الوقت - أثار الرئيس التونسي قيس سعيّد جدلا جديدا بتصريحات ينتقد من خلالها تشبث البعض بالفصل الأول من الدستور الذي ينص على أن "الدولة دينها الإسلام"، قائلا إن "علاقتنا مع الله وليس مع الدولة".
واعتبر سعيّد، مساء الإثنين، في كلمة بمناسبة توزيع جوائز على الفائزين في مسابقة حفظ القرآن، أن الحديث على أن الإسلام هو دين الدولة شبيه بالقول إن "شركة تجارية دينها الإسلام"، مشددا على أن "الدولة شخصية معنوية"، و"لن تحاسب يوم الحساب، الذي يحاسب هو الإنسان".
وتساءل "هل نصوم ونصلي بناء على الفصل الأول من الدستور أو بناء على أمر من الله؟"، قبل أن يخلص إلى أن الدستور لم يكن موجودا، و"أننا نصلي بناء على أمر من الله".
وتابع: "للأسف، في عصور الجهل تركنا المقاصد والأهداف وأصبحنا نتحدث عن مسائل لا علاقة لها بالإسلام إطلاقا".
ومضى قائلا: "علاقتنا مع الله وليس مع الدولة أو أي جهة معينة. سنقف أمام الله فرادى. لن يأتي معنا لا مجلس نيابي ولا حكومة".
وقال سعيّد أيضا "لن نرى دولة ولا مجلسا نيابيا على الصراط، أو حكومة بوزرائها وكتاب دولتها تمر على الصراط أو تتساقط على الصراط يمينا وشمالا".
وتحدث عن المساواة، قائلا إن الذين يتحدثون عنها "لا يفرقون بين المساواة الشكلية وبين العدل (..) المساواة يمكن أن تكون شكلية ولا تحقق العدل إطلاقا في حين أن المقصود هو العدل". وشدد على أن "الإسلام دين حرية ويقوم على العدل".
وتتجه الهيئة المشرفة على صياغة دستور جديد لحذف عبارة "الإسلام دين الدولة"، في تطور يرى محللون أنه سيقود المجتمع التونسي لصراع جديد حول "الهوية".
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور "الجمهورية الجديدة" في تونس، الصادق بلعيد، قوله إنه "سيعرض على الرئيس قيس سعيد مسودة لدستور لن تتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة".
وبلعيد هو عميد كلية سابق وأستاذ قانون دستوري، كلفه الرئيس سعيد بترؤس هيئة استشارية تعمل على صياغة دستور جديد للبلاد سيُعرض على استفتاء شعبي يوم 25 يوليو القادم.
وقال بلعيد، في المقابلة مع الوكالة الفرنسية للأنباء، إن"80 بالمئة من التونسيين ضد التطرف وضد توظيف الدين من أجل أهداف سياسية. وهذا ما سنفعله تحديدا وسنقوم بكل بساطة بتعديل الصيغة الحالية للفصل الأول".
وينص الفصل من دستور 2014 على أن "تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها".
وتوصل الفرقاء السياسيون بعد نقاشات حادة حول الهوية عقب الثورة إلى اعتماد هذا الفصل المعمول به منذ دستور 1959.
وفي رده على سؤال ما إذا يعني ذلك أن الدستور الجديد لن يتضمن ذكرا للإسلام كمرجعية، قال بلعيد "لن يكون هناك"، مشيرا إلى وجود "إمكانية لمحو الفصل الأول في صيغته الحالية".
وتفاعل "الحزب الدستوري الحر" في بيان نشره، الثلاثاء، على صفحته على فيسبوك مع تصريحات سعيد، مستنكرا "بشدة الشكل والإطار الذي قدمت فيه كلمة قيس سعيد والذي يقترب من صبغة حلقة دعوية بإشراف داعية ديني لبث خطاب يتنافى مع ثوابت الدولة التونسية المدنية في خرق واضح لمبدأ الفصل بين الخطاب الديني والخطاب السياسي".
واستهجن البيان أيضا ما وصفه بـ "تقزيم للدولة وعدم اعتراف بها كإطار منظم لعيش التونسيين يحفظ هويتهم وسيادتهم وحدودهم الجغرافية إضافة إلى تحقير الدستور الوضعي والمؤسسات الدستورية من برلمان وحكومة".
وأدان الحزب أيضا "تشبيه" الرئيس للدولة بشركة تجارية، قائلا إن "هذا التصريح إهانة للشعب التونسي وانحراف خطير لا يمكن السكوت عنه".
وعلى الشبكات الاجتماعية، أثارت تصريحات سعيد ردود فعل متباينة:.
وتعليقا على هذه التطورات، يقول المحلل السياسي، قاسم الغربي إن "حذف الفصل الأول من الدستور الذي ينص على أن دين الدولة هو الإسلام سيفتح المجال لصراع الهوية مجددا، وهو أمر خطير سيثير نقاشات ظن التونسيون أنهم حسموها منذ 2014".
وأضاف الغربي إن "حرب الهوية استهلكت من حياة التونسيين قرابة الـ5 سنوات تم تبديدها في نقاشات لا معنى لها"، واصفا "استعادة هذه المسألة الآن بالخطأ الكبير".
ويرى الغربي أن "حذف الفصل الأول من الدستور سيكون مرفوقا أيضا بإلغاء للمادة السادسة التي تنص على أن الدولة راعية للدين بما سيقود إلى إنهاء سيطرة الدولة على الشأن الديني وحدوث انفلات في هذا المجال".
ورجح الغربي "لجوء السلطات إلى تغيير صيغة هذا الفصل بشكل يسمح للدولة بمواصلة الإشراف على الشأن الديني"، مستبعدا في الوقت ذاته"منح المؤسسات الدينية الاستقلالية المادية والمعنوية على غرار النموذج الفرنسي".
وفيما يتعلق بالتداعيات السياسية لهذا القرار، أشار المحلل السياسي إلى أن "حذف هذا الفصل سيضعف شعبية الرئيس إذ سيتم استغلال هذا المعطى لإبراز فكرة أنه شخص معادٍ للدين وهوية البلاد".