الوقت - بعد فترة وجيزة فقط من انتصار المقاومة على الهجمات الوحشية واللاإنسانية للکيان الصهيوني على قطاع غزة، وفشل تل أبيب في تنفيذ مشروع تهجير السكان المسلمين في القدس واستبدالهم باليهود، نشهد تشكيل موجة كبيرة من الاشمئزاز والاستياء لدى المواطنين الفلسطينيين من سياسات التسوية للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.
ويبدو أن الفلسطينيين يعتقدون الآن أن أي سياسة قائمة علی المرونة والتسوية لن تكون فعالةً ولم تحقق لهم أي إنجاز يذکر، لكن في المقابل فإن سياسة المقاومة المتبادلة والشاملة ليس فقط لم تؤد إلی هزيمتهم، بل قضت مضاجع الکيان الصهيوني أيضًا.
وفي مثل هذه الأجواء، نظم سكان مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية مسيرات في جنازة "نزار بنات"، الناشط السياسي والحقوقي الفلسطيني والمرشح السابق للمجلس التشريعي، في 25 يونيو 2021، مرددين شعارات تطالب السلطة الفلسطينية بالاستقالة.
وقع الحادث يوم الخميس الماضي عندما داهمت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية منزل المواطن نزار بنات البالغ من العمر 44 عاماً في بلدة "دورا" في مدينة الخليل، وقامت باعتقاله وضربه، ما أدی إلی نقله إلى أحد مستشفيات المدينة بسبب خطورة إصابته، وتوفي هناك.
نفور المواطنين من سياسة السلطة الفلسطينية القائمة علی التسوية
تطورات الوضع في الأراضي المحتلة بعد انتهاء الحرب الصهيونية التي استمرت 11 يومًا ضد الفلسطينيين، جعلت الغالبية العظمى من المواطنين غير راضين عن أي نهج للسلطة الفلسطينية قائم علی التسوية، وقد بلغ استياؤهم من سياسات محمود عباس وبطانته بحيث لا يمكن أن يداوي جراحهم وآلامهم سوی استقالتهم وتنحيهم عن السلطة.
الحقيقة هي أن سياسة التسوية والتفاوض بين السلطة الفلسطينية والکيان الصهيوني منذ سنوات، لم تسفر عن أي نتائج تذکر. والنتيجة الوحيدة لنهج التفاوض والسلام منذ بداية التسعينيات حتى الآن، کانت كسب الوقت للصهاينة وزيادة سلطتهم الإقليمية والسياسية.
في الواقع، کان محمود عباس والسلطة الفلسطينية يتحدثان دائماً عن السلام والتوافق، لكن الصهاينة تابعوا بهدوء وراحة بال خطة تطوير المستوطنات وزيادة الاحتلال.
لکن على عكس السلطة الفلسطينية، أظهرت حماس خلال الهجوم الصهيوني الأخير علی قطاع غزة الذي استمر 11 يومًا، أن المقاومة لديها القدرة على الانتصار بل حتى هزيمة الکيان الصهيوني، ولن تدخر جهداً في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
وفي مثل هذه الأجواء، أثار استشهاد نزار بنات، المعروف بالناشط السياسي الفلسطيني والمعارض لتطبيع علاقات السلطة الفلسطينية مع الکيان الصهيوني، غضب واستياء المواطنين الفلسطينيين.
وحتى في هذا الصدد، نرى أن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية(حماس) أصدرت بيانًا ألقت فيه باللوم على السلطة الفلسطينية في مقتل نزار بنات. وفي الواقع، يعتبر الفلسطينيون الآن أن أصحاب مشروع التسوية هم السبب في استشهاد شهداء المقاومة.
الدعم الغربي لعباس من أجل استعادة صورة السلطة الفلسطينية
بالتوازي مع مطلب الشعب الفلسطيني المشروع بإدانة التنازلات والسياسة الخاطئة لمحمود عباس، سعت الدول الغربية وخاصةً الأوروبية، إلى دعم السلطة الفلسطينية ومضاعفة الضغط على حركة حماس. وهناك قضيتان مهمتان يمکن اعتبارهما مثالاً واضحاً لهذا الأمر في الآونة الأخيرة.
الأولی، في 21 مايو 2021، وعد جو بايدن السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، بمساعدة الأمم المتحدة في إعادة إعمار غزة، التي تكبدت خسائر فادحة في الحرب الـ 11 يومًا مع الکيان الصهيوني.
ويمكن قراءة هذه السياسة في سياق دعم الغرب الصريح للسلطة الفلسطينية ضد حماس. وبعبارة أخرى، إنهم يعتزمون خلق الشرعية والمقبولية للسلطة الفلسطينية من جديد، من خلال توفير الأموال اللازمة لمحمود عباس لإعادة إعمار غزة.
وحتى في هذا الاتجاه، نرى أن بعض الدول العربية، مثل السعودية والإمارات وعمان، قد نظرت في التعاون والمساعدة لإعادة إعمار غزة من خلال السلطة الفلسطينية.
ويمكن القول بشكل عام إن الغربيين ومرتزقة الأمريكيين من العرب، يأملون كما في الماضي في استعادة هيبتهم وأدوارهم من خلال دعم السلطة الفلسطينية ومحمود عباس.
وعلى المستوى الثاني، ينظر الغربيون أيضًا في ممارسة الضغوط وفرض العقوبات على حماس دوليًا.
على سبيل المثال، بعد أكثر من عام على إعلان برلين حركة حزب الله اللبنانية "إرهابيةً"، وما نشر مؤخراً من أنباء عن نية ألمانيا حظر استخدام علم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية(حماس)، في 4 يونيو 2021 حظرت هذه الدولة رسمياً استخدام رموز حماس.
في الواقع، وافق البرلمان الاتحادي الألماني على مشروع القانون هذا في عدة تعديلات بتصويت ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي - الاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي يشكل الحكومة الائتلافية في هذا البلد.
يحظر هذا القانون استخدام أعلام ورموز حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية في ألمانيا بشكل کامل. ويمكن قراءة وتقييم تزامن هذه الإجراءات مع احتجاجات المواطنين الفلسطينيين ومطالبتهم بإسقاط السلطة الفلسطينية، في شكل الدعم الأوروبي غير المباشر لتيار التسوية.