الوقت – بينما توجهت بعض الأنظمة العربية في الخليج الفارسي نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة، وتعزز كل يوم علاقاتها مع هذا الکيان في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، مع ذلك هناك أيضًا بعض الدول التي تواصل دعم الشعب الفلسطيني ولو في الظاهر.
وفي هذا الصدد، عقد الاجتماع الـ 95 لضباط اتصال المكاتب الإقليمية للمقاطعة الاقتصادية من قبل الدول العربية علی الکيان الصهيوني في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، عاصمة مصر.
وقال نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن هذا الاجتماع يؤكد على أهمية دور المقاطعة العربية للکيان الصهيوني، تماشياً مع موقف العالم العربي الذي يعكس إرادة الشعوب العربية في الدفاع عن حقوق فلسطين واستعادتها وفقاً للقوانين الدولية.
وبناءً على ذلك، فإن القرار المتعلق بالعقوبات على "إسرائيل" من قبل الدول العربية، وفرض القيود، وإدراج شركات في قائمة العقوبات، وتحذيرات لبعض الشركات، وشطب أسماء بعض الشركات التي استجابت بشكل إيجابي للعقوبات، وکذلك التركيز على استمرار نشاط المكاتب الإقليمية للعقوبات ضد الكيان الصهيوني وتعزيز التعاون فيما بينها، هو على جدول أعمال المؤتمر.
بدأت مقاطعة البضائع الصهيونية لأول مرة بعد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة عام 1967، ومنذ ذلك الحين حاولت بعض الدول العربية توسيع نطاق هذه العقوبات من خلال عقد مثل هذه اللقاءات بين الحين والآخر.
يعقد اجتماع القاهرة في وقت يحاول فيه الکيان الصهيوني تطبيع علاقاته مع الدول العربية، من أجل الخروج من العزلة الإقليمية. وعلى الرغم من أن الإمارات والبحرين طبعتا مع تل أبيب قبل غيرهما، إلا أن العديد من العرب يرفضون الاقتراب من تل أبيب بسبب حساسية الرأي العام في المنطقة تجاه هذه القضية.
لذلك، فإن وجود بعض الدول العربية في اجتماع القاهرة يمكن أن يكون رسالةً للدول التي تسير على طريق التطبيع، بأنها لن يكون لها مكان بين العرب الآخرين إذا كانت تربطها علاقات قوية مع تل أبيب.
وإذا انضمت دول المنطقة والرأي العام إلى حملة المقاطعة الحقيقية للبضائع الإسرائيلية، فيمكنهم إيصال معارضتهم الواسعة لعملية التطبيع لآذان القادة العرب المطبعين، ومنع تكرار مثل هذا السيناريو من قبل الدول الإسلامية الأخرى.
من ناحية أخرى، بما أن مشيخات المنطقة أدارت ظهورها لهدف تحرير القدس من أيدي المحتلين، وتركت الصهاينة يرتکبون أي جريمة بحق الفلسطينيين، فإن عقد مثل هذه اللقاءات يمکن أن يکون مصدر تشجيع للشعب الفلسطيني، وجعلهم يشعرون أنه لا يزال هناك بعض العرب الذين يدعمونهم.
الالتفاف علی العقوبات من قبل الصهاينة
رغم أن مقاطعة البضائع الصهيونية في الدول العربية تعتبر إجراءً مناسباً للضغط على هذا الکيان وعزله في المنطقة، إلا أن التجربة أثبتت أنه على الرغم من عقد اجتماعات عديدة، إلا أنه لم يتم تحقيق الكثير من النجاح عملياً، حيث لا توجد عقوبات في العالم ضد البضائع الإسرائيلية من الناحية العملية، باستثناء إيران وسوريا ولبنان.
ويعود سبب عدم تحقيق الحظر المفروض على البضائع الصهيونية النتيجة المرجوة جزئيًا إلى التكتيكات الخادعة للصهاينة، الذين اختاروا طرقًا بديلةً لإرسال بضائعهم إلى الدول العربية حتى لا يثيروا حساسيةً في هذا الصدد.
وفي هذا الصدد، قال رئيس لجنة التصدير الصهيونية قبل بضع سنوات، إن لإسرائيل تجارةً واسعةً ونشطةً للغاية مع معظم الدول العربية، بما في ذلك السعودية والعراق.
وحسب هذا المسؤول الصهيوني، فإن التجار المغاربة والإندونيسيين يشترون البضائع الإسرائيلية ويصدرونها إلى السعودية والعراق من خلال محو عبارة "صنع في إسرائيل"، ولم تظهر أي مشاكل عملياً في هذا الصدد.
تم تصدير البضائع الصهيونية إلى الدول العربية في وقت لم ترد فيه أنباء عن تطبيع العلاقات العربية مع تل أبيب، والآن بعد أن اتخذت بعض الدول خطوات لإقامة علاقات مع الکيان الإسرائيلي، سيزداد تصدير البضائع الصهيونية بشكل أكبر.
حتى كما يتبين من تصريحات السلطات الصهيونية، فإن بعض البضائع التي يتم تصديرها للعرب مكتوبة عليها أسماء دول مثل الأردن، لكن ملكية هذه المصانع هي في الواقع بيد الرأسماليين الصهاينة.
لذلك، يمكن للصهاينة أن يستخدموا مثل هذه الأساليب لتصدير بضائعهم إلى العالم الإسلامي بأسماء دول مختلفة، دون أن يدرك أحد في أي منطقة ومن صنع هذه البضائع.
لطالما حاول الکيان الصهيوني إدخال بضائعه إلى الدول العربية من خلال الاحتيال التجاري المستمر، حيث يمحو ملصقاته ويستخدم دولةً ثالثةً مثل قبرص لإدخال البضائع الإسرائيلية إلى الأسواق العربية.
ويعمل الصهاينة مع قلة من المستوردين وضباط الجمارك الفاسدين، في محاولة للتسلل إلى الأسواق العربية من خلال الاحتيال التجاري، الذين يسهلون دخول هذه البضائع بمخالفة قوانين بلادهم وتضليل الناس.
وإضافة إلى تصدير بضائعه سرًا إلى الأسواق العربية، فإن للکيان الصهيوني أيضًا تجارةً مباشرةً مع بعض هذه الدول.
تقتصر التجارة الرسمية بين مصر والکيان الإسرائيلي على صادرات مصر المحدودة إلى الکيان، والتي لم تتجاوز قيمتها 17 مليون دولار في أوائل عام 2001. وتشمل هذه التجارة المغزل ومواد البناء والتوابل والأطعمة المعلبة.
کما بلغت واردات مصر من "إسرائيل" في نفس الوقت 40.3 مليون دولار. ويشمل هذا الاستيراد المعدات والأدوات الزراعية والري والبذور والمبيدات، ووزارة الخارجية علی علم بكل ذلك.
وبالنسبة للمغرب، ارتبطت الصادرات الإسرائيلية المحدودة لهذا البلد والتي تقل عن 10 ملايين دولار في عام 2001، بوجود جالية يهودية في المغرب.
كما أن هناك تجارةً محدودةً بين موريتانيا والکيان الإسرائيلي، ترتبط بموقف الحكومة الموريتانية التي أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع الکيان، وغير ملتزمة بأي قرار عربي بشأن وقف التعاون الاقتصادي مع "إسرائيل".
لقد زادت المبادلات التجارية بين الکيان الصهيوني والدول العربية في السنوات الأخيرة، بسبب تطبيع العلاقات. وفي هذا الصدد، نشر السودانيون على مواقع التواصل الاجتماعي صورةً لمنتج "بسكويت"، يحتوي على أحرف عبرية قالوا إنه صنع في "إسرائيل" وعثر عليه في متجر بالخرطوم.
وفي أبريل 2021، أعلن مجلس الوزراء السوداني رفع الحظر المفروض على "إسرائيل" عام 1958، في خطوة تمهد الطريق للتطبيع الكامل للعلاقات بين الخرطوم وتل أبيب.
كما يلاحظ التمر الإسرائيلي بشكل متقطع في السوق المغربي، وخلال شهر رمضان دعا العديد من الأحزاب والجمعيات إلى مقاطعة هذه البضائع.
وهکذا، فإن العقوبات التي فرضها العرب على الشركات المصنعة للبضائع الصهيونية فاشلة عمليًا، لعدم وجود وثائق تثبت أن هذه الشركات تخضع لسيطرة الإسرائيليين.
من ناحية أخرى، بالنظر إلى أن رجال الأعمال الصهاينة أعلنوا عن رغبتهم في الاستثمار في الإمارات والسعودية في الأشهر الأخيرة، لذلك، في المستقبل، قد تنتج الشركات الإسرائيلية بضائعها داخل هذه البلدان وتصدرها إلی الدول العربية.
بينما يلجأ الکيان الصهيوني إلى أي تكتيك لجلب العرب إلى معسكره وصرف الأنظار عن القضية الفلسطينية، فإن مقاطعة البضائع الصهيونية ومحاولة منع تكرار عملية التطبيع، يمكن أن تمنع تل أبيب من تحقيق أهدافها المشؤومة في المنطقة. کما أظهر فشل هذا الکيان في تشكيل تحالف مناهض لإيران، أنه إذا اتحدت الدول الإسلامية، فيمكنها توجيه ضربة قوية للصهاينة.