الوقت - خففت الجزائر من الاتهامات الموجهة الى اسبانيا الخاصة بالغاز المصدر الى المغرب عبر أنبوب الغاز “المغرب العربي-أوروبا”، بعدما بدأ يتبين أن مصدره قد يكون الولايات المتحدة ونيجيريا أو النروج أو قطر، وتنتظر الجزائر التأكد المطلق من هذه الأخبار.
وكانت الجزائر قد حددت نهاية الأسبوع الماضي اسبانيا بإعادة النظر في اتفاقية تصدير الغاز الى الجزائر إذا تبين أنها تقوم بتحويل جزء من الغاز الى المغرب، وبادرت الحكومة الإسبانية الى النفي الشديد والتشديد على احترامها للاتفاقيات الموقعة.
وبدأت الجزائر تقلل من احتجاجها بعدما بدأت الأخبار تشير الى أن الغاز الذي تقوم اسبانيا بتصديره الى المغرب لا يأتي من صادرات الجزائر من هذه المادة بل من وجهات أخرى وهي الولايات المتحدة ونيجيريا، ويبقى على اسبانيا إقناع الجزائر بمصدر الغاز، وقد يكون العائق تحفظ المغرب على عدم نشر مصدر صفقات الغاز حتى لا يظهر في وضع ضعف أمام الضغط الجزائري، وأخبرت اسبانيا الجهات الأوروبية ومنها في فرنسا بأنها لا يمكن لها أن تخترق الاتفاقيات الموقعة مع الجزائر حتى لا تعرض نفسها لعقوبات تجارية وتستورد اسبانيا نسبة مهمة من احتياجاتها من الجزائر والولايات المتحدة ثم بكميات أقل من روسيا ونيجيريا وقطر والنروج وترينيداد توباغو ومن فرنسا.
وأكدت إسبانيا أنها ستُصَدِّر الغاز إلى المغرب، لكنها ستضمن ألا تشمل هذه التدفقات الغاز الجزائري، وقالت وزيرة التحول البيئي الإسبانية، تيريزا ريبيرا: : "لن يصل جزء واحد من الغاز الجزائري" -الذي يُورد إلى إسبانيا- إلى المغرب، وفقًا لما نقلته صحيفة "سينكو دياس" الإسبانية.
جاء ذلك بعد أن أبلغت إسبانيا الجزائر بترخيص التدفق العكسي عبر أنبوب غاز المغرب العربي وأوروبا، والتقارب الأخير بين مدريد والرباط بعد أزمة الصحراء الغربية.
وأوضحت تيريزا ريبيرا أن "المغرب هو الذي يتعاقد على كميات الغاز الطبيعي المسال" عبر أنبوب غاز المغرب العربي وأوروبا.
وقالت: "الاتفاقية التي نوفرها من الناحية التجارية للمغرب هي البنية التحتية، لكن بشرط أساسي أن يكون المغرب هو الذي يتعاقد على كميات الغاز الطبيعي المسال من خلال ذلك الأنبوب في الاتجاه العكسي بين الشمال والجنوب".
وأضافت: " سيكون مصدر ذلك الغاز والمكان الذي يُفرغ فيه هذا الغاز شفافًا وعامًا، حتى نكون على يقين من أن الحجم والمنشأ والوجهة تتوافق مع هذا الالتزام مع الجزائر".
وتأتي السفن المحملة بالغاز للمغرب من الوجهة الغربية، الأطلسية من الولايات المتحدة أو نيجيريا دون استبعاد قطر، ويجري إفراغ الحمولة في ميناء ويلفا المطل على الواجهة الأطلسية، ثم تتم عملية الضخ نحو مركز أنبوب الغاز في قلب الأندلس بالقرب من قرطبة وتحويله نحو المغرب عبر أنبوب “المغرب العربي-أوروبا”.
وأجرت اسبانيا إصلاحات في الأنبوب لكي يضخ في الاتجاه المعاكس من الشمال نحو الجنوب بعدما كان مبرمجا على الضخ من الجنوب عبر مضيق جبل طارق نحو الشمال، الأراضي الإسبانية. ولا يتوافر في المغرب ميناء قادر على تحويل الغاز المسال الى طبيعته “الغازية، لهذا لجأ الى اسبانيا لمساعدته.
وفي الغالب، قد تكون حكومة مدريد قد أقنعت الجزائر بمصدر الغاز المصدر الى المغرب. وهناك احتمال أن المغرب يحصل على الغاز من وجهات متعددة وليس وجهة واحدة لصعوبة الحصول على الغاز في السوق الدولية لقلة العرض وارتفاع السعر بسبب العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، وقد يكون استيراد الغاز قد كلف المغرب سبع مرات أكثر من السعر الذي كان يحصل عليه من الجزائر عبر أنبوب “المغرب العربي-أوروبا”، وقد يكون المغرب وبدعم من شركات اسبانية عاملة في الطاقة قد وظف علاقاته مع الولايات المتحدة وقطر للحصول على الغاز، وكذلك نيجيريا التي يدرس برفقتها مشروع إنشاء أنبوب للغاز ينطلق من نيجيريا الى شمال المغرب، ولا يحتاج المغرب الى كميات كبيرة للاستهلاك، وهذا يسهل له الحصول على الكميات التي يبحث عنها في السوق الدولية.
وكان المغرب يستورد معظم احتياجاته من الغاز من الجزائر منذ سنة 1996 حتى نهاية أكتوبر الماضي، بفضل مرور أنبوب الغاز “المغرب العربي-أوروبا من أراضيه نحو اسبانيا، وبعدما قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، استغنت عن هذا الأنبوب وعوضته بأنبوب “ميد غاز” الذي ينطلق من الغرب الجزائري نحو جنوب الأندلس.
لكن الجزائر ترفض، حسب بيان لوزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، تغيير وجهة الغاز الجزائري إلى طرف ثالث لم يرد في العقد، ورغم أن الوزير لم يسمّ هذا الطرف، إلّا أن كل المؤشرات تشير إلى المغرب. الجزائر تهدد بداية بمراجعة أسعار الغاز قبل التوجه إلى إجراء أكثر تصعيداً.
واستوردت مدريد عام 2021 ما يزيد على 40 بالمئة من حاجياتها المتعلقة بالغاز الطبيعي من الجزائر. وحسب بيانات موقع ستاتيكا، استوردت إسبانيا 178 تيراواط/ساعة من الغاز الطبيعي من الجزائر، ويظهر البون شاسعا أمام المورد الثاني في العام نفسه، وهي الولايات المتحدة بنحو 60 تيراواط/ساعة.
غير أن الجزائر فقدت المرتبة الأولى خلال الربع الأول من هذا العام في قائمة موّردي إسبانيا لصالح الولايات المتحدة التي تنقل الغاز لإسبانيا عبر ناقلات الميتان على شكل غاز مسال يتم تحويله محلياً. وحسب بيانات رسمية لمؤسسة احتياطات المنتجات البترولية الإسبانية، فنسبة الإيرادات الأمريكية تصل إلى 33.4 بالمئة مقابل 23.2 بالمئة فقط للجزائر.
ويرى الصحفي الإسباني بيدرو كناليس، أن إغلاق أنبوب (MEG) أثر على صادرات الجزائر لإسبانيا وساهم في فقدان مرتبتها الأولى، لكنه يؤكد أن الجزائر قادرة على خلق المشاكل لإسبانيا إن هي أغلقت الأنبوب المتوسطي. فيما سبق لشركة سوانطراك الجزائرية أشارت نهاية العام الماضي إلى أن تصدير الغاز لن يتأثر بإغلاق أنبوب (MEG).
وليست إسبانيا وحدها من تحتاج الغاز الجزائري، بل دول متعددة في الاتحاد الأوروبي، تريد التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي، ومنها إيطاليا التي وقعت اتفاقية جديدة مع الجزائر تريد من خلالها أن تتحول هذه الأخيرة إلى موّردها الأول للغاز لتحلّ محلّ روسيا.
لكن الصحفي الجزائري عثمان لحيان، يرى ان الجزائر "لا تريد تعقيد الأمور ولا ترغب بتحويلها إلى أزمة، لكنها تملك أدوات ضغط على مدريد"، ومنها كذلك "وقف التعاون في مجال الهجرة وعدم استقبال المهاجرين الجزائريين غير النظاميين الموجودين في إسبانيا، وهي ورقة ضغط استخدمها المغرب بدوره حسب ما زعمته مدريد".
وتمر العلاقات بين اسبانيا والجزائر بأزمة جراء تأييد اسبانيا للحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب حلا لنزاع الصحراء الغربية، واعتبرت الجزائر الموقف الإسباني خيانة للشعب الصحراوي، وقامت بسحب سفيرها من مدريد.