الوقت- التقى رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، السبت، برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ، خلال منتدى "تانا" العاشر حول السلم والأمن في أفريقيا، بمدينة بحردار الإثيوبية، حيث قال البرهان خلال اللقاء، عن قضية سد النهضة، إنه "من الممكن التوصل لاتفاق بشأن القضايا الفنية للسد".
المسؤول السوداني رحب بمقترح تقدم به آبي أحمد بشأن قيام تكامل اقتصادي بين البلدين، معلنا أن "القضايا العالقة بينهما يمكن حلها عبر الحوار"، ومؤكدا "حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع الجارة إثيوبيا".
من جانبه، حاول رئيس الوزراء الإثيوبي التودد بشدة إلى الخرطوم وإقناع قادتها بفائدة السد الإثيوبي، وقال إن العلاقة مع السودان "ذات خصوصية"، مشيرا إلى أن "مشروع سد النهضة سيعود بفوائد كبيرة على السودان، ولن يكون خصما عليه".
لم يصدر عن الطرفين أي دعوة إلى مصر لاستعادة المفاوضات والتي توقفت منذ عام، وسط تمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا لاتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد؛ لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه النيل، غير أن إثيوبيا ترفض ذلك، وتزعم أنه لا أضرار على دولتي المصب من مشروعها.
وأثارت زيارة البرهان، إلى إثيوبيا ولقائه آبي أحمد، السبت، وإعلانه إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الفنية لسد "النهضة" مخاوف مصرية من توافق الجانبين بشأن ملف المياه دون مصر.
وفي 28 شباط/ فبراير الماضي، أعلنت مصر أنها دخلت مرحلة الفقر المائي منذ سنوات مع تراجع نصيب الفرد من المياه إلى نحو 558 مترا مكعبا سنويا، أي ما يساوى نصف معدل الفقر البالغ 1000 متر مكعب.
ويبلغ إجمالي الاحتياجات المائية لمصر نحو 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، وفق تصريح وزير الموارد المائية في 28 آذار/ مارس 2021، فيما تبلغ حصة مصر من مياه النيل 55 مليار متر مكعب سنويا، وتبلغ حصة السودان من مياه النيل نحو 18.5 مليار متر مكعب سنويا.
ويرى مراقبون أنه من مصلحة السودان التوافق مع جارتها الإثيوبية وخاصة وسط مشكلات حدودية ومواجهات عسكرية تندلع من آن إلى آخر بين الطرفين، وهو الملف الذي أكد البرهان وآبي أحمد، فيه، "على ضرورة معالجة كل المشكلات الحدودية بالطرق السلمية".
وفي إجابته على التساؤل "هل ينجح آبي أحمد في جر البرهان إلى اتفاق خاص بينهما حول تقاسم مياه النيل وبشأن ملء وتشغيل وإدارة سد النهضة بعيدا عن مصر؟"، قال الخبير المصري في المياه والسدود الدكتور محمد حافظ: "نعم يمكنه فعل ذلك".
أستاذ هندسة السدود بجامعة "Uniten" بماليزيا، أكد، أن "السودان اقترض بالفعل 400 مليون دولار من البنك الدولي لإنشاء خط نقل كهرباء من سد النهضة إلى الخرطوم".
وأوضح أن هذا "يعني أن السودان قد وافق من الناحية الشرعية على (سد النهضة) بشكله الحالي من حيث البنيان والتشغيل".
وأضاف: "بشكل عام موقف رئيس السودان حاليا لا يمكنه أبدا فتح جبهة جديدة مع إثيوبيا، ومن الأفضل له تخفيض (النزاعات) لأدنى حد ممكن"، لافتا إلى أنه "قد يكون (تسكين) السودان لقضية السد سيقابله (تسكين) إثيوبيا لملف الفشقة".
وعن خسارة مصر من أي توافق سوداني إثيوبي منفرد، قال الخبير المصري، إنه "وإلى حين بدء إثيوبيا في بناء (السدود الثلاثة) أعلى (سد النهضة) فإن السودان لن تعاني بتاتا من أي آثار (مائية) وحصتها من مياه النيل الأزرق ستصلها عن طريق استقطاع حصة مصر".
ويتوقع ألا "تسمح السودان بعبور أي مياه إلى مصر قبلما تحصل لذاتها على كل ما تريد، ولذلك فالسودان على المدى الطويل أخطر من إثيوبيا، وخاصة في تلك الظروف الحالية التي تؤكد فقدان الحكومة المركزية قبضتها على ولايات شرق النيل الأزرق".
وأوضح حافظ، أن "تلك الولايات ذات ميول إثيوبية بسبب وجود قبائل ذات علاقة تاريخية بإثيوبيا خاصة مقاطعة (التيغراي)؛ وعليه سيكون لتلك الولايات اليد العليا في خصم ما تريده من مياه لري الأراضي المستصلحة حديثا لمصلحة دول الخليج (الفارسي)، حيث تروي 3 مواسم سنويا بدلا من نظام الري الموسمي الحالي".
واكد الخبير المصري على وجود خسائر لمصر، موضحا أن "كل تلك الخصومات من المياه هي في الأساس خصومات من الحصة المصرية".
من جانبه، قال مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، محمد حامد أنه "لا يجب الحديث عن وجود اختلاف رؤى مصري سوداني حول ملف مياه النيل والتنسيق حوله"، مؤكدا أنه "على العكس من ذلك هناك توافق بين القاهرة والخرطوم".
ولفت إلى أن "زيارة البرهان لإثيوبيا ولقاء آبي أحمد، ليست الأولى، وكذلك قام نائب رئيس المجلس العسكري السوداني محمد حمدان دقلو بنفس الأمر، حتى أصبحت زيارات المسؤولين السودانيين لأديس أبابا دورية ولأسباب عدة بينها التنسيق بشأن الخلاف الحدودي، ومواجهة قبيلة تيغراي".
وقال حامد: "كلما زار البرهان أديس أبابا، أو زار مسؤول إثيوبي السودان؛ خرجت علينا أحاديث بأن هناك تنسيقا سودانيا إثيوبيا دون مصر، ثم تأتي ممارسات بعض المليشيات الإثيوبية وتقتل جنودا سودانيين على الحدود بالفشقة والقلابات، وتتدهور العلاقات مجددا".
وفي رؤيته، لاحتمالات وقوع اتفاق سوداني إثيوبي حول تقاسم مياه النيل وبشأن ملء وتشغيل وإدارة سد النهضة بعيدا عن مصر، قال الباحث والكاتب السوداني عباس محمد صالح: "لا أعتقد أن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق ثنائي عادل بين إثيوبيا والسودان بمعزل عن مصر".
عباس، أوضح أن هذا الاعتقاد يأتي "في ضوء تجربة التفاوض السابقة بين الأطراف الثلاثة على مدى السنوات الماضية، بجانب التباعد في وجهات النظر حول العديد من النقاط القانونية والفنية المتعلقة بالسد".
وعن خسائر مصر والسودان من عدم التوافق بينهما وتعامل كل منهما منفردا مع إثيوبيا، قطع الباحث السوداني بأن "عدم تطابق مواقف دولتي المصب على الدوام يصب في صالح إثيوبيا".
واكد أن "أديس أبابا تكمن مصالحها في فرض تصوراتها بشأن استخدام المياه ليس فقط في ملف سد النهضة، وإنما أيضا في خططها المستقبلية الأوسع في مشاريع استغلال المياه، وبالتالي توقيع اتفاق منفرد قد يكون خطوة في هذا الاتجاه".