الوقت_ في الوقت الذي يترقب فيه محللون انفجار “انتفاضة عارمة” ستغير الواقع الحاليّ في فلسطين المحتلة، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ اليوم الأول للاستعمار السرطانيّ، تتواصل النقاشات داخل المؤسسة الأمنيّة للكيان حول الأوضاع المترديّة في الضفّة الغربيّة المحتلة واحتمال اندلاع "انتفاضة ثالثة"، ولا يخفى على أحد أنّ الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة تتصاعد يوماً بعد آخر بحق أهالي الضفة الغربيّة المحتلة فيما تعيش المنطقة أوضاعاً متوترة للغاية وعمليات طعن وإطلاق نار متواصلة تستهدف قوات الاحتلال، في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، واليوم مع الاستعدادات لقدوم حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، والتي ستكون حسب كثيرين الأكثر عنصريّةً وتطرفًا وفاشيّةً في تاريخ العدو، بعد الإعلان مؤخراً عن التوصّل لاتفاقٍ بين حزب (ليكود) وحزب (الصهيونيّة الدينيّة) بقيادة الفاشيّ بتساليئيل سموتريتش، الذي يرى بالإسلام (دين الإرهاب)، ما يشي وفقاً لمراقبين باحتماليّة أن تفتح أبواب جهنم على تل أبيب التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، حيث يتوقع جلُ المراقبين ومنهم إسرائيليون أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة بسبب الإجرام الإسرائيليّ غير المسبوق.
فشل إسرائيليّ وثورة وشيكة
"فلسطين متجهة نحو تصعيد أمنيّ عالٍ جدًا، يصل إلى مستوى انتفاضة، مع توقع وقوع قتلى ومصابين في صفوف الاسرائيليين"، هذا ما أشار إليه الرئيس السابق لجهاز الأمن العّام (الشاباك) عامي أيالون، الذي تطرق إلى الانتقادات اللاذعة التي وجهت إلى جهاز “الشاباك”، على خلفية فشله في احباط العملية المزدوجة التي نفذها المقاومون الفلسطينيون في العاصمة الفلسطينيّة القدس مؤخرًا، معترفاً بالفشل الإسرائيليّ مجدداً يقوله: "إنّ أي هجوم لا يتم احباطه هو فشل، وأنا أعتقد أن الشاباك يدرك ذلك جيدًا أكثر من أي أحد آخر".
ومع توالي الانتقادات اللاذعة إلى قادة الأحزاب المنخرطين في تشكيل الحكومة التابعة للعدو وصراع قادتها على المناصب، في ظل الزيادة الكبيرة في معدل عمليات المقاومة الفدائيّة على الأراضي الفلسطينيّة، وتأكيد مختلف الأوساط التابعة للعدو، أنّ تلك المنطقة التي شهدت تفعيل وسائل المقاومة والمواجهة باتت خطرة للغاية على الكيان الذي تعيش أجهزته الأمنيّة ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين، نظرًا لكثافة العمليات ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، ناهيك عن تعرض حكومة العدو لانتقادات لاذعة نتيجة لجرائمها وجاهزيتها القتالية في الضفة الغربية، يشير أيالون، الذي شغل في السابق كذلك منصبًا وزاريًا، إلى ضرورة التمييز بين الهجمات الفردية والمنظمة، معترفاً أن الشاباك لم ينجح الشاباك في منع ذلك.
"الوضع يتجه نحو التصعيد أكثر "، عبارة قالها أيالون أظهرت حجم الارتباك الإسرائيليّ الشديد عقب الأحداث الأمنيّة الأخيرة في فلسطين، وتأكيد مصادر إسرائيلية مختصة أنّ الحكومة الجديدة للكيان لن تكون بأي حال قادرة على وقف عمليات المقاومة الفلسطينية ضد جنود الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، وهذه التصريحات دقيقة للغاية فالضفة لم تعد كالسابق والمقاومة تتطور كماً ونوعاً، مع ارتفاع احتمالات أن تنفجر الأوضاع أكثر وأكثر هناك بسبب التمادي الإسرائيليّ الصادم والتبؤات بزيادة ذلك في عهد الحكومة الفاشية الحالية.
لكن، تناسى المسؤول الإسرائيليّ البارز أنّ الإجراءات الإسرائيليّة الخاطئة يوماً بعد آخر، تشير إلى عدم رغبة واستعداد الكيان الصهيونيّ لأدنى تغيير في منهجه، وقد أثقبت حكومات العدو المختلفة مسامعنا بأنّها ستضاعف المراقبة وهي جاهزة لإفشال ما تزعم أنّه "إرهاب" و"إرهابيون" في الضفة الغربيّة الرازحة تحت نير إجرامها واعتداء مستوطنيها، كما أنّ تجربة الفلسطينيين المريرة مع العدو أثبتت بكل المقاييس أنّ العدو سيطور من أساليبه الإجراميّة التي لا يمكن لكلمات أن تصفها، وبالتالي فإنّ أحداث الضفة الغربية ستكون بالفعل الفتيل في إشعال التوتر مجدداً على الساحة الفلسطينيّة، وتقود إلى جولة أخرى من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها، وتُبعثر كل الأوراق السياسيّة والأمنيّة، ناهيك عن أنّ التصعيد الأمنيّ الحاليّ في القدس والضفة الغربية حذر منه بشكل متكرر مسؤولون إسرائيليون عديديون تحسسوا خطر تصرفات حكوماتهم الطائشة والسياسية الصهيونيّة العدوانية.
لصق التهمة بالسلطة
عودنا الكيان الإسرائيليّ لأهداف دعائيّة وسياسيّة، إلصاق فشله الدائم على السلطة الفلسطينيّة، متناسيّاً ازدياد وتيرة الجرائم الإسرائيليّة بحق الفلسطينيين، واستمرار حسابات الكيان الخاطئة بشدّة في فلسطين، حيث إن السياسة الصهيونيّة الفاشلة بدأت نتائجها تظهر بشكل كبير حتى باعتراف الإعلام العبريّ والمحللين والقياديين العسكرين الصهاينة، مع إقدام العدو على خطوات تصعيديّة كثيرة، والدليل أنّ أيالون، عاد وكرر أنّ السلطة الفلسطينية ليس لديها قيادة يمكنها كبح جماح الشعب الفلسطينيّ لأنّ القيادة التي كانت لديها قد دمرت بالكامل، حسب تعبيره.
وعقب تحذيرات من رئيس جهاز المخابرات الداخلية التابع للكيان الصهيونيّ "الشاباك"، رونين بار، رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو، من "إمكانية انهيار السلطة الفلسطينية"، على الرغم من أنّ حكومة رام الله فتحت كل أبواب التعاون مع "إسرائيل" واستخدمت جميع الأساليب الإجراميّة ضد شعبها، مستجدية العدو الباغي لأنّها تعتبر مقاومته أمراً خاطئاً، أوضح التلفزيون الرسميّ (كان)، مؤخراً وعلى لسان مصادر سياسيّة وأمنيّة وازنة، أن تل أبيب باتت على قناعةٍ تامّةٍ بأنّ السلطة الفلسطينيّة بحاجةٍ لعملية إنقاذٍ وإنعاشٍ مستعجلةٍ، مضيفاً إنّ رئيس السلطة في رام الله، محمود عبّاس، أنهى عمليًا دوره، وأنّ الأجهزة الأمنيّة التابِعة له أصبحت ضعيفةً للغاية ولن تتمكّن من فرض الأمن والأمان في الضفة، حيث أعلنت السلطة مراراً عن استمرارها في استخدام منهج الخنوع الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة والاستحقار أمام الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
ومجدداً، حذّر رونين بار رئيس الكومة القادم، من انفلات الأمور الأمنيّة في الضفّة الغربيّة المحتلة، على وقع ضعف السلطة الفلسطينية ووهن الأجهزة الأمنيّة، فالحكومة الجديدة، التي ستشارك فيها قوى تمثل اليمين الديني المتطرف، ستكون مطالبة ببلورة سياسات للتعامل مع الأوضاع الأمنية في الضفة، وسيطلب منها أن تقرر طابع العلاقة التي يجب أن تسود مع السلطة الفلسطينية، ويبدو التحليل الإسرائيليّ هنا صائباً إلى حد ما، فالسلطة انهارت وليست بانتظار الانهيار، بعد أن ساهم الرئيس عباس، بتطبيق مشاريع الكيان الغاصب التي تهدف إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة من خلال التعاون اللامحدود مع الإسرائيليين، ومن منا لا يعرف أنّ السلطة الفلسطينيّة سقطت سقوطاً مدويّاً من قلوب الفلسطينيين وباتت أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته، والمشكلة تكمن في السلطة الفلسطينيّة ذاتها التي أثبتت التجارب الكثيرة أنّها لن تكون في يوم من الأيام ممثلاً شرعيّاً لمطالب الفلسطينيين الذين يعيشون الويلات بسببها على أراضيهم المغتصبة من الصهاينة.
إضافة إلى ذلك، نقل موقع (زمن إسرائيل) العبريّ عن مصادر أمنيّةٍ رفيعةٍ، أنّ التهديد المركزيّ الذي يُواجِه الكيان في هذه الفترة بالذات هو ازدياد ضعف السلطة الفلسطينيّة والتصعيد الأمنيّ بالضفّة الغربيّة، وبالتالي اعتراف إسرائيليّ يضاف إلى الكثير من الاعترافات بهزيمة الصهاينة الكبرى في الضفة، بالتزامن مع مجموعة كبيرة من الإجراءات من عمليات المقاومة الفلسطينيّة، نتيجة جرائم قوات الاحتلال الإسرائيليّ، كما أنّ المسؤولين الصهاينة لا يملكون بالفعل حلولاً لمواجهة هذه المقاومة الجديدة والفريدة من نوعها، وبالأخص فيما يتعلق بعمليات الطعن والدهس، بعد أن أثبت المقاومون أنّهم قادرون على فرض معادلاتهم على العدو القاتل والسلطة الفلسطينية الخانعة، والدليل هو الحملة الإسرائيليّة الفاشلة ضدّهم نتيجة أمرين الأول أنّهم غير منظمين بمقرات ومؤسسات محددة والثاني أنّهم منتشرون بكثرة في كل شارع وحيّ.
ومن ناحية أُخرى، كشفت القناة الـ 13 بالتلفزيون العبريّ عن محافل واسعة الاطلاع في الكيان قولها إنّ واشنطن وجهّت رسالةً حادّةً لصنّاع القرار في "إسرائيل" أبلغتهم فيها أنّها تخشى خشيةً عميقةً مصير السلطة الفلسطينيّة، وأنّ الولايات المتحدة الأميركية قلقة جدًا من تردّي مكانة السلطة وفقدانها للسيطرة على المناطق التابعة لها في الضفّة الغربيّة، وطالبت تل أبيب بالعمل على منع الانزلاق الخطير في وظيفة السلطة، متناسين أنّ السبب الوحيد لأيّ أزمة هو الإجرام الصهيونيّ الأعمى.
نتيجة لكل ذلك، رضخ المسؤولون الصهاينة للأمر الواقع، واعترفوا بطريقة أو بأخرى وبإجماع تام أنّ "إسرائيل" واستعمارها العسكريّ فشل بالكامل في وأد ثورة هذا الشعب الذي يتعرض للإبادة في أرضه، لكن الشيء الآخر الذي ستتعامى عنه أي حكومة جديدة، هو الأيام القادمة التي ربما ينظر إليها من قبل وزارئهم الجدد بإيجابيّة، حيث إنّ غياب أو تغييب دور السلطة وفشل العدو لأشهر طويلة إن لم نقل لسنوات، وبروز حالات جديدة من المقاومة يجعل حكومة نتنياهو في دوامة لا مخرج منها سوى الخنوع لمطالب الفلسطينيين.