الوقت - زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت مدينة وهران (غرب الجزائر)، قبل أن يعود إلى العاصمة الجزائرية في اليوم الأخير من زيارة للجزائر استغرقت 3 أيام.
ووقع الرئيس الفرنسي ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون السبت إعلانا من أجل "شراكة متجددة"، وقال الرئيس الجزائري -خلال مؤتمر صحفي عقب توقيع الإعلان في قاعة التشريفات بمطار هواري بومدين- "إن الزيارة الناجحة أتاحت تقاربا لم يكن ممكنا لولا شخصية الرئيس ماكرون"، كما "اتفقنا على مستقبل يهم الطرفين".
وينص إعلان الجزائر من أجل "شراكة متجددة" على رغبة البلدين في "افتتاح حقبة جديدة"، وتبني "مقاربة ملموسة وبنّاءة تركز على المشاريع المستقبلية والشباب".
كما جاء فيه أن "الشراكة المميزة الجديدة" باتت "مطلبا يمليه تصاعد التقلبات وتفاقم التوترات الإقليمية والدولية".
وورد فيه أيضا أنه "يوفر إطارا لوضع رؤية مشتركة وتنسيق وثيق لمواجهة التحديات العالمية الجديدة (الأزمات العالمية والإقليمية وتغير المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي والثورة الرقمية والصحة)".
وستنشئ باريس والجزائر "مجلسا أعلى للتعاون" على مستوى الرئيسين من أجل "تعزيز مشاوراتهما السياسية".
ورافق ماكرون -في زيارته الثانية إلى الجزائر خلال 5 سنوات- وفد مكون من 90 شخصية، بينهم وزراء ورجال أعمال ومثقفون مختصون في تاريخ البلدين.
ويقول محيط الرئيس الفرنسي إنها زيارة موجهة للشباب، وتهدف إلى تجاوز القطيعة والتوتر اللذين سادا بين البلدين منذ نحو سنة بسبب قضايا خلافية بين البلدين، مثل ملف الذاكرة المرتبط بفترة الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962)، وغيرها.
وقال تبون في المؤتمر الصحفي المشترك إن زيارة ماكرون إلى الجزائر كانت ناجحة ومتميزة، وأضاف: "اتفقنا على التأسيس للجنة من المؤرخين ستنصب قريبا، حيث ستقوم بدراسة ملف الذاكرة بعيدا عن السياسة".
وتابع: "سنسهر على تنفيذ وتجسيد كل ما تقرر خلال الزيارة، حيث لدينا القناعات نفسها بأن علاقتنا هي علاقات صداقة عميقة".
ومن جهته قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: "لأول مرة في التاريخ اجتمعنا بالأمس مع المصالح الأمنية لبلدينا حيث قررنا تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، الاقتصاد والابتكار".
وأضاف: "قررنا تعزيز التعاون في مجالات الشباب والرياضة والصناعة السنيماتوغرافية وقد تناولنا خلال زيارتنا إلى الجزائر مسائل الأمن وتنقل الأشخاص بين بلدينا".
وأكد ماكرون أن "العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا متينة وقوية، داعيا إلى تعزيزها من خلال الحوار في كل المجالات بما في ذلك الموضوعات التي منعت البلدين من التقدم".
وتقرر خلال زيارة ماكرون إنشاء لجنة مؤرخين مشتركة من أجل تسوية الخلافات ومواجهة الماضي "بشجاعة" على حد تعبير الرئيس الفرنسي، و"يمكن تنصيبها في غضون الـ15 إلى 20 يومًا القادمة" وفق تبون الذي أوضح أن عملها قد يستغرق عاما قابلا للتمديد.
وفي تعليقه على زيارة ماكرون، أكد الباحث في العلاقات الدولية، البشير الجويني، أنه "يجب التمييز بين المواقف الرسمية وبين الشعبية، فشعبيا تُعتبر فرنسا كما يقال عدوة الأمس والغد، بالمقابل رسميا وسياسيا تراوحت المطالب الجزائرية بين الاعتذار وتصعيد اللهجة ولكن لم يتم التصعيد دبلوماسيا أو شيء من هذا القبيل".
وعبر الجويني عن اعتقاده بأن "عدم اعتذار ماكرون ولكن بنفس الوقت استخدامه لمخرج مخادع للأزمة، عبر تغييره للحديث عن الاعتذار إلى الحديث عن ضرورة الاتعاظ من التجربة لعدم تكرارها، فيه مغازلة للجزائر في الوقت الذي يعيش فيه العالم أجمع أزمات عدة، ولكن هل القيادة الجزائرية تقبل بهذا المخرج؟".
ويرى الجويني بأن "العلاقات بين البلدين يبقى فيها من التعقيد ومن أسباب الانفجار ما يكفي لانفجار هذه العلاقة في أي لحظة، ولكن تبقى المصالح العليا والتي جزء كبير منها اقتصادية تحكم هذه العلاقات بينهما، وخاصة التعاون في مجال الطاقة".
ولكن مع عدم تقديم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اعتذار رسمي للجزائر عن انتهاكات فرنسا خلال الحقبة الاستعمارية، وفي الوقت ذاته الاعلان عن شراكة بين البلدين، يبقى السؤال ما الذي دفع الجزائر للقبول بهذه الشراكة وإنهاء التوتر الذي دام 11 شهرا، وماذا قدمت فرنسا للجزائر لحل الخلاف بين البلدين؟
وعبر المحلل السياسي الجزائري، إسماعيل خلف الله، عن اعتقاده بأن "الاحترام المتبادل الذي ذكره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال تصريحه حول اتفاقه مع ماكرون على اقامة شراكة بين البلدين، سوف يكون ضمنيا بأنه تصريح بحل ملف الذاكرة والذي لن يتم بسرعة".
واستدرك خلف الله "لكن هذا الملف يعتمد على أنه تم الاتفاق وفقا لحديث ماكرون على إنشاء لجنة مشتركة يكون أعضائها مختصين بالتاريخ مهمتها الاطلاع على كل ما يتعلق بأرشيف الذاكرة وكل الملفات التاريخية التي تربط بين البلدين، ومن خلال هذه اللجنة أعتقد أنه اليوم يتم التركيز على حل ملف الذاكرة نهائيا بما فيه الاعتذار والتطرق للانتهاكات التي حدثت خلال الحقبة الاستعمارية بحق الشعب الجزائري".
وأضاف: "من جهة أخرى تصريح الرئيس عبد المجيد تبون يدخل ضمن استبعاد تسويق الفكرة الخاطئة حول أن الجزائر تقتات على ملف الذاكرة وتعرقل بناء علاقات جديدة مستقبلية بين البلدين".
وأوضح، "بالتالي هو يريد أن يشير إلى أن الطرف الجزائري لديه استعداد لبناء شراكة ثنائية جادة لا تكون رهينة لملف الذاكرة كما يدعي البعض، وأن الجزائر ليس لديها عقدة من بناء شراكة حقيقية مع التأكيد على عدم تجاوز ملف الذاكرة الذي يبقى مطلب شرعي وأن يأخذ وقته في حل كل تفاصيله".
ورجح خلف الله بأن "الاعتذار الفرنسي حتى وإن جاء شفيها سوف يمهد لبناء ارضية قانونية جوهرها التعويضات والتي لن تكون إذا لم يتم التطرق إلى تكييف هذه الانتهاكات بالدرجة الأولى".
وأكد أن "حديث الرئيس الجزائري عن بناء شراكة ثانية لا يعني أن الجزائر تنازلت عن المطلب الرئيسي وهو ملف الذاكرة وقضية الاعتذار، ولكن الجزائر تريد القول أنها تنظر للمستقبل لأنها تُتهم وخاصة من قبل الرئيس الفرنسي بأنها تنظر للتاريخ فقط، ولكن هذه النظرة المستقبلية مبينة على إنهاء وحل هذا الملف الذي طال أمد حله وبقي عبارة عن ملف مناورة تناور به كل الحكومات الفرنسية المتعاقبة".
وحول ما إذا كانت الجزائر قد تنازلت عن طلب الاعتذار أو غيرها من المطالب مقابل هذه الشراكة قال خلف الله: "بناء الشراكة بين البلدين لا يعني أن الجزائر تنازلت عن حقها وحق الشعب الجزائري بالمطالبة بالاعتراف الفرنسي بانتهاكات الحقبة الاستعمارية وتقديم الاعتذار وأيضا المطالبة بتعويضات عن كل ما اقترفته فرنسا الاستعمارية".
وتابع: " وبالتالي العلاقة إن بنيت على الجدية وأن يكون لها أثر إيجابي على مصلحة الطرفين وإن بقي ملف الذاكرة دون حل، وأعتقد أن العلاقة ستبقى تتعثر من فترة لأخرى ويبقى هذا الفتور الذي لا أعتقد أنه من مصلحة فرنسا بالدرجة الأولى أن يبقى، لأنها بأمس الحاجة إلى الطاقة الجزائرية، لأنها تعتبرها البديل القوي للطاقة الروسية التي كانت تعتمد عليها هي وبقية أوروبا".
وخلص بالقول: "اعتقد أن أي تقاعس وتلاعب بملف الذاكرة سوف يؤثر على العلاقة بين البلدين في المستقبل، وباعتقادي أنه من مصلحة فرنسا أن لا تتعثر هذه العلاقة مرة أخرى".