الوقت- إن السعودية والإمارات، باعتبارهما حليفين رئيسيين في المنطقة، كانت تربطهما علاقة متوازنة مع بعضهما البعض في الماضي ودخلتا في قضايا إقليمية مختلفة بشكل مشترك وأهم قضية مشتركة بين الجانبين كانت الحرب في اليمن التي بدأت تحت القيادة المباشرة لأبوظبي والرياض في عام 2015.
تغيير استراتيجية الإمارات في الحرب اليمنية
كانت حكومة الإمارات متورطة في العدوان ضد اليمن من خلال مشاركتها في تحالف العدوان العربي الأمريكي منذ البداية ولقد أرسلت أكبر القوات والمعدات العسكرية إلى اليمن بعد السعوديين. ولقد اختتم القادة الإماراتيون، الذين اعتقدوا في البداية أن الإنفاق العسكري الهائل الذي أنفقوه على حرب اليمن سيحقق أهدافه الاستراتيجية في هذا البلد الفقير، ولكن عقب الانتصارات التي حققتها قوات حركة "أنصار الله" وتصعيد الضربات الصاروخية اليمنية داخل العمق السعودي والإماراتي، واستمرار تعاون الإمارات مع السعودية في العدوان على اليمن كانت لهذا التعاون نتائج كارثية على الإمارات. وعلى وجه الخصوص وأن معظم عائدات الإمارات تأتي من مصادر سياحية، وسيؤدي تأثير صواريخ "أنصار الله" على المواقع الإماراتية - كما في حالة السعودية - إلى أضرار اقتصادية لا يمكن إصلاحها للإمارات.
ويعتقد خبراء إقليميون أن قادة الإمارات أنفقوا حتى الآن أكثر من 100 مليار دولار على الحرب غير المثمرة في اليمن، والتي قتلت أكثر من 100 ألف يمني أعزل وشردت ملايين آخرين، والتي خلصت في نهاية المطاف إلى أنها كانت حرب عبثية. وفي نفس الوقت الذي كان فيه الخلاف السعودي الإماراتي يتزايد، اقتصر دور الإمارات في اليمن على قصف المدن اليمنية بالطائرات الحربية، ولكن عقب نشوب خلافات بين حكّام أبوظبي مع جيبوتي وفقدهم موطئ قدمهم في القرن الأفريقي، لجأ الإماراتيون إلى احتلال المناطق الجنوبية اليمنية القريبة من القرن الأفريقي. وتبلغ مساحة اليمن 550 ألف كيلومتراً، ويبلغ طول سواحلها 2200 كيلومتر من الغرب والجنوب، ويمتلك العشرات من المدن الساحلية الواقعة في البحر الأحمر متصلة جنوباً بالمحيط الهندي، وهذا هو سبب جشع الإمارات في الموانئ اليمنية.
أهداف الإمارات الاستراتيجية ونهجها في التسلل إلى اليمن
منذ بداية العدوان على اليمن، كانت استراتيجية الإمارات في اليمن مختلفة عن الاستراتيجية السعودية. حيث كان الهدف الرئيس للسعوديين هو إضعاف جماعة "أنصار الله" حتى تعود السلطة مرة أخرى إلى الرئيس اليمني المستقيل "عبد المنصور هادي"، وتوسيع نفوذ الرياض في اليمن، وتعزيز الوضع الأمني على الحدود اليمنية السعودية. لكن الإمارات حاولت توسيع نفوذها في المناطق الساحلية وجنوب اليمن لتستخدمه في تعزيز وجودها على الخطوط البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب وأجزاء من القرن الأفريقي وحاولت الإمارات بشكل أساسي التأثير على مجرى الأحداث في جنوب اليمن من أجل إضعاف حكومة "عبد ربه منصور هادي" المستقيلة ومنعها من مواجهة أهداف الإمارات في المنطقة.
ومنذ مارس 2015، تتمركز القوات الإماراتية في جنوب اليمن. وبعد وجودهم في تلك المناطق، قاموا بتدريب وتسليح قوات تابعة لهم في جنوب اليمن. وكان هدفهم هو ضمان تعزيز الوجود الإماراتي الدائم في المنطقة للسيطرة على مضيق باب المندب. وكان هذا هدفاً استراتيجياً لدولة الإمارات، ولقد تعاونت أبو ظبي ليس فقط مع السعودية ولكن أيضاً مع مصر لتحقيقه. وحتى أنها حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة في هذا الصدد وأنشأت قاعدة لوجستية وعسكرية لها في الصومال وإريتريا لضمان وجودها على جانبي مضيق باب المندب.
لقد احتاجت الإمارات إلى نفوذ في جنوب اليمن لتنفيذ استراتيجيتها بالكامل. ولتحقيق ذلك، دعمت الإمارات السياسيين اليمنيين في الجنوب ورفعت جاهزية مقاتلي "الحزام الأمني" في الجنوب. ولقد دعم القادة الإماراتيون المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد الحركات الانفصالية الرئيسة في جنوب اليمن. وأيضًا وبعد مقتل الرئيس اليمني السابق "علي عبد الله صالح" في ديسمبر 2017، دعمت الإمارات ابن أخيه "طارق صالح" لتشكيل تنظيم عسكري على الساحل الغربي لليمن. ويواصل المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة لـ"طارق صالح" معارضة حركة "أنصار الله" رسمياً، لكنهم يعارضون أيضا شرعية الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي".
كما قامت الإمارات بتدريب حوالي 90 ألف جندي في هذه المناطق وتستخدمهم كأداة لممارسة نفوذها العسكري والسياسي. وإضافة إلى ذلك، عملت الإمارات في غرب اليمن على توحيد القوات العسكرية هناك، بما في ذلك القوات المتمركزة في ميناء الحديدة بقيادة "طارق صالح". ويُظهر سلوك الإمارات في غرب اليمن أن مسؤوليها يركزون بشكل أساسي على المناطق الجنوبية والساحلية من اليمن ولا يهتمون كثيرًا بالتطورات في شمال البلاد. ومن أبرز أهداف الإمارات الاستراتيجية في اليمن تعزيز نفوذها الجيوسياسي خارج بحر العرب، بما في ذلك خليج عدن وغرب المحيط الهندي. كما أنها تريد تعزيز موقعها العسكري والاقتصادي في تلك المنطقة لمنافسة إيران والسعودية وتركيا. وتسعى دولة الإمارات الى تعزيز مكانتها في دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية. كما تسعى لتوسيع التعاون في مكافحة الإرهاب لاستخدامه عالميا، وبالتالي إزالة الاتهامات عنها بدعم الإرهاب.
وحول هذا السياق، ذكر بعض الخبراء أن هدف الإمارات من دخول الحرب هو الوصول إلى المحيط الهندي عبر ميناء عدن. ويرى العديد من السياسيين الإماراتيين أن المحيط الهندي امتداد طبيعي لميناء عدن. كما أن وجود الإمارات في جنوب اليمن يجعلها تلعب دوراً في الساحتين السياسية والاقتصادية. ونفوذ الإمارات في الموانئ الجنوبية لليمن سوف يمنح أبو ظبي سيطرة على الملاحة في بحر العرب وخليج عدن، ونتيجة لذلك سيضعف دور عمان في الملاحة في هذه المناطق. إن احتلال جزيرة سقطرى كانت محاولات من قبل الإمارات لتقسيم اليمن إلى دول جنوبية وشمالية وتدريب وتجهيز وتسليح عدد كبير من الميليشيات المعروفة باسم "المجلس الانتقالي للجنوب"، والتي هي في الواقع القوات الإماراتية بالوكالة، كانت من أبرز أعمال الإمارات في جنوب اليمن في السنوات الأخيرة.
طمع الإمارات في جزر اليمن الاستراتيجية وسعيها لاستمرار الحرب
كانت الإمارات تتوسع تدريجياً خلال الأشهر القليلة الماضية، وبعد أن زعمت حكومة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أنها تريد إنهاء الحرب اليمنية، ومع تصارع السعوديين مع العواقب العسكرية والاقتصادية والسياسية للحرب اليمنية، زادت الإمارات من نفوذها في اليمن. وحتى وقت قريب، كانت الاطماع الإماراتية في اليمن تتنامى، وخاصة في جزيرة سقطرى، ولقد زادت رغبتها في توسيع نفوذها في تلك المنطقة، وفي بداية الأمر سعت أبوظبي إلى إنشاء قواعد عسكرية في الجزيرة لقواتها العسكرية وللتجسس وجمع المعلومات، ولكن عدد من الخبراء كشفوا أن الإمارات تعتزم احتلال جزيرة سقطرى واعطاءها لأصدقائها الجدد المتمثلين بالصهاينة.
لماذا فتحت الإمارات سقطرى للصهاينة ؟
وصلت المحاولات الصهيونية الإماراتية للاستيلاء على جزيرة سقطرى الاستراتيجية إلى نقطة أسكتت فيها أصوات المسؤولين اليمنيين في الحكومة اليمنية المستقيلة والقابعة في فنادق الرياض. وكما أفادت مصادر إخبارية بأن الكيان الصهيوني، قام بالتعاون مع الإمارات، بالدخول مؤخرًا إلى جزيرة سقطرى جنوبي اليمن بسفينة تحمل عتادًا عسكريًا، وتخطط لإنشاء مطار عسكري لها هناك. وتم الكشف عن التورط العلني للقوات والوكلاء الإسرائيليين في قضية اليمن بعد اتفاق تطبيع العلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب، وتحاول الإمارات تحقيق الأهداف الصهيونية واحتلال جزيرة سقطرى الاستراتيجية. وفي هذا الصدد، وبحسب تقارير غير رسمية، فقد درب جيش الكيان الصهيوني وجهاز المخابرات العسكرية التابع للصهاينة المسمى "أمان" بمساعدة الجيش الإماراتي بعض المرتزقة اليمنيين في جزيرة سقطرى في العام الماضي. ومنذ منتصف عام 2020 ، وطأت أقدام الصهاينة بشكل علني جزيرة سقطرى بمساعدة من قبل الإمارات، والآن يمكن للسياح الصهاينة السفر بسهولة إلى تلك المنطقة؛ بينما الإمارات تمنع اليمنيين من دخول سقطرى!
إن رؤية الإمارات لجزيرة سقطرى من خلال العيون الصهيونية يعني فصل الجزيرة عن اليمن وتغيير موقعها الجغرافي، بحيث يمكن لأبوظبي والكيان الصهيوني أن يراقبوا بشكل استراتيجي المناطق والطرق البحرية الاستراتيجية مثل بحر عمان والمحيط الهندي وبحر العرب إلى باب المندب والتجسس على المنطقة بشكل كامل. وقبل بضعة أشهر، أعلنت الإمارات أيضًا أن أبو ظبي نفذت مؤخرًا حزمة جديدة من الإجراءات، بما في ذلك شبكات الاتصال، لتغيير طبيعة وثقافة سكان سقطرى والسيطرة على هذه الجزيرة المهمة والاستراتيجية في المحيط الهندي. وكذلك وبعد الاتفاق الأخير مع الكيان الصهيوني، قامت أبو ظبي بإنشاء وتطوير شبكات الاتصالات الإنترنت في الجزيرة وتجهيزها بالمعدات وخطوط الاتصال الإماراتية.
وإضافة إلى هذه الأنشطة، وضعت دولة الإمارات تدابير أخرى على جدول أعمالها لتغيير الهوية اليمنية للجزيرة، بما في ذلك تغيير تقاليد سكان الجزر في مجال الزواج والملابس التقليدية النسائية وغيرها من القضايا؛ كما يقدمون دورات تعليمية وخاصة لأطفال سقطرى ويعلمونهم تاريخ الإمارات ويعتقد سكان سقطرى أن تصرفات الإمارات تهدف إلى إجبارهم على مغادرة الجزيرة وقبول عروض خادعة لبيع أراضيهم لاستبدالهم بالأجانب.
"میون"؛ نقطة الاحتلال الجديد لدولة الإمارات في اليمن وتحذيرات "أنصار الله"
في الآونة الأخيرة، ظهرت جزيرة "ميون" في وسائل الإعلام كأحد الأهداف الاستراتيجية لدولة الإمارات. وبحسب الوثائق المتوافرة، فإن الإمارات تبني قاعدة عسكرية في هذه الجزيرة، وتقع هذه الجزيرة في بقعة عمياء وتوفر قاعدة جيدة لأي عملية في البحر الأحمر وخليج عدن وشرق إفريقيا. وإضافة إلى ذلك، تُسهل هذه الجزيرة عمليات الضربات الجوية في مناطق رئيسية من اليمن. ولقد أقامت الإمارات قاعدة عسكرية لها في جزيرة "ميون" دون إبلاغ الحكومة اليمنية المستقيلة بقرارها الذي يعد انتهاكا للسيادة اليمنية بموجب القانون الدولي. وبحسب بعض المسؤولين في الحكومة اليمنية المستقيلة، فقد أرسلت السفن الإماراتية في الأسابيع الأخيرة أسلحة ومعدات عسكرية إلى جزيرة "ميون".
لكن حركة "أنصار الله" اليمنية حذرت المسؤولين الإماراتيين من أي طمع للإمارات في جزيرة "ميون" قائلة: "لا تدعوا المصيبة التي جلبناها على السعودية تحل عليكم". وقال "هشام شرف" وزير خارجية حكومة الإنقاذ الوطني اليمني: "إذا لم تغادر الأراضي والجزر اليمنية فستصلك حمم نيراننا قريباً". لذلك، إذا دخل "أنصار الله" هذه المعادلة، فإن الأمور ستكون مختلفة بالنسبة لدولة الإمارات.
لماذا تسعى الإمارات إلى استغلال الحرب اليمنية؟
في هذا الصدد، يرى عدد من الخبراء أن انتهاء الحرب اليمنية ليس في مصلحة الإمارات، وطالما أن أبو ظبي غير متأكدة من هيمنتها على الجزيرتين الاستراتيجيتين سقطرى وميون فإنها لن تسعى لوقف الحرب اليمنية. وعليه، تحاول أبو ظبي إبقاء السعودية في هذا المستنقع وهذه الحرب. وفي هذا الصدد، يحاول القادة الإماراتيون إقناع حكومة "جو بايدن" بعدم وقف الحرب في اليمن، وبالتأكيد اقناعهم بإتمام صفقات الأسلحة التي تبلغ قيمتها مليار دولار مع السعودية وذلك لأن هذه الصفقة إذا تمت فإن الحرب في اليمن ستستمر.
ومن ناحية أخرى، فإن قادة البيت الأبيض الجدد، الذين ادعوا وقف جرائم تحالف العدوان السعودي في حرب اليمن، أصبحوا الآن في مأزق الوفاء بوعودهم أو استمرار الاستغلال الاقتصادي للحرب اليمنية. إن الواقع والمصير النهائي لهذه الحرب مرهون بطرفين رئيسيين هما السعودية وحركة "أنصار الله" وما إذا كان بإمكان السعوديين إيجاد مخرج كريم لهم من المستنقع اليمني، أو ما إذا كان بإمكان اليمنيين فرض إرادتهم على السعودية وحلفائها من خلال تغيير ميزان القوى لمصلحتهم، وفي النهاية كسر الحصار والحصول على تعويضات.