الوقت - بينما يعاني لبنان من مشاكل سياسية واقتصادية كثيرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، فإن الأخبار السارة حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تل أبيب وبيروت قد خلقت فرحةً وسعادةً بين اللبنانيين، ومن ناحية أخرى جلبت الحزن والأسى للصهاينة الذين كسبوا كل شيء بالقوة والقتل في الـ 74 عامًا الماضية.
"عاموس هولشتاين"، الوسيط الأمريكي الذي كان مسؤولاً عن الحوار غير المباشر بين الحكومة اللبنانية والکيان الصهيوني، سافر إلى بيروت وتل أبيب عدة مرات خلال العامين الماضيين لحل الخلاف بين لبنان والکيان، وأخيراً قبل أيام قليلة قدم مشروع اتفاق إلى السلطات اللبنانية والسلطات الصهيونية بشأن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة واستغلال موارد الطاقة في هذه المنطقة، حيث أعلنت تل أبيب الأربعاء الماضي وبيروت بعد ذلك عن اتفاقهما النهائي بعد المراجعات.
في الأيام العشرة الماضية، كانت هناك ثلاثة ردود فعل في قضية رسم الحدود البحرية بين بيروت وتل أبيب من قبل مجلس الوزراء الأمني للکيان الصهيوني.
أول ما حدث هو أنه في هذا الوقت وبعد عرض خطة هولشتاين على رئيسي بيروت وتل أبيب، أكد الطرفان موافقتهما على اقتراح هولشتاين. لكن رد الفعل الثاني جاء بعد يوم واحد، عندما أعلن لبيد أنه يسحب تصريحاته وهو ضد خطة الوساطة الأمريكية بسبب ضغوط داخلية.
وفي رد الفعل الثالث، بدأ هولشتاين العمل من جديد وقدم خطةً أخرى أقرها مجلس الوزراء الأمني للکيان الصهيوني الأربعاء الماضي، ولبنان الخميس.
بالطبع، قبل ذلك أيضًا، كان رئيس الوزراء المؤقت للکيان الصهيوني قد زعم أنه "كما طلبنا منذ اليوم الأول، فإن هذا الاقتراح يحمي مصالح إسرائيل الأمنية والسياسية والاقتصادية!". وفي الوقت نفسه، أضاف: "إننا نعمل بهدوء للتوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية(مع لبنان)."
أظهرت هذه الاعترافات أن قادة الكيان الصهيوني قد استسلموا لحزب الله ولا يستطيعون الرد عليه، لأنهم آمنوا تمامًا بالتهديدات والأعمال الوطنية للسيد حسن نصر الله، وأنه لن يتنازل عن حقوق لبنان بأي شكل من الأشكال. لذلك، كان على قادة تل أبيب الرضوخ لحقوق لبنان إما بالدبلوماسية أو بالقوة.
اعتراف وسائل الإعلام والسلطات الصهيونية بالهزيمة
صحيفة "هآرتس" هي إحدى وسائل الإعلام الصهيونية التي اعترفت في مقالات مختلفة، بأن تل أبيب ليس أمامها خيار سوى الموافقة على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.
وفي هذا الصدد، اعترف أحد الوزراء في المجلس الأمني للكيان الصهيوني في حديث لـ "هآرتس"، بموافقة السلطات الصهيونية على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين فلسطين المحتلة ولبنان، وقال: "حتى أولئك الذين يعارضون تنازل رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد للبنان، وحتى أولئك الذين يعتقدون أنه كان من الممكن التوصل إلى اتفاق أفضل، بعد سماع المعطيات والتقديرات الاستخبارية، لم يفكروا في التصويت ضد الاتفاقية (في اجتماع مجلس الوزراء الأمني)."
وكتبت هذه الصحيفة أن رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت وكذلك وزير اتصالات الکيان الصهيوني يوعاز هندل، اللذين كانا يفكران في التصويت ضده، امتنعا أيضًا عن رفض الاتفاق، لأنه لم يكن لديهما خيار آخر.
هناك مسؤول صهيوني واحد فقط، وهو خصم لبيد، أظهر أنه ضد اتفاقية الحدود البحرية مع لبنان ولم يتراجع عن أقواله، وهو "بنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء الأسبق للکيان الصهيوني.
بالطبع، يعتقد الخبراء في شؤون المنطقة أن نتنياهو يطلق مواقف جوفاء، لأنه کان يريد أن يتم هذا العمل علی يده، ولذلك يدعي على هذا النحو، وإلا فهو يؤيد الحل السلمي لمسألة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، لأنه يدرك جيداً قوة المقاومة اللبنانية.
ويرى نتنياهو أن تل أبيب استسلمت للأمين العام لحزب الله اللبناني في هذه القضية. وزعم في الوقت نفسه أنه إذا فاز في الانتخابات النيابية المقبلة في الأراضي المحتلة واستعاد السلطة، فإنه سيلغي هذا الاتفاق.
وقال أيضًا: "لقد أعطى لبيد مصدرًا ضخمًا من الغاز لحزب الله اللبناني بيديه، دون الرجوع إلی الكنيست(برلمان الکيان الصهيوني)". وسبق لنتنياهو أن هاجم لبيد وقال إنه استسلم للسيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان، في قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
وقد ردّ لبيد أيضًا على أقواله، وقال: نتنياهو يواصل الحديث عن ذلك دون معرفة تفاصيل المسودة المقترحة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية. وأضاف مخاطبًا نتنياهو: "على مدى 10 سنوات، فشلتم في محاولة التوصل إلى اتفاق حول ترسيم الحدود".
كما أن اعتراف "إيليت شاكيد"، وزيرة الداخلية وزعيمة حزب "البيت اليهودي" في الكيان الصهيوني، مثير للاهتمام في هذا الصدد أيضًا. حيث قالت الوزيرة الصهيونية إن "تهديدات السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان، جعلت تل أبيب تتحرك نحو اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان".
كما أعربت عن استيائها من تهديدات السيد حسن نصر الله بتفجير حقل كاريش للغاز في البحر الأبيض المتوسط، إذا لم يصل لبنان إلی حقوقه القانونية في ملف ترسيم الحدود البحرية.
إعلان الانتصار في لبنان
رد الفعل الأهم على اتفاق ترسيم الحدود البحرية، أعلنه الرئيس اللبناني ميشال عون بعد يوم واحد بالضبط من إعلان موافقة الكيان الصهيوني.
وأعلن خلال خطابه موافقة لبنان على الصيغة النهائية لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني، وقال: "اتفاقنا تم بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب وموافقة إسرائيل."
وشدد الرئيس اللبناني على أن هذا الاتفاق ينسجم مع مطالب لبنان ويحمي حقوقه، وقال: لبنان لم يتراجع عن مطالبه الأساسية وأخذ جميع حقوقه.
وبعد الإعلان عن هذا الموضوع، ذكر عون نقطتين مهمتين أخريين، الأولی أن "لبنان حصل على حقل قانا النفطي بالكامل، وفي نفس الوقت، هذا البلد لم يدخل في طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني بأي شكل من الأشكال، من خلال هذا الاتفاق".
والنقطة المهمة الأخرى كانت ضمانات أمريكا وفرنسا للاستخراج من حقل قانا للنفط والغاز، والتي أعلنها عون قائلاً: "تلقينا ضمانات من الولايات المتحدة وفرنسا لاستئناف أنشطة النفط والتنقيب في المياه اللبنانية."
كما كان رد فعل "جبران باسيل" زعيم التيار الوطني الحر ووزير الخارجية اللبناني الأسبق والمسيحي اللبناني، مثيرًا للاهتمام في هذا السياق أيضًا. وأعلن أن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، أثبت بقوة المقاومة وصواريخها وطائراتها المسيرة، معادلة "دون الاستخراج من قانا لن يتم الاستخراج من کاريش".
كما ذكر باسيل نقطةً مهمةً أخرى، وهي "أخذنا حقل قانا بأكمله، وهذا على الرغم من حقيقة أن هذا الحقل ليس في منطقتنا بالكامل".
رغم إعلان الأصدقاء والأعداء عن انتصار حزب الله في مسألة ترسيم الحدود البحرية، وهو ثالث انتصار كبير لحزب الله خلال 22 عامًا على الکيان الصهيوني، لكن بعض المسؤولين اللبنانيين الموالين لآل سعود وأمريكا وفرنسا التزموا الصمت حتى هذه اللحظة، ولم يشاركوا حتى في الاحتفال الوطني بلبنان.
النقطة الأخيرة هي أن مقاومة وصمود حزب الله وأمينه العام أثبتا أن الكيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة، ويجب الوقوف ضده بكل قوة حتی يجثو على ركبتيه.