الوقت- لا يختلف اثنان ممن يعملون في المجال السياسيّ أو الإعلاميّ على أنّ اللوبي الصهيونيّ الموجود في الولايات المتحدة هو المهيمن على السياسات الأمريكيّة وبالأخص "السياسة الخارجيّة"، حيث يضم مجموعة عملاقة من الشركات والمصانع ذات رؤوس أموال ضخمة في أمريكا، ويضم أكثر من 34 منظمة يهوديّة سياسيّة في أمريكا تقوم بجهود منفردة ومشتركة من أجل مصالحها ومصالح الكيان الصهيونيّ الغاشم، ومؤخراً حذفت مجلة Scientific American العلميّة مقالة تدعو للتضامن مع الشعب الفلسطينيّ من موقعها الإلكترونيّ بعد ضغوط هائلة من اللوبي الصهيونيّ في الولايات المتحدة، في الوقت الذي لم يترك فيه العدو العنصريّ نوعاً من أنواع "جرائم الحرب" إلا واستخدمها ضد الفلسطينيين، بدءاً من تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، ومروراً بالجرائم الموجهة ضد المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم الشخصية وتهجيرهم قسريّاً، وليس انتهاءً عند القتل والحصار والإبادة الجماعيّة.
هجمة صهيونيّة
مقالٌ صحفيّ كان كافيّاً لإثارة غضب وهجمة اللوبي الصهيونيّ الداعم الأكبر والأهم للعدو الإرهابيّ، حيث نشرت مجلة “ساينتفك أمريكان” الأمريكيّة افتتاحية أوائل شهر حزيران الحاليّ، جاء فيها ”بصفتنا من العاملين في مجال الرعاية الصحية، نتضامن مع فلسطين"، حيث عمد العدو الغاصب على منع دخول المرضى من قطاع غزة لمستشفيات الضفة المحتلة والداخل المحتل للعلاج، في حلقة من مسلسل جرائم الحرب التي تسببت فيها الآلة العسكريّة للكيان وخاصة خلال هجومها الذي استمر 11 يوماً، والذي استهدف آلاف المواطنين الأبرياء ومنازلهم والأبراج السكنيّة والبنى التحتيّة والمؤسسات الصحيّة والتعليميّة وخطوط المياه والكهرباء وتمديدات الصرف الصحيّ.
وفي هذا الصدد، تعاونت مجموعة من الأطباء وطلاب الطب على كتابة الافتتاحية، وعرضت بالتفاصيل الفظائع الإسرائيلية الأخيرة عقب العدوان الصهيونيّ الغاشم على قطاع غزة المحاصر، والذي راح ضحيته مئات الشهداء (نصفهم من الأطفال والنساء) وآلاف الجرحى مع دمار هائل في البنية التحتيّة، وتعهدت المجلة بتقديم الدعم لحركة مقاطعة الكيان الصهيونيّ (BDS) التي يعتبرها الصهاينة وداعموهم تهديداً استراتيجيّاً للوجود الاسرائيليّ غير الشرعيّ في فلسطين، وقد فشلت مخططات وزارة الشؤون الاستراتيجيّة في حكومة العدو بشكل كبير في القضاء على الحركة المقاطعة العالميّة المناهضة للكيان الذي يقمع الشعب الفلسطينيّ ويستعمر أرضه دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه المتصاعدة.
بناء على ذلك، سارعت مجموعة تابعة للوبي الصهيونيّ في الولايات المتحدة تدعى “صوت من أجل إسرائيل” بالضغط على إدارة المجلة، ونشرت اتهامات باطلة عنها، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تضغط فيها جماعات اللوبي الصهيونيّ على المطبوعات والمجلات العلميّة والطبيّة للتراجع عن دعم فلسطين وشعبها، وفي وقت سابق اضطرت مجلة “ذا لانسيرت” إلى حذف مقالة تحذر من تفشي فيروس كورونا المستجد في قطاع غزة المحاصر، وكيف أدت سياسة العدو المجرم إلى تفاقم الوباء في المنطقة.
ولا يخفى على أحد أنّ الولايات المتّحدة نتيجة لذلك الضغط اتخذت موقفاً متوقعاً في التغاضي عن جرائم الكيان الصهيونيّ التي تدعمه بكل ما أوتيت من قوة، وقد ركزت وسائل إعلام أمريكية بينها "نيويورك تايمز" و "تايم" و "سي إن إن" حينها على الحكومة الإسرائيلية التي كان يجري تشكيلها، وقد غضّ الإعلام الأمريكيّ الطرف عن الهجمات العدوانيّة والدمويّة للصهاينة، في ظل منهج أمريكيّ معهود بتسليح الكيان الصهيونيّ المعتدي والدفاع عن مصالحه في المنطقة بشكل لا متناهٍ، على حساب الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ، بما يخدم أهدافها، ويفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه.
سيطرة حقيقيّة
قد يستغرب البعض من أنّ دولة كالولايات المتحدة التي تزرع الشرور في العالم بأكمله من خلال قواتها وقواعدها العسكرية وأساطيلها الحربية المنتشرة على طول البحار والمحيطات، مرهونة بقرارات الكيان الصهيونيّ الذي هو بالأساس صناعة أمريكيّة وغربيّة لخلق التوتر في الشرق الأوسط وردع كل ما من شأنه تهديد مصالح أمريكا حول العالم، لكن الحقيقة هي أنّ المصلحة القوميّة الأمريكية لم تعد بالصدارة المطلقة في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، ولا سيما منذ حرب حزيران من عام 1967، التي جعلت علاقة الولايات المتحدة بالكيان الصهيوني "حجر الزاوية" في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطيّة إن صح التعبير، وأفرزت دعماً مستمراً ومتصاعداً من أمريكا للعدو القاتل.
وفيما يتعلق بالتمويل اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة للعدو لتقوية الآلة العسكريّة الصهيونيّة التي تبيد الفلسطينيين على مرأى ومسمع من العالم ولا أحد يحرك ساكناّ، إضافة إلى بناء المستوطنات وتحصينها بأحدث التكنولوجيات الممكنة والمطورة، ولا يكف اللوبي الصهيونيّ الخطير في توجيه السياسات الأمريكية، فداخليّاً يمول حملات الترشح للكونغرس للعديد من النواب بملايين الدولارات وفي الوقت نفسه هم الذين ينفدون أجندة اللوبي من خلال التصويت على قرارات تكون في مصلحتهم وفي مصلحة العدو الغاصب، وإن كل دولار ينفقه اللوبي للتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكيّة، يحصل مقابله العدو على 50 دولاراً كمعونة لتمويل بناء المستوطنات وتسليحها، في صفقة مربحة للغاية.
وعلى الصعيد الخارجيّ، فإنّ سيطرة اللوبي على السياسات الأمريكيّ كان واضحاً في الغزو الأمريكيّ للعراق عام 2003، ولا يتوانى المسؤولون الأمريكيون الموالون للصهيونيّة في زيارة كيان الاحتلال الساديّ عن الولاء والطاعة والتصفيق لجرائمهم اليومية وتزكيتها، ولم يحدث في تاريخه أن صوتت أمريكا في مجلس الأمن الدولي على قرار يدين جرائم العدو الباغي، بل العكس تكون بالمرصاد بالفيتو ضد أي قرار تأديبي ضده.
حتى من ناحية ما يُعرف بالتمويلات والمعونات التي تحصل عليها الدول الفقيرة وتحديداً بعض الدول العربيّة، فالكيان الصهيوني من خلال اللوبي الصهيونيّ يتدخل في تحديد مقاييس المساعدات الأمريكيّة المخصصة لتلك البلدان، والتي تعتبر مجرد رشاوى لإسكات الأنظمة العميلة والخانعة وإبعادها عن القضايا الحساسة والمهمة، وحشدها عند الحاجة، وخاصة فيما يتعلق بقضايا "الإرهاب ومحاربة التطرف وتشكيل التحالفات" التي تخدم المصلحة الصهيونيّة أولاً وأخيراً.
قبضة إعلاميّة
يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ اللوبي الصهيونيّ يسيطر بشكل شبه كامل على الإعلام بجميع أنواعه في أمريكا ولديه شبكات متفرعة من المدافعين عن السامية من محامين وأطباء وإعلاميين وأكاديميين ونقابيين وفصائل طلابية في مختلف الجامعات الأمريكية، ولم يترك اللوبي مجالاً إلا وتغلغل فيه لكتم أي صوت معادٍ للسامية بأي وسيلة كانت، والدليل على ذلك، أنّ الكيان الصهيونيّ من خلال اليهود الذين يسيطرون إن لم نقل على معظم وسائل الإعلام العالميّة، فعلى الأقل على كبريات هذه الوسائل من شبكات تلفزيونيّة ومحطات إذاعيّة وصحف ومجلات ودور نشر وسينما وغيرها، وتظهر السيطرة الإسرائيلية جليّة على مجمل وسائل الإعلام الأمريكية إن لم يكن كاملها، حيث إنّ شبكة "سي إن إن" تملكها شركة (تايم وارنر) التي يترأسها جيرالدليفي إيزنار، وهو يهوديّ، وشبكة "إب بي سي" تملكها شركة (والت ديزني) التي يتراسها مايكل ايزنار، وهو يهوديّ، إضافة إلى شبكة "سي بي إس" وتملكها شبكة (وستنجهاوس)، ويراس الشبكة إيريك وابرل، وهو يهوديّ، وشبكة "إن بي سي" وتملكها (جينرال الكتريك) ويرأس قطاع الأخبار فيها اندرولاك وهو يهودي أيضاً.
وبالفعل نجح اللوبي الصهيونيّ في السيطرة على الصحافة اليوميّة بامتلاك أكبر 3 مؤسسات صحفيّة أمريكيّة مؤثرة، وهي" نيويورك تايمز" والتي تعتبر الصحيفة الموجهة لذوي البشرة البيضاء في المجتمع الأمريكي والمعبرة عنه، ويتولى رئاستها "ارثر اوكس سالزبرج" وهويهوديّ، و صحيفة "واشنطن بوست" الأولى سياسيّاً في أمريكا وقد اشترى ” ايجين ماير” وهو يهوديّ هذه الصحيفة عام 1933 ولا تزال مملوكة لعائلته وتملك الحصة الكبرى فيما إحدى حفيدات ” ايجين” وهي كاثرينماير” وهي يهوديّة، كما أنّ صحيفة "وول ستريت جورنال" وهي صحيفة المال والتجارة وتعتبر أكثر الصحف الامريكية انتشارا حيث يطبع منها 2،1 مليون نسخة يوميا، مملوكة لشركة (داو جونز) التي يراسها بيتر كان اليهوديّ وتصدر المؤسسة24 صحيفة يومية وأسبوعية اخرى.
وهذه القبضة الإعلاميّة تشمل أيضاً، المجلات الأسبوعية المهمة على الساحة السياسية، في مملوكة تماما لليهود، أولاً مجلة التايم (4،1 مليون نسخة أسبوعيا) وتملكها ” تايم وانر” يرأسها جيرالد ليفين وهو يهوديّ، ومجلة نيويورك ( 2،3 مليون نسخة) ويرأسها ” مارتيمر زوكرمان” وهو يهوديّ، ما يعني في النهاية أنّه من الطبيعي جداً أن تكون "إسرائيل" هي المستهدفة ولو أحرقت فلسطين وشعبها في ليلة واحدة.
نتيجة لكل ذلك، لا شك أن تحركات أمريكا بكل مؤسساتها وحتى أيّ رئيس لها يجب أن تكون متحيزة تماماً لسياسة الكيان الصهيوني العدوانيّ، وألا يتردد رؤساء الولايات المتحدة وكل ما دونهم في الدفاع عن العدو في أيّ مناسبة، سواء أكان الرئيس جمهوريّاً أم ديمقراطيّاً، لأنّ حوالي 60 % من التمويل الذي يحصل عليه الحزب الديموقراطيّ و35 % مما يحصل عليه الحزب الجمهوري مصدره الصهاينة الموالون للعدو.