكومة السابقة بمهام وبدأت من جديد.
وفي هذه الاتفاقيات المكونة من 16 نقطة، تم التباحث حول مجالات مختلفة، مثل الاستثمار ونقل التكنولوجيا في مختلف القطاعات الصناعية والتعدين والاتصالات السلكية واللاسلكية والإلكترونيات الدقيقة والنفط والغاز والبتروكيماويات، وكذلك قضية طريق العبور (خطوط الشرق والغرب والشمال والجنوب) ) كانت من بين النقاط الرئيسية للنقاش بين الطرفين. كذلك، من خلال تشكيل مجموعة عمل مشتركة، اتخذ الطرفان إجراءات لتصميم الآليات والأعمال اللازمة لتطوير التجارة في ظروف العقوبات الغربية. وكان أحد الموضوعات الرئيسية التي نوقشت مشاركة إيران الفعلية في مبادرة الحزام والطريق الصينية. لذلك، من وجهة نظر الخبراء، يمكن أن تكون هذه الرحلة هي المفتاح لبدء اتفاقية استراتيجية مدتها 25 عامًا.
صدر الحسيني: بدء اتفاق الـ25 عاما مع زيارة الوفد الصيني
وبزيارة هذا الوفد الرفيع المستوى وعزم الحكومة الثالثة عشرة، يمكن القول إن البلدين قد دخلا مرحلة جديدة من التفاعلات الاقتصادية والتجارية والصناعية. ومنذ أن تولت الحكومة الثالثة عشرة منصبها، كانت استراتيجية "انظر إلى الشرق" على رأس أولويات سياستها الخارجية وتحاول تعزيز علاقات إيران مع الدول الآسيوية، وخاصة الصين وروسيا.
إن تطوير العلاقات الاقتصادية مع الصين، التي تعد القطب الاقتصادي الثاني في العالم، يمكن أن يحسن موقع إيران في المنطقة ويحولها إلى طريق عبور سريع في المنطقة. وفي الوقت الذي تكون فيه بوابات أوروبا مغلقة أمام روسيا، يمكن أن تكون لدول مثل إيران أهمية خاصة بالنسبة للصين. وتمتلك الصين مئات المليارات من الدولارات في التجارة مع الدول الأوروبية، وكان جزء كبير من صادراتها إلى أوروبا يمر عبر روسيا، ولكن بعد الحرب في أوكرانيا، تم وضع طرق بديلة على جدول الأعمال، وكانت إيران واحدة منها والتي يمكن أن تساعد الصينيين، ليتمكنوا من نقل بضائعهم إلى الأسواق الأوروبية في أقصر وقت ممكن. ومن ناحية أخرى، تعد الصين أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم وتحاول تطوير علاقاتها مع إيران لضمان أمن تدفق طاقتها للمستقبل.
وقال سيد رضا صدر الحسيني، خبير الشؤون الدولية، في حديث مع الوقت، عن أهداف رحلة الوفد الصيني: إن "زيارة نائب رئيس الوزراء الصيني والوفد المرافق له كانت رحلة محددة مسبقا. وفي اجتماع العمل بين البلدين، دخل إلى إيران وفد من 70 عضوا من المسؤولين الصينيين من القطاعين العام والخاص، وكان الموضوع الرئيسي هو التمكن من تنفيذ الاتفاقية التي تبلغ مدتها 25 عاما من خلال الحوار والتدابير العملية والتوسع و تعميق العلاقات في المجال الاقتصادي. جدير بالذكر أن عددًا من الضيوف الرسميين والحكوميين الصينيين غادروا إيران بعد المحادثات التي أجروها مع الرئيس والنائب الأول لرئيس الجمهورية ومحافظ البنك المركزي ووزير الاقتصاد والمالية، لكن القطاع الخاص لا يزال موجودًا في طهران ومع المسؤولين في إيران، تم التشاور في مجالات مختلفة من النفط والغاز، والقضايا البيئية والاقتصاد البحري وغيرها من القضايا المشتركة حتى يتمكنوا من التوصل إلى تفاهمات متبادلة. وفي العام الماضي، تم اتخاذ إجراءات بهذا الشأن، وسيساعد وجود الخبراء والفريق الصيني في طهران على تسريع العلاقات الاقتصادية."
نظرة على الاتفاقية الاستراتيجية التي تبلغ مدتها 25 عامًا
تأتي جهود الصين وإيران لتنفيذ اتفاقية الـ 25 عامًا في حين أن هذه الاستراتيجية طويلة الأجل هي واحدة من العقود الاقتصادية الرئيسية الموقعة بين البلدين وتحدد خطوط التعاون الثنائي في جميع المجالات. ومن البنود الرئيسية في هذه الاتفاقية، التي تقدر قيمتها بـ400 مليار دولار، قضايا الطاقة، وبناء على ذلك التزم الصينيون بشراء النفط من إيران لمدة 25 عاما. ومن الأمور المهمة الأخرى الواردة في الاتفاقية مع الصين إعادة الأموال إلى إيران وتسهيل العلاقات المصرفية مقابل بيع النفط. وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة والأوروبيين يحاولون منع العملة الاجنبية من دخول إيران بفرض عقوبات واسعة النطاق، يمكن أن تكون هذه القضية إنجازًا كبيرًا لإيران.
كما ستساعد الصين إيران على تطوير محطات توليد الطاقة لديها والقدرة على تصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة، كما تم التأكيد على التعاون المشترك لإنشاء محطات توليد الكهرباء في العراق وأفغانستان وسوريا وباكستان بهدف توفير الكهرباء اللازمة للطريق الجديد. ومن ناحية أخرى، تم إبرام اتفاقيات في مجال النقل الجوي والبري والسكك الحديدية والبحري، وستقوم الصين باستثمارات في هذا المجال، والتي سيكون تطوير البنية التحتية للممر بين الشمال والجنوب جزء مهم منها.
كذلك، بالنسبة لتطوير السواحل، تنص الاتفاقية بين إيران والصين على أنه يمكن للطرفين إنشاء موانئ بتقنيات عالية، فضلاً عن ممر من الجنوب إلى الشمال لتصدير البضائع إلى دول آسيا الوسطى، فضلاً عن ممر من الجنوب إلى الغرب لتصدير البضائع إلى تركيا وأذربيجان. ويمكن أن تكون هذه القضية عملا عظيما لإيران، التي تكافح مع عقوبات واسعة النطاق، وسوف تخلق فرص عمل. كما يفترض أن تتعاون إيران والصين في المجال العسكري والدفاعي، بمعنى أن المعرفة بالصناعات العسكرية لهذين البلدين يفترض أن تتقدم من خلال التعاون مع بعضهما البعض.
وكما قال مسؤولون إيرانيون، فإن هذا الاتفاق الاستراتيجي يقوم على أساس توفير المصالح المشتركة واللعبة المربحة للجانبين. وكانت هذه الاتفاقية مهمة للغاية لدرجة أن مسؤولي البيت الأبيض أعربوا مرارًا عن قلقهم بشأن التحالف الصيني الروسي الإيراني.
وعلى الرغم من أن زيارة الوفد الصيني إلى إيران تمت بترتيب مسبق، إلا أن هذه الرحلة تمت في وقت أثارت العلاقات بين إيران والصين في الأيام الأخيرة غضب الرأي العام والسلطات الإيرانية بسبب توقيع وثيقة معادية لإيران. والبيان الذي أدلى به شي جين بينغ في اجتماع الدول العربية الصينية. إن السلطات في بكين، التي أدركت خطأها، أعلنت رسميًا عدة مرات ومن خلال شخصيات حكومية مختلفة أنها تحترم وحدة أراضي إيران. وفي هذا الصدد، أعرب نائب رئيس الوزراء الصيني في لقائه مع الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي، أثناء نقله تحيات الرئيس شي جين بينغ الحارة إلى الرئيس الإيراني، عن رغبة الصين في تطوير علاقات قوية مع إيران، كدولة دائمة وأكدوا وقالوا: "إن تصميم الصين على تعزيز وتعميق العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية سيستمر بغض النظر عن التطورات الإقليمية والدولية".
وتنظر الصين إلى إيران على أنها ممثل سيلعب دورًا مهمًا في مشروع "حزام واحد وطريق واحد"، ولا يمكن أن يقطع الأذى الذي تتعرض له بعض دول المنطقة هذه العلاقات، لأنه عندما رفع المشايخ العرب رقصة السيف مع مسؤولي البيت الأبيض وتم توقيع عشرات المليارات من العقود، كانت الصين تصمم أول عقد طويل الأجل لها مع إيران.