الوقت- لأكثر من عام، عصفت الحرب المدمرة بمنطقة تيغراي الإثيوبية، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها 115 مليون نسمة.
الصراع آخذ في الانتشار، ووردت أنباء عن وقوع إصابات جماعية، وآفاق السلام ليست واضحةً بأي حال من الأحوال.
في الأيام الأخيرة، سارعت الجماعات المتمردة من تحركاتها نحو أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا المكتظة بالسكان ومقر الاتحاد الأفريقي، وهددوا بالإطاحة بحكومة رئيس الوزراء أبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام، والذي يشتبه الآن بارتكاب جنوده جرائم حرب.
ويحث رئيس الوزراء المواطنين الآن على حمل السلاح لمنع المسلحين من التقدم الذي يقول إنه "يقود البلاد إلى الدمار".
مستقبل الحكومة الإثيوبية غير واضح، لدرجة أن صندوق النقد الدولي(IMF) رفض نشر توقعات للوضع الاقتصادي للبلاد، في تقريره الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمي. وبحسب تقرير للأمم المتحدة، بالإضافة إلى الجريمة المنظمة ضد المدنيين، يهدد سوء التغذية والمجاعة حياة الآلاف من الأشخاص.
ما هي "جبهة تحرير شعب تيغراي" ولماذا تمردت؟
ولدت "جبهة تحرير شعب تيغراي" في منتصف السبعينيات كمجموعة مسلحة صغيرة من عرق التيغراي، لمحاربة الديكتاتورية العسكرية الماركسية في إثيوبيا، وقد تم تهميشها من قبل الحكومة المركزية لسنوات.
تشكل أكبر مجموعتين عرقيتين في البلاد، الأورومو والأمهرة، أكثر من 60 في المائة من السكان، في حين أن ثالث أكبر مجموعة، أي التيغراي، تشكل 6 إلى 7 في المائة.
ومع ذلك، أصبحت جبهة تحرير شعب تيغراي أقوى قوة متمردة في البلاد، وقادت في النهاية تحالفًا أطاح بالحكومة في عام 1991. وکان ملس زيناوي، زعيم الجبهة، قد حكم إثيوبيا من عام 1991 حتى وفاته في عام 2012.
قامت الحكومة التي هيمن عليها التيغراي بقمع المعارضة السياسية بشكل منهجي، وكان التعذيب شائعًا في مراكز الاحتجاز الحكومية.
الإحتجاجات المناهضة للحكومة التي بدأت في عام 2016، مهدت الطريق لأبي أحمد لتولي رئاسة الوزراء في عام 2018.
كان أبي أحمد ضابط مخابرات سابق في الحكومة التي سيطرت عليها جبهة تحرير شعب تيغراي، والتي هيمنت على إثيوبيا لما يقرب من ثلاثة عقود. لكن بعد وصوله إلى السلطة في 2018، قرر القضاء على سلطة الحرکة ونفوذها في إثيوبيا وإجراء إصلاحات سياسية، وهو ما أثار حفيظة قادة جبهة تحرير تيغراي.
أطاحت حكومة أبي أحمد بمسؤولي جبهة تحرير تيغراي واتهمت بعضًا بالفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان، الأمر الذي أغضب قيادة هذه الجبهة.
تراجعت جبهة تحرير شعب تيغراي إلى ملجأها في إقليم تيغراي في جبال شمال إثيوبيا. وفي صيف العام الماضي، تحرك التيغراي نحو الحكم الذاتي بإجراء انتخابات برلمانية إقليمية، ونتيجةً لذلك، خفضت الحكومة الإثيوبية ميزانية الإقليم.
قبل عام، هاجمت قوات جبهة تحرير شعب تيغراي قاعدةً عسكريةً فيدراليةً في تيغراي. وقالت الجماعة إنها نفذت الهجوم استعدادًا لهجوم محتمل من قبل القوات الفيدرالية. وعقب هذا الحادث، أمر رئيس الوزراء بشن هجوم عسكري على إقليم تيغراي وقواته الأمنية.
عزز أبي أحمد قوات الجيش من خلال نشر مقاتلين شبه عسكريين من قبيلة الأمهرة (الأحباش) في جنوب تيغراي. ثم توافد جنود من إريتريا، العدو الإثيوبي السابق، على تيغراي من الشمال للقتال إلى جانب قوات الجيش الإثيوبي ضد المتمردين.
سرعان ما سيطرت القوات الفيدرالية وحلفاؤها على عاصمة إقليم تيغراي وميكيلي ومدن أخرى، مما أجبر جبهة تحرير شعب تيغراي وأنصارها المسلحين على الفرار إلى المناطق الريفية والجبلية.
لكن منذ بداية الصيف اتخذ مسار الحرب منعطفًا مختلفًا، وتكبد الجيش الإثيوبي هزيمةً كبيرةً في يونيو، مما أجبره على التراجع من تيغراي، کما تم أسر عدة آلاف من جنوده.
في الواقع، على الرغم من الهزيمة الأولية للتيغراي، ولکن لا تزال هذه الجماعة تحافظ على قوتها العسكرية. وقالت مجموعة الأزمات الدولية في بداية الحرب في عام 2020، إن جبهة تحرير شعب تيغراي سيطرت على مجموعة من قوات الأمن، يبلغ تعدادها نحو 250 ألف مسلح.
والقضية الأخرى التي قلبت المعادلات لصالح التيغراي، كانت تحالف جبهة تحرير شعب تيغراي مع جيش تحرير أورومو، الذي أعلن في مايو 2021 الحرب على حكومة آبي أحمد.
ومع تقدم المتمردين في أديس أبابا في أوائل نوفمبر، اضطر رئيس الوزراء إلى إعلان حالة الطوارئ وحث جميع المواطنين على حمل السلاح للدفاع عن العاصمة.
الصراع العرقي وأزمة عدم الثقة
نزاع تيغراي متجذر في التوترات التي تعود إلى الأجيال السابقة في إثيوبيا. يتكون هذا البلد من 10 مناطق ومدينتين تتمتعان باستقلالية كبيرة في مجال الشرطة الإقليمية والميليشيات.
لا يوجد مراقب موثوق به يعتقد أن هناك حربًا وحلًا عسكريًا دائمًا لإنهاء العديد من الصراعات التي مزقت الحكومة الإثيوبية، لكن ثمة عقبات كبيرة أمام الحل السياسي أيضًا.
منذ بداية الصراع، قامت المعارضة بنزع الشرعية عن بعضها البعض. وتصر الحكومة الفيدرالية على محاربة المنظمات الإرهابية، لأنه في يناير 2021، انتزعت الحكومة الفيدرالية شرعية جبهة تحرير شعب تيغراي، وفي مايو وصفت الجماعة بأنها منظمة إرهابية.
من ناحية أخرى، لا يعترف المتمردون بانتخابات يوليو التي أدت إلى استمرار رئاسة وزراء أبي أحمد، وهم يعتبرون أن أي حوار يهدف إلى التسوية لا معنى له.