الوقت_ في الوقت الذي انسحبت فيه قوات الاحتلال الصهيوني وقررت إغلاق المسجد الأقصى المبارك أمام الصهاينة حتى نهاية شهر رمضان، عقب التحذيرات الشديدّة اللهجة من فصائل المقاومة الفلسطينيّة من عواقب وعمليات استهداف المصلين واقتحام الأقصى بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، بعد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة على ما تُسمى منطقة "محيط غزة" والتي أشعرت تل أبيب بالاحتماليّة الكبيرة لانفجار الأوضاع في الساحة الفلسطينيّة التي تعيش أوضاعاً متوترة للغاية، لكن العاصمة الفلسطينيّة القدس حتى اليوم تشهد المزيد من التصعيد والإصرار على مواصلة المحاولات لكسر روح الشعب الفلسطينيّ وتثبيت الاحتلال العسكريّ الإسرائيليّ من خلال اقتحام جنود الاحتلال الأقصى وإلقاء القنابل الغازية والصوتية داخله، والاعتداء على المصلين من مسنين ونساء وصحفيين وكل ذلك بذريعة مكافحة الشغب ومنع أتباع حركة حماس من التظاهر والقيام بعمليات «استفزازية»، وفقاً لوسائل إعلام عربيّة.
منهج متطاول
في سياق المنهج الصهيونيّ المتطاول على حقوق ومقدسات الشعب الفلسطينيّ، اقتحم عشرات الجنود الصهاينة المسجد الأقصى لدرجة أنّ السلطة الفلسطينيّة المتعاونة مع تل أبيب وصفت تلك الاعتداءات بـ "البربرية"، فيما ادعى وزير الخارجية في حكومة العدو يائير لابيد أنّ "إسرائيل" تعمل على تأمين حرية العبادة ومنع ما أسمتهم "الشباب المشاغبين" من تنغيص مشاعر المصلين من خلال مظاهراتهم مع الزعم بأنّها لا تريد تغيير "الوضع الحاليّ" في الحرم، بعكس ما تثبته الوقائع على الأرض، حيث تصاعدت تجاوزات قوات الاحتلال الغاصب بحق المقدسات الإسلاميّة في فلسطين التاريخيّة، ومن ضمن تلك الانتهاكات، العدوان على المسجد الأقصى المبارك بشكل خاص إضافة إلى قبة الصخرة المباركة والمدينة المقدسة.
وعلى الرغم من الخطورة الكبيرة لهذه الاعتداءات في إشعال الوضع بأكمله، إلا أنّ سلطات العدو لم تتوقف عن استئناف الاقتحامات اليوميّة للمسجد الأقصى المبارك، والتي تُعد محاولة لفرض أمر واقع بشكل يوميّ، فيما يسير العدو بمشروع لبناء ألف وحدة استيطانيّة، لعزل القرى الفلسطينيّة شرق مدينة القدس بالكامل، ضمن ما يسمى بمشروع "القدس الكبرى"، ورغم الانتقادات والتساؤلات الدولية عن هذه الاعتداءات المتكررة على المدنيين الفلسطينيين والصحفيين، إلا أنّ حكومة العدو مستمرة في نهج اللعب بالنار، حيث يكاد لا يمر يوم إلا ويشهد المسجد الأقصى المبارك اقتحامات يوميّة من جنود يهود في محاولة لتقسيمه وفرض الهيمنة الكاملة عليه، في سياسة استفزازية وتصعيدية تحاول حكومة العدو جر المنطقة إليها من جديد، وفقاً لتوصيف السلطة الفلسطينيّة.
وكما يبدو، فإنّ "إسرائيل" تحاول استعراض عضلاتها، بعد الهزائم السياسيّة والعسكريّة التي لحقت بها في الفترة الأخيرة وبالأخص صواريخ المقاومة التي عادت لتفرض كلمتها في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، ووجهت صفعة قويّة للكيان ولقّنته دروساً جديدة في المعركة التي لم تعد قوات الاحتلال محركها الأوحد، وإنّ جاهزية وشجاعة المقاومة الفلسطينيّة لصد أي مساعٍ إسرائيليّة لسلب حقوق أصحاب الأرض والمقدسات باتت تقلق "إسرائيل|" بالفعل، وخاصة أنّ قوات العدو القاتل ماضية في حملتها الإجراميّة المنظمة لتهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينيّ، ونهب أرضهم وممتلكاتهم ومنازلهم، إضافة إلى استماتة العدو لتغيير معالم المدينة المقدسة وتهويدها، بهدف بسط السيطرة الصهيونيةّ الكاملة على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات التاريخيّة للشعب الفلسطينيّ.
جرائم خطيرة
بالاستناد إلى أنّ الكيان الصهيوني القاتل يغيب كل القرارات الدولية بفرضه سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين واستباحته للدم الفلسطيني والعربي وخرقه الفاضح لكل القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، إضافة إلى مخطط الضم امتداداً لعملية التوسع على حساب الأرض والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الأعزل، في إصرار واضح من حكومة العدو على قتل آخر رمق للسلام الذي يتحدث عنه البعض، ندد رئيس الوزراء الفلسطينيّ محمد اشتية بجرائم الاحتلال المتصاعدة في مدينة القدس المحتلة وأحيائها، وكرر مطالبة المجتمع الدولي، بكسر المعايير المزدوجة في التعامل مع القانون الدولي، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، مع استمرار العدوان عليه ومصادرة حقوقه المشروعة، مديناً التصعيد الممنهج لكيان الاحتلال في القدس وقطاع غزة.
وفي وقت يشدّد فيه المقاومون على أنّ مدينة القدس المقدسة ستظل تقاتل حتى تطرد المحتل الغريب، ولن تستسلم لواقع الاحتلال البغيض، وأن الشباب الثائر الذي تصفه تل أبيب بـ "المشاغب" سيواصل نضاله المشروع حتى انتزاع حريته وتحرير أرضه واسترداد مقدساته، يؤكّد المسؤول الفلسطينيّ أنّ إرهاب الدولة المنظم وفائض القوة العمياء، لن يفلح في ثني الفلسطينيين عن مواصلة نضالهم لتحرير أرضهم ونيل حريتهم، وإقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس، مشيراً إلى أن استهداف أهالي قطاع غزة بالغارات وانتهاك حرمة المسجد الأقصى بتكرار الاقتحامات ومواصلة عمليات القتل والاجتياح للمدن والقرى والبلدات في جميع الأراضي المحتلة، يحمل نذر "تصعيد مبيت" لمحاولة فرض وقائع زائفة على الأرض بالقوة ضد شعب أعزل، إلا من إرادة الصمود والتحدي في مواجهة الاحتلال وممارساته، حتى تحقيق آماله بنيل حريته واستقلاله على كامل تراب أرضه المحتلة.
من ناحية أُخرى، وضع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال اتصال هاتفي، في صورة الاعتداءات الوحشية لقوات العدو الإسرائيلي ومجموعات المستوطنين المتطرفين التي تقوم بشكل يومي باقتحام المسجد الأقصى في مخالفة صارخة للوضع التاريخي والقانوني الذي يؤكد وجوب تنسيق الزوار الأجانب من غير المسلمين من خلال دائرة الأوقاف الإسلامية، مؤكّداً أنّ تلك الاعتداءات تسببت في جرح واعتقال المئات من الفلسطينيين، ولم يغفل عباس عن ذكر أهمية خلق الأفق السياسي بما يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الصهيونيّ لأرض فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، ووقف الأعمال أحادية الجانب، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة، محذّرا من أن استمرار "إسرائيل" بالاقتحامات للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وأعمال القتل لأبناء الشعب الفلسطينيّ وغيرها من الاعتداءات الوحشية، ستؤدي إلى تبعات وخيمة لا يمكن احتمالها أو السكوت عنها.
وبالتزامن مع الاستهداف العلني للهوية الفلسطينية المقدسية وللوجود الفلسطيني في المدينة المحتلة، إضافة إلى السلوك العدواني العنصري الخطير والجرائم المستمرة التي تضاف إلى سجل العدو الأسود بحق أهالي القدس، مع غياب المواقف الحاسمة والمسؤولة للسلطة الفلسطينية تجاه هذه الاعتداءات الصهيونية المتصاعدة، كان الرئيس الفلسطينيّ استقبل في مقر الرئاسة في مدينة رام الله، مبعوثي الإدارة الأمريكية يائيل لامبرت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، وهادي عمرو نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، مطالباً الرئيس الأميركيّ بايدن وإدارته، بالتدخل الفوري والعاجل لتحمل مسؤولياتهم نظرا لخطورة الأوضاع جراء الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية كافة وخاصة القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
في النهاية، جرب الفلسطينيون المحتل الإسرائيليّ بما فيه الكفاية، وقد بات واضحاً أنّ قوات العدو التي تمنع أصحاب الأرض والمقدسات من ممارسة شعائرهم في عاصمة بلادهم وتقتلهم وتعتقلهم لهذا السبب، وتحاول طردهم من ديارهم وترتكب بحقهم أبشع الجرائم، تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق "حلم الصهاينة" بأن تكون القدس عاصمة لمستوطنيهم وكيان احتلالهم فقط، ولجعل ذلك حُلماً مستحيل المنال، لا بد من ردع الكيان الصهيوني عن ممارساته العنصرية والإجرامية بحق الفلسطينيين وأرضهم، من خلال كل الوسائل، ولقد أثبت الشعب الفلسطينيّ من خلال مواجهاته الشرسة مع الكيان المستبد حجم قوته وحكمته واقتداره، وبالتأكيد فإن انتصاراته التاريخية الكبيرة مع المقاومة لا يمكن أن تُمحى من ذاكرتنا.