الوقت - بدأت دول منطقة غرب آسيا، وخاصةً الدول الخليجية، عام 2021 بشكل مختلف، بسبب تغيير حكومة الولايات المتحدة ورحيل الرئيس السابق دونالد ترامب من البيت الأبيض.
في ضوء مناورات الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن لتغيير نهج واشنطن تجاه المنطقة، اضطرت الدول الخليجية إلى إعادة النظر في سياستها الخارجية إلى حد ما.
خروج ترامب من البيت الأبيض والزلزال السياسي في مشيخات الخليج
في غضون ذلك، أثَّر تغيير حكومة الولايات المتحدة بشكل خاص على السعودية وأثار مخاوفها، لأن هذا البلد، وخاصةً ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي هو في الواقع الحاكم الفعلي للسعودية، راهن بشكل كبير على دعم ترامب للوصول إلى عرش السعودية.
على أي حال، اضطرت الرياض إلى إجراء تغييرات طفيفة في سياستها الداخلية والخارجية في بداية عام 2021.
قررت السعودية إنهاء أزمتها مع قطر التي استمرت أربع سنوات وكسر الحصار عنها. وأخيرًا، في 5 يناير، عقد اجتماع في منطقة العلا بالسعودية بحضور قادة الدول الخليجية، وبتوقيع اتفاق المصالحة بين أطراف الأزمة، استؤنفت علاقات قطر مع السعودية والبحرين والإمارات ومصر.
احتدام الخلافات بين السعودية والإمارات
لكن الخلافات بين السعودية وحليفتها الرئيسية في المنطقة تصاعدت لعدة أسباب.
فبينما فرضت الإمارات، باتباع السياسة السعودية، حصارًا على قطر وقطعت العلاقات مع تركيا، حسنت الرياض العلاقات مع البلدين دون استشارة أبو ظبي، مما أثار غضب الإمارات.
كما زاد الخلاف بين الرياض وأبو ظبي ومرتزقة الجانبين في حرب اليمن بشكل كبير في عام 2021.
وبعد انفصال الإمارات عن سياسات السعودية في أوبك، نشأ خلاف حاد بين الجانبين حول إنتاج النفط وأسعاره، ووصل الأمر إلى هجوم لفظي من مسؤولي البلدين ضد بعضهما البعض. واستمر التنافس الاقتصادي بين الجانبين، ووجهت السعودية ضربةً قاسيةً لاقتصاد الإمارات بسحب مكاتبها الإعلامية من الإمارات.
مساعي أبوظبي للتلاقي مع إيران وسوريا وعزل السعودية
في المقابل، سعت الإمارات إلى التشكيك في الموقع الإقليمي للسعودية، من خلال اتباع سياسة التقارب مع الدول التي كانت تعتبرها معاديةً في السابق.
في العام الماضي، كانت الرياض أول طرف عربي يتقدم ضمنيًا لإحياء العلاقات مع دمشق، لكن الإمارات سرعان ما انتزعت الصدارة من السعودية من خلال اتخاذ خطوات عملية في هذا الصدد.
وفي أواخر عام 2021، أصبحت الإمارات أول دولة عربية في المنطقة تطالب بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتعدّ زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق في 9 نوفمبر 2021، نقطة الانطلاق لتحسين العلاقات بين الجانبين.
بالإضافة إلى ذلك، وفي خطوة مماثلة، سافر الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي الإماراتي، إلى طهران في 6 ديسمبر 2021.
بصرف النظر عن الأهداف الخفية لهذه الزيارات، فإن هذه السياسة الإماراتية الجديدة زادت من عزلة السعودية؛ والرياض الآن مسؤولة عن كل هزائم التحالف العربي-الأمريكي المعتدي.
الهزائم المستمرة للسعودية في حرب اليمن واليد المتفوقة لأنصار الله
شهدت حرب اليمن عام 2021 كما في العامين الماضيين مفاجآت جديدة لليمنيين، وكشفت عن أبعاد جديدة للهزائم المتتالية للسعودية.
تمر الحرب اليمنية الآن بمنعطف حرج، حيث يسيطر الجيش اليمني واللجان الشعبية على الميدان في جبهات مختلفة، بما في ذلك وسط وغرب اليمن، بعد أكثر من ست سنوات من غزو التحالف العربي-الأمريكي بقيادة السعودية.
والأهم من ذلك، في السنوات الأربع الماضية، أصبحت الصواريخ والطائرات بدون طيار اليمنية كابوسًا للسعوديين.
كما تمت متابعة عمليات الردع من قبل حركة أنصار الله في عام 2021، وفي الفترة من 28 فبراير إلى نهاية نوفمبر من ذلك العام، تم تنفيذ أربع عمليات رئيسية، بما في ذلك عمليات توازن الردع الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة.
نفذت هذه العمليات بصواريخ باليستية يمنية وطائرات مسيرة متطورة استهدفت مواقع سعودية في عمق البلاد. والمطارات والقواعد العسكرية، وخاصةً منشآت أرامكو النفطية، هي من أكثر المواقع حساسيةً في السعودية، التي استهدفتها صواريخ وطائرات أنصار الله عام 2021.
کما أصبحت مدينة مأرب الإستراتيجية الآن على وشك التحرير الكامل، وقد فشلت الجهود السعودية لمساعدة أوروبا والولايات المتحدة في التوسط لوقف إطلاق النار، وشدَّد الجانب اليمني على استعداده لإنهاء الحرب فقط في حال رفع الحصار عن اليمن بالكامل وإعادة فتح مطار صنعاء ودفع تحالف العدوان تعويضات الحرب، وإلا فسيظل الخيار العسكري مطروحًا على الطاولة.
معركة سيف القدس وفضيحة إسرائيل الكبرى
لكن الوضع في الأراضي المحتلة في عام 2021 كان لا يزال ملتهبًا كما كان في العقود السابقة.
فبينما انشغل مسؤولو الکيان الصهيوني بالأزمة السياسية الداخلية وتفشي وباء كورونا وتداعياته، استمرت الاعتداءات اليومية من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين الصهاينة ضد الفلسطينيين.
واعتباراً من مطلع شهر مايو من عام 2021، تصاعد عدوان المحتلين ضد الفلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وكذلك في المسجد الأقصى، وأطلقت عشرات الصواريخ من غزة على القدس المحتلة فور انتهاء المهلة التي حددتها المقاومة الفلسطينية للصهاينة لوقف عدوانهم في القدس.
وهكذا بدأت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة هذه المرة حرباً للدفاع عن القدس تحت اسم "سيف القدس". وكشفت المقاومة الفلسطينية خلال الحرب الأخيرة عن عدة صواريخ وطائرات مسيرة جديدة، استهدفت مواقع مهمة في عمق الأراضي المحتلة لأول مرة.
يمكن اعتبار أهم إنجازات المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب على النحو التالي:
- بينما ركز سلاح الجو التابع لجيش الکيان الصهيوني بضرباته الجوية المتسرعة والمجنونة على قتل المدنيين الأبرياء، وخسر الحرب منذ البداية أمام الرأي العام، استهدفت المقاومة بدقة وانتظام من خلال الهجمات الصاروخية وفي عمليات غير مسبوقة، أي جزء من الأراضي المحتلة.
- الخوف والذعر غير المسبوق اللذين تجذرا في نفوس المستوطنين الصهاينة إثر الهجمات الصاروخية على المدن والبلدات الإسرائيلية، جعلهم يعيشون في الملاجئ خلال الحرب عبر وقف عدوانهم على الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى.
- عملت المقاومة في هذه الحرب على نحو أجبر الصهاينة على اللجوء إلى الوساطات العربية والدولية لوقف إطلاق النار، من خلال الاعتراف غير الرسمي بعدم قدرتهم على مواصلة الحرب.
- على الرغم من تفاخر الجيش الإسرائيلي بشن هجوم بري على غزة، والذي تبين أنه فضيحة كبرى لإسرائيل في وسائل الإعلام بعد أن تم الكشف عن زيفه، إلا أن الصهاينة لم يجرؤوا على مهاجمة غزة براً واكتفوا بعدوان سلاحهم الجوي.
- كان أبرز إنجازات المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب هو الوحدة غير المسبوقة لجميع الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين المحتلة، وكذلك خارج حدود هذه الأرض، وحتى الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948.
- أكدت نتيجة هذه الحرب الهزيمة الاستخباراتية للکيان الصهيوني، وكما اعترف العديد من خبراء ومسؤولي الکيان، بمن فيهم وزير الحرب الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، لم يتمكن فرع المخابرات في الجيش الصهيوني من تقييم رد فعل الفلسطينيين بدقة، مما تسبب في الكثير من الضرر للصهاينة.
أخيرًا، لجأ الصهاينة إلی الولايات المتحدة ومصر لإعلان وقف إطلاق النار في هذه الحرب، فانتهت معركة سيف القدس بهزيمة مذلة للکيان الإسرائيلي بعد 12 يومًا.
هزيمة واشنطن في أفغانستان ومصير القوات الأمريكية في المنطقة
كانت الانتخابات العراقية والتزوير المثير للجدل في نتائجها، أبرز حدث سياسي في هذا البلد عام 2021.
تشير الدلائل إلى أن نتائج الانتخابات تم التلاعب بها من قبل أطراف أجنبية مثل السعودية والولايات المتحدة، مما أدى إلى احتجاجات من قبل الشعب والأحزاب العراقية، والتي لا تزال مستمرةً.
من ناحية أخرى، بعد الهزيمة الفادحة للولايات المتحدة في أفغانستان وانسحاب قوات واشنطن من هذا البلد، ازدادت الضغوط من أجل انسحاب القوات الأمريكية من دول المنطقة، وخاصةً سوريا والعراق.
وبعد تصعيد هذه الضغوط، أعلنت إدارة بايدن إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وأنه في المرحلة المقبلة سيكون لهذه القوات دور استشاري وتدريبي بحت.
وفي هذا الصدد، أعلن قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي العراقي، في 9 ديسمبر 2021، انتهاء المهمة القتالية للتحالف الأمريكي في العراق رسمياً. وبالطبع، لم يتضح بعد عدد القوات التي ستغادر العراق.
من جهة أخرى، حذر العديد من الخبراء وفصائل المقاومة العراقية من خطة واشنطن الجديدة للبقاء في البلاد، وأكدوا أن الولايات المتحدة لا تنوي حقاً مغادرة العراق.
وعلى وجه الخصوص، مع بداية عام 2021 وتزايد الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة، زادت تحركات عناصر داعش الإرهابية بشكل كبير، كما يتضح ذلك من التفجيرات الدموية في بغداد من قبل خلايا داعش يوم تنصيب بايدن، وليس من المستبعد تكرار مثل هذه الأحداث في المرحلة المقبلة.
محادثات فيينا... من تراجع العرب إلى محاولات الصهاينة اليائسة
تعدّ محادثات فيينا بشأن الاتفاق النووي، آخر حدث بارز في غرب آسيا عام 2021.
الدول العربية التي أدرکت عدم قدرتها على التأثير في هذه المفاوضات، وكذلك يد إيران المتفوقة فيها، فضلت التراجع عن مواقفها المعادية في هذا الصدد. والکيان الصهيوني، بعد فشل مساعيه لوقف هذه المفاوضات، لجأ إلى إطلاق التهديدات السخيفة ضد إيران.
دخلت المنطقة عام 2022، بينما لا تزال هناك أسئلة كثيرة حول آفاق الملفات الحساسة، مثل حرب اليمن، واستمرار الصراع الفلسطيني الصهيوني، والأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان، وإمكانية حكم محمد بن سلمان ونحو ذلك.