الوقت- من جديد، تعود قضيّة جماعة الإخوان المسلمين والدولة المصريّة إلى الواجهة، مع وجود تقارير تتحدث عن أنّ هناك إمكانيّة لعودة الحوار بينهما، في ظل ضغوط أمريكيّة بتعليق جزء من حزمة المساعدات المشروطة، لتنفيذ الحكومة المصريّة إصلاحات تتعلق بحقوق الإنسان، حيث أوضح القياديّ البارز بجماعة الإخوان التي تُصنفها القاهرة جماعة إرهابيّة محظورة، يوسف ندا، قبل أيام، أنّ الباب بات مفتوحاً للحوار مع “رئاسة النظام المصريّ”، وتفسده وضع شروط مسبقة، فيما يقبع كثير من كوادر الجماعة وقياداتها في الزنازين على ذمة أحكام مرتبطة بالإرهاب والتحريض على العنف.
“العالم كله يعلم أن جماعة الإخوان لم تفرض فكرها على أحد طوال الـ90 سنة الماضية" هكذا زعم القياديّ الإخوانيّ في رسالة تحت عنوان “مصر إلى أين؟"، رداً على تلميحات الرئيس المصريّ، عبد الفتاح السيسي، التي قال فيها على الهواء مباشرة في اجتماع أُجري لإطلاق استراتيجيّة وطنية لحقوق الإنسان بالبلاد لأول مرة، إنّ "المجتمع على مدى الـ90 والـ100 عاماً يُصبغ بفكر محدّد معيّن"، وأنّ "عنصراً لم يسمه ينخر في جسد الدولة" طيلة تلك الفترة، في إشارة إلى "جماعة الإخوان المسلمين" التي تأسست عام 1928، وأحيت ذكرى مرور 90 عاماً على تأسيسها عام 2018.
وفي هذا الخصوص، ارتفعت احتماليّة وجود حوار خفيّ أو مصالحة سريّة، بالاستناد إلى تصريح الرئيس المصريّ الذي قال فيه: “أنا لست مختلفاً مع هؤلاء، لكن بشرط أن يحترموا مساري ولا يتقاطعون معي ولا يستهدفونني"، وأضاف: "سأقبل فكره، لكن لا يفرضه عليّ، ولا يضغط به عليّ، لست أنا كشخص، ولكن على مصر والمجتمع"، في مبادرة غريبة من نوعها وغير اعتياديّة لإرساء ما يمكن أن نسميه "حواراً" بين القيادة المصريّة وجماعة الإخوان المسلمين.
بالمقابل، تنصل القياديّ الإخوانيّ من اتهامات الرئيس المصريّ بقوله: “العالم كله يعلم أن جماعة الإخوان لم تفرض فكرها على أحد طوال الـ90 سنة الماضية"، وزعم أن “القناعة بهذا الفكر كانت هي الدافع لخدمة الوطن، والبذل والعطاء لشعبه، والصبر على المحن والمظالم التي وقعت وتقع على أفرادها طوال تاريخها، حسبة لله وحده سبحانه وتعالى"، ومشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ "فتح الحوار مع رئاسة النظام المصريّ حاليّاً كما توحي رسالته يُوجب إنهاء معاناة المسجونين من النساء والرجال ومعاناة أسرهم حتى لا تبقى مع المشروع الجديد لحقوق الإنسان وكأنها رهانات على الصبر وتحمل نتائجه".
دليل آخر على وجود اتفاق يجري بشكل سريّ يمهد لحوار علنيّ، هو ما ذكره الزعيم الإخوانيّ في رسالته: “لتكن بداية عمل الإستراتيجية الوطنية الجديدة لحقوق الإنسان هو تنفيذ ما نصت عليه المادة (241) من الدستور المصريّ"، وهو إصدار قانون العدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدوليّة، وأضاف: "تعلمنا في السياسة أن وضع الشروط المسبقة تفسد الحوار، ولذلك أقول أن الباب مفتوح، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً"، مدعياً أنّ صحائف الجماعة بيضاء، والوطن أحب إليهم من نفوسهم.
وما ينبغي ذكره، أنّ يوسف ندا يُصنّف بحسب تقارير إعلاميّة الرجل الأول فيما يُسمى "التنظيم الدولي الافتراضي لجماعة الإخوان المسلمين"، باعتباره المفوّض السابق للشؤون الدوليّة والعلاقات الخارجيّة للجماعة المتشدّدة، وشاهد عيان لعقود طويلة على أحداث من الغضب والثورة والحروب وحوادث الإرهاب العالميّ والأزمات الدوليّة المعقّدة، وتوسّط في عديد المحافل في علاقات وأزمات إقليميّة، أهمها كان بين السعودية واليمن، والسعودية وإيران، وبين الحكومة الجزائرية و"جبهة الإنقاذ"، وأزمة اجتياح العراق للكويت، وفقاً لما ذكره في كتابه "من داخل الإخوان المسلمين".
أما السلطات المصريّة التي تدعي أنّه ليس لديها سجناء سياسيون، وأنّ من يحاكمون يخضعون للقانون، رافضة الانتقادات الحقوقيّة الدوليّة لها، فتصنف “الإخوان المسلمين” كـ”جماعة إرهابية محظورة” منذ أواخر عام 2013، ويقبع أغلب كوادرها وقياداتها ومنهم المرشد العام، محمد بديع، في السجن على ذمة أحكام مرتبطة بـ”الإرهاب والتحريض”، وهي تهم تنفي الجماعة صحتها.
وفي الوقت الذي قررت فيه الإدارة الأمريكيّة، برئاسة جو بايدن، فرض شروط جديدة على المساعدات العسكريّة التي تُقدّم سنويّاً لمصر وتعليق جزء من حزمة المساعدات المشروطة حتى تنفيذ مطالب الولايات المتحدة المتعلقة بملف حقوق الإنسان، يتحدث مسؤولون أمريكيون أن البيت الأبيض يعتزم تقديم 170 مليون دولار من أصل 300 مليون دولار، وتحديد أوجه الاستفادة منها في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود ومنع انتشار الأسلحة فقط لا غير، على أن تُقدَّم 130 مليون دولار المتبقية بشروط، هي: أن تُنهي القاهرة بشكل فوريّ استمرار المحاكمات المطوّلة ضد منظمات حقوقيّة ومؤسسات المجتمع المدني، التي يُطلق عليها اسم "القضية 173"، إضافة إلى إسقاط التّهم والإفراج الفوريّ عن 16 شخصاً قدمّت أميركا لائحة بأسمائهم للحكومة المصريّة في يونيو/حزيران المنصرم.
أيضاً، فإنّ التقارب المتصاعد بين مصر وكل من تركيا وقطر الإخوانيتين، مروراً بالدور الملحوظ في القضية الفلسطينية ومساعي التوصّل إلى اتفاق هدنة وقف إطلاق النار بين العدو الصهيونيّ الغاصب وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر منذ أحد عشر عاماً، يدل بشكل واضح على الاحتماليّة الكبيرة في أن تغير القيادة المصريّة موقفها الحاد تجاه جماعة الإخوان، وبالتالي حوار علنيّ بينهما.