الوقت- في محاولة لإخفاء العنصرية المستشرية في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تطال في الغالب أًصحاب البشرة السمراء أو بعض الأقليات الدينيّة، تشير تقارير إعلاميّة إلى أن نظام التعليم الأميركيّ قد حظر استخدام العديد من الكتب التي غالباً ما تكرس التمييز العنصريّ في المدارس، ولذلك حُظر أكثر من ألف كتاب مدرسيّ في جميع أنحاء الولايات المتحدة العام المنصرم، وكان عدد كبير منها مرتبط بالعنصريّة سواء على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الجنس، في بلد يزعم تصدير رسائل الحرية للعالم، لكنه يعيش صراعاً حقيقيّاً وأكبر مما نتخيل في مسألة التمييز الذي يُخرب حياة الكثيرين نتيجة أعمال العنف والاعتداء اللفظي.
في الوقت الذي يسمع فيه الكثير من الأمريكيين -بشكل يوميّ- آلاف رسائل التهديد والكراهية والعنصريّة، لا تزال السلطات الأمريكيّة تدعي أنّها حالات فردية بينما تثبت تقارير الإعلام الأمريكيّ والغربيّ حجم تصاعد حالات الاعتداء العنصريّ التي تصل إلى جرائم القتل، وعلى ما يبدو فإنّ السلطات الأمريكيّة لا ترغب بشكل جديّ في تغيير السياسة العدائيّة أو التمييز العنصريّ والعرقيّ والقوميّ وقضية البحث في الأصول، رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر نفسها دولة يسودها "حكم القانون"، لكن تمارس على شعبها "عنصريّة مقيتة" من خلال القوانين ذاتها، إضافة إلى التحريض عبر وسائل الإعلام والمنتجات الثقافيّة بشكل ممنهج.
وفقًا لمدونة "هافينغتون بوست" وهي موقع تجميع إخباريّ أمريكيّ على الإنترنت ، فإن تقريرًا جديدًا نشرته مجموعة " Pan American Literary and Expression" قد أعقب حظر الكتب في المدارس العامة في جميع أنحاء البلاد من يوليو 2021 إلى مارس من هذا العام، ويأتي التقرير وسط جهود الجمهوريين لحظر الكتب التي تتحدث عن العنصرية تجاه بعض الأمريكيين من المكتبات المدرسية في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
ويدين الأمريكيون هذا القرار باعتبار أنّ الحظر يشير إلى القفزة المقلقة في الرقابة في الولايات المتحدة، والتي لم يسبق لها مثيل من حيث الشدة والتكرار وتشكل تهديدًا خطيرًا لـ "حرية التعبير" و "الحقوق الدراسيّة الأولى للطلاب، حيث أظهر التقرير أن 86 منطقة حظرت كتابًا واحدًا على الأقل، تمثل 2899 مدرسة تضم أكثر من مليوني طالب مسجلين، فيما كانت ولاية تكساس تتمتع بأعلى حظر للكتب المدرسية (713)، تليها ولاية بنسلفانيا (456)، فلوريدا (204)، أوكلاهوما (43)، كانساس (30) وتينيسي (16).
إضافة إلى ذلك، إنّ أكثر من 467 كتابًا محظورًا (أو 41٪ من جميع الكتب المحظورة) تحتوي على شخصيات رئيسية بارزة أو شخصيات فرعية ملونة، كما أن 247 كتابا ممنوعا (22%) تناول مباشرة العرق أو العنصرية، وكان 42 كتابًا محظورًا من كتب الأطفال، بما في ذلك السير الذاتية لمارتن لوثر، وروبي بريدجز، وسيزار تشافيز، وسونيا سوتومايور، ونيلسون مانديلا، ومالالا يوسفزاي.
"النتائج مروعة"، هذا ما قالته وسائل إعلام أمريكيّة عقب قرار السلطات بالتضييق على حرية التعبير ومنع الكتب التي تتناول الحديث عن العنصرية التي يعيشها أو عاشها الأمريكيون، مؤكدين أنّ هذه القضية ليست جديدة في المدارس الأمريكية، لكن هذا الكم من الكتب لم يتم جمعه أبدًا في سابقة خطيرة لقطع الطريق على جميع الذين يحاولون أن يبينوا ما تعرضوا له أو يشرحوا أو يوجدوا حلولاً للعنصريّة في بلادهم وخاصة تلك المتعلقة باللون والعرق.
خلاصة القول، إنّ تاريخ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية مرتبط بسلسة طويلة جداً من العبودية والتفرقة العنصريّة بين المهاجرين البيض، الذين قدموا من أوروبا لعالمهم الجديد، بين المواطنين من القارة السمراء الذين تم جلبهم كـ "عبيد" للعمل في مزارع القطن والدخان قبل نحو أربعة قرون، وإنّ الحظر المفروض على الكتب التي تتحدث عمّا يخص أي مسألة تؤكّد الاضطهاد في المدارس العامة موجود في جميع أنحاء الولايات المتحدة، لكنه توسع نطاقه نتيجة الجهود الحكوميّة بسرعة خلال العام المنصرم، سواء من حيث عدد الكتب المحظورة والتركيز القوي على الكتب التي تستهدف المجتمعات ذات الصلة بلون البشرة، وذلك مرده إلى منع الطلاب من التعرف على حقيقة "تفوق العرق الأبيض" والعنصرية في أمريكا بحجة إزالة ما تسمى "نظرية العرق النقدي" من الفصل الدراسيّ.