الوقت- في ظل الدعم الذي تقدمه الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة التي تشكل جزءاً هاماً من "محور المقاومة" للفصائل الفلسطينيّة التي تهدف لتحرير الشعب الفلسطينيّ من ظلم وإجرام الاحتلال الإسرائيليّ الغاصب، أوضح رئيس المكتب السياسيّ لحركة (حماس)، إسماعيل هنية، أنّ "العلاقة مع طهران تأتي في إطار الدعم الذي توجهه للمقاومة الفلسطينيّة"، في وقت تُدرِك فيه الفصائل أن الدعم العسكريّ الماليّ والتكنولوجي الإيرانيّ، لا يمكن الاستعاضة عنه بأيّ طرف إقليميّ، كما أنها تُدرِك صعوبة الثمن المطلوب من الأطراف الإقليميّة الأخرى لقاء ذلك الدعم.
"المقاومة تهدف إلى تحرير فلسطين ولا تخوض حرباً بالوكالة أو تنفذ أجندة أي طرف آخر"، من هذا المنطلق بينت حماس أن إيران تنظر للقضية الفلسطينية من عدة جوانب، الأول هو البعد الإسلامي، وقد موّلت خطة الدفاع الفلسطينية الشاملة بمبلغ 70 مليون دولار، أسهمت في تطوير منظومة الصواريخ والدفاع، والثاني هو العداء المشترك مع الكيان الإرهابيّ، والثالث هو البعد السياسيّ وتفنيد الإدعاءات التي تزعم أن إيران تدعم أحزاباً ذات توجهات دينيّة معينة دون أخرى.
ومع وجود فضاءات مختلفة في العلاقة السياسيّة والعسكريّة والاستراتيجيّة بين المقاومة الفلسطينيّة والجمهوريّة الإسلاميّة التي أصبحت الحليف الاستراتيجيّ الأعمق والأقوى لحماس خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تترسّخ العلاقة بينهما يوماً بعد آخر، لأنّهم لعبوا بالفعل دوراً محورياً في تعزيز العلاقة الثنائية، وساهم الدعم الإيرانيّ الغير مشروط في ضبط إيقاع هذه العلاقة وتطويرها، حيث ترسَّخت جذور التعاون العسكري الإيراني مع الفصائل الفلسطينيّة عبر الدعم المباشر، أو عن طريق التعاون مع بقية أطراف محور المقاومة وبالتحديد سوريا وحزب الله وأنصار الله.
ولا يخفى على أحد أنّ العلاقة بين حماس وإيران انتقلت إلى مرحلة تاريخيّة في العقد الأخير وتحديداً بعد العام 2011، رغم سوء العلاقة بين سورية الداعم الكبير للمقاومة و "حماس" التي انخرطت بالحرب على دمشق التي قدمت لها كل ما بوسعها نصرة للمقاومة وما تلا ذلك من الجمود في العلاقة مع المقاومة اللبنانيّة، وصولاً لتشكيل تحالف استراتيجي عسكري، وتقديم الخبرات الإيرانيّة بمختلف تخصّصاتها، وتزويد المقاومة بمختلف التقنيات التي تحتاجها لتطوير قُدراتها العسكرية وتحديداً منظومتيها الصاروخية والتقنية.
إضافة إلى ذلك، الدعم الاقتصاديّ واللوجستيّ لأنشطة حماس العسكرية، وهو دعم لم تألو طهران جهداً في تقديمه رغم الحرب الشعواء على المقاومة، وقد فُتحت قنوات الدعم من الجمهوريّة الإسلاميّة وزودت فصائل المقاومة بالخبرات اللازمة، ناهيك عن أن العلاقة بينهما شهدت نقلة نوعية، توجَّت بعَقْدِ لقاءات رسمية ذات مستويات عالية، وأعلنت إيران دعمها الكامل لدعم مسيرة العودة وشهدائها وجرحاها، كما تبرعت لعوائل الشهداء التي قُطِعَت مُخصَّصاتها من السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس.
وتأتي التصريحات الحمساويّة بالتزامن مع الحرب السعوديّة الشعواء التي تشنّها الرياض على الشخصيات المقربة من الحركة بزعم تمويلها وجلبها للتبرّعات، فيما تركز الأخيرة عبر الحصول على التمويل اللازم لإنشاء قوة عسكرية مُتطوّرة قادرة على إنتاج أنواع مختلفة من المنظومة الدفاعية وخاصة الصاروخية منها بمدياتها القريبة والوسيطة والبعيدة، إضافة إلى تدريب أكبر قدر من الكوادر اللازمة في إعداد هذه المنظومة من الكفاءات سواء كان عبر التدريب المباشر على الأراضي الإيرانيّة أو تزويدها بالكفاءات التي تحتاجها بطرق أخرى.
كما أنّ الاستفادة الغنية لحماس من التجارب الاستخباراتية والأمنيّة والتزوّد بالمنظومة التقنيّة لمحور المقاومة وبالأخص إيران، ساهم بشكل كبير في تغيير قواعد اللعبة لصالح الفصائل الفلسطينيّة، وشكَّل تحدياً بارزاً وخطيراً في مسار المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيليّ الباغي.
من ناحية أخرى، أعادت العلاقة بين الطرفين البُعد السياسي للصراع في المنطقة، مُخففة من الحِدَّة الطائفة خاصة بعد تاريخ طويل من التحرض وبالتحديد في العقد الأخير، حيث عملت طهران على إعادة فتح قنوات التواصل بين "حماس" والجمهورية السورية بتعاون من حزب الله، ونجحت وفقاً لتقارير في عَقْدِ بعض اللقاءات المحدودة التي لم تنجح في نزع فتيل الخلاف الذي أشعلته حماس مع قلب العروبة النابض، وبقيت العلاقة متوتّرة بفعل الظروف التي تعيشها سوريا، وقرب الحركة من جماعة "الإخوان المسلمين" التي تواليها حمااس بشدّة وتعتبرها سوريا "جماعة إرهابيّة".
وبالرغم من أنّ الأزمة المالية في إيران ألقت ظِلالها على الدور الإيرانيّ في تقديم الدعم الماليّ لقطاع غزَّة المحاصر منذ 15 عاماً، على صعيد إعادة الإعمار أو دعم البنية الاقتصادية والمدنية، إلا أنّ طهران لم تتوانى عن تقديم الدعم العسكريّ للمقاومة مع تفهّمها للعلاقة القطريّة معهم حتى في أوج الخلاف القطريّ - الإيرانيّ حول الحرب في السورية، والتي تنخرط فيها الدوحة بشكل كبير لدرجة دعمها للجماعات الإرهابيّة باعتراف مسؤوليها.
ومن الناحية الثقافيّة التي لا تقل أهميّة عما ذُكر، رعت العاصمة الإيرانية العديد من المؤتمرات التي تُعنى بانتفاضة القدس وفلسطين، وأولت اهتماماً فريداً في دعم هذه القضايا رغم انشغالها بمشاكلها الداخلية والأوضاع الخطيرة في المنطقة، وأبقت قنوات التواصُل مفتوحة بشكل مستمر مع فصائل المقاومة الفلسطينيّة بمختلف مكوِّناتها، انطلاقاً مما تسميه إيران "المبادئ الإيمانية والعقائدية"، وكعناوين فاعِلة في إطار مشروع المواجهة مع المشروع الأميركي والصهيونيّ في المنطقة.
خلاصة القول، تعلم الفصائل الفلسطينيّة من خلال تجاربها الواقعيّة المريرة، أن الدعم المقدم من إيران على مختلف المستويات لا يمكن الاستعاضة عنه بأيّ طرف إقليميّ، انطلاقاً من فهمها للأثمان السياسيّة المطلوبة من بعض الأطراف لقاء ذلك الدعم، ومن ضمنها التخلّي عن المواجهة العسكرية المباشرة مع العدو المجرم، لهذا فإن حاجة فصائل المقاومة الفلسطينية تزداد بشكل أكبر للدور الإيرانيّ الذي أثبت فاعليته الكبيرة، ومعركة "سيف القدس" شاهد على ذلك.