الوقت - تحولت التطورات في أفغانستان خلال الاسابيع القليلة الماضية الى مركز رئيسي للأحداث الدولية. ففي الآونة الأخيرة، شاهدنا هجوم طالبان التي واصلت هجماتها بلا هوادة للسيطرة على مختلف المدن والمناطق الحدودية، ومن جهة أخرى، حاولت قوات الحكومة المركزية المقاومة الوقوف امام هجمات طالبان على الرغم من الهزيمة في مختلف الجبهات، وإقناع الحركة بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
ولكن في غضون ذلك، فإن التطور المهم والمثير للقلق للسلم والاستقرار الإقليمي والدولي هو أن الأجواء الراهنة أصبحت ساحة لاستعراض العضلات ومحاولات تنظيم داعش الإرهابي.
في الواقع، تشير التطورات الأخيرة إلى أن التنظيم الإرهابي قد يصبح في المستقبل القريب اللاعب الثالث في التطورات السياسية والعسكرية لأفغانستان، على الرغم من ادعاء طالبان بأنها تحارب تنظيم داعش. اذ يبدو تنظيم داعش الذي فقد الكثير من قوته على مستوى المنطقة، لا يزال قادرا على تحويل أفغانستان الى ساحة لإعادة ظهوره.
داعش تحاول الظهور مجددا
سبب تزايد أنشطة تنظيم داعش الإرهابي في شمال أفغانستان والمنطقة الحدودية مع طاجيكستان مؤخراً قلقاً كبيراً لدى اللاعبين المحليين والأجانب. وبحسب الوثائق والأدلة المتوفرة في مناطق تخار وسربل وخاصة في فارياب، فقد انتشر العديد من عناصر تنظيم داعش في هذه المحافظات. حتى أن هناك تقارير تفيد بأن تنظيم داعش الإرهابي ارتكبت جرائم عديدة في شمال أفغانستان.
على سبيل المثال، أعدم تنظيم داعش التكفيري شرطي مرور في آخر إبادة جماعية نفذها في منطقة دشت آبدان بمحافظة قندوز بالقرب من الحدود مع طاجيكستان. جاء العمل الإرهابي هذا لتنظيم داعش في وقت نشرت فيه وسائل إعلام أفغانية تقريراً يفيد بتواجد عدد من عناصر حركة أنصار الله الطاجيكية في مدن بدخشان الحدودية مع طاجيكستان من قبل طالبان.
وذكر فيه إن مدن كوف آب وشيكي ونسي ومايمي وخواهان في بدخشان التي تشترك في الحدود مع طاجيكستان، تقع تحت سيطرة هؤلاء العناصر. هذا و واعتبر العديد من المراقبين السياسيين الآن اجراء داعش هذا جرس إنذار لدول آسيا الوسطى وروسيا والصين.
تشير جميع الحقائق الميدانية الراهنة إلى أن فراغ القوة الذي أحدثه اشتباك طالبان مع قوات الحكومة المركزية قد أتاح الآن مساحة كبيرة لظهور وصعود تنظيم داعش الإرهابي. ومع ذلك، فإن السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت تحركات داعش مستقلة وبدون دعم خارجي، أو ما إذا كانت هناك إرادة أجنبية لتقوية التنظيم.
اهداف أمريكا الخاصة في آسيا الوسطى
يمكن اعتبار انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر، بالإضافة إلى الهزيمة لاستراتيجية واشنطن العسكرية في المنطقة، بمثابة خطة وراء الكواليس لنشر الإرهاب في آسيا الوسطى بأدوات داعش. حيث تحاول الولايات المتحدة دعم داعش في شمال أفغانستان. وفي الواقع، تحاول الولايات المتحدة نشر داعش في طاجيكستان ثم اشغال أوزبكستان وتركمانستان وقيرغيزستان في مسألة وجود داعش ونفوذها. هذه هي الاستراتيجية النهائية لواشنطن لنشر الإرهاب والتطرف في آسيا الوسطى ، مما يمهد الطريق لوجودها في المنطقة وكذلك خلق تهديد أمني للاعبين المنافسين.
وفي ظل هذه الظروف، يبدو أنه تم التوصل إلى اتفاقات من وراء الكواليس مع طالبان، تقوم على حماية المصالح الجيوسياسية الأمريكية في المنطقة، وإن كانت على حساب مصالح الشعب الأفغاني ودول المنطقة. هذا وتسعى إدارة بايدن في البداية إلى تحويل منطقة آسيا الوسطى إلى مجموعة أمنية شديدة الخطورة، ثم تكشف عن خطتها لمعالجة مخاوف دول المنطقة.
وفي هذا الصدد، استضاف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في 23 أبريل 2021 اجتماعا (افتراضيا) لنظرائه من خمس دول في آسيا الوسطى، بما في ذلك كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان. حيث كرر بلينكين التزام الولايات المتحدة المستمر باستقلال تلك الدول وسيادتها الوطنية وسلامة أراضيها. وعلى الرغم من أنه يبدو أن حكومة الولايات المتحدة تحاول طمأنة الدول في دائرة 5C، إلا أن الحقيقة هي أن واشنطن تتابع سياسة النفوذ في منطقة آسيا الوسطى.
موسكو وبكين في مركز التهديدات الأمريكية
في الظروف الجديدة، تركز استراتيجية الولايات المتحدة في النظام الدولي وفي اطار سياسة التطلع إلى الشرق على محور احتواء الصين.
من وجهة نظر الأمريكيين، تعتزم بكين، باستثماراتها الضخمة في مشروع حزام واحد طريق واحد والذي يقع معظمه في دول آسيا الوسطى، الاستفادة من الاتجاه الأمريكي المتراجع للاستحواذ على نبض التجارة الدولية والعالمية. لذلك، يبدو أن الاستراتيجيين الأمريكيين، يحتاجون من أجل منع تطور النفوذ الاقتصادي والسياسي للصين إلى إنشاء قواعد عسكرية في دول آسيا الوسطى، ومن ناحية أخرى، يسعون إلى نشر الإرهاب في الدول المجاورة للصين.
بالإضافة إلى الصين، هناك هدف آخر للولايات المتحدة في نشر انعدام الأمن في آسيا الوسطى من خلال تنظيم داعش، وهو خلق مجموعة من التهديدات لروسيا في مجال نفوذها.
وفي هذا الصدد، نرى أن المسؤولين السياسيين الروس قلقون للغاية الآن من تحول انسحاب القوات من أفغانستان لظاهرة نقل القوات الأمريكية والقواعد العسكرية إلى آسيا الوسطى. والأكثر من ذلك، يرى العديد من المراقبين السياسيين أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان سيناريو محدد سلفاً لإغراق روسيا في مستنقع الإرهاب على حدودها.
بالطبع ان مسؤولين أمنيين روسي رفيعي المستوى أعربوا مراراً عن قلقهم من تصاعد الأنشطة الإرهابية، لا سيما تنظيم داعش الإرهابي في شمال أفغانستان وبالقرب من الحدود الطاجيكية، ويبدو أن الروس مدركون للخطة الأمريكية للنفوذ في آسيا الوسطى وتشكيل تهديد أمني لموسكو، لذلك اتخذوا إجراءات احترازية في هذا الصدد.
في الواقع، ان روسيا عقب ادراكها بأن أمريكا لديها استراتيجية طويلة الأمد للوصول إلى الموارد الغنية في آسيا الوسطى واطراف البحر الأبيض المتوسط ، وقعت اتفاقية عسكرية - أمنية مدتها 50 عاما مع طاجيكستان لنشر القوات الروسية على الحدود الجنوبية لطاجيكستان لمنع داعش و إرهابيين آخرين من عبور الحدود الى طاجيكستان
ومن جهة أخرى، صرحت روسيا مراراً أنها مستعدة لتعزيز حدود طاجيكستان لمكافحة الإرهاب ومنع نقل الإرهابيين من أفغانستان إلى طاجيكستان ومنها إلى دول الجوار الأخرى لروسيا.