الوقت- تشهد الساحة اللبنانية، على الرغم من الخلاف الكبير بين الأطراف السياسية، حالة من الترقّب حول إمكان توصل الفرقاء إلى تسوية داخلية على طاولة الحوار اللبناني. لبنان الذي أَجبر مشروع داعش على التوقف عند حدوده ومنعه من العبور، يعاني من أزمة سياسية خطيرة يحاول أعداؤه إستغلالها عند أي فرصة لضرب إستقراره وإفشال التلاقي بين اللبنانيين الذي يحصر الإشتباك السياسي على الطاولة داخل غرفة مغلقة في مجلس النواب ويحول دون تأثّر الشارع به والتخفيف من الإحتقان.
وعلى وقع الأزمة الدستورية القائمة في البلاد جراء الفراغ في منصب رئيس الجمهورية منذ مايو العام الماضي، يرى اللبنانيون في الحوار بين جميع الأطراف الحلّ الوحيد للإستقرار الأمني والحفاظ على الحكومة التي كاد أن يُفرط عقدها أكثر من مرة، وإخراج بلدهم من أزمة امتدت لأكثر من عام وسط مخاوف من انتقال الأزمات في بلدان الجوار الإقليمي وخصوصاً سوريا إلى الداخل اللبناني.
ففي هذا السياق قال الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله خلال حفل التكريم الشهيد القائد أبو محمد الإقليم بأنه يجب "الحرص على الحوار والتلاقي بين اللبنانيين لأن مصلحة لبنان تقتضي ذلك". وأضاف السيد : "نحن شاركنا في هذه الحكومة من أجل استقرار لبنان، ومع تقديرنا الخاص لرئيسها تمام سلام، وهذا واقع وليس مجاملة لصبره وتحمله، فإننا رغم تعثر الحكومة لا ندعو إلى إسقاطها". وشدد على "أهمية متابعة الحوار حتى ولو كانت إنتاجيته محدودة، فإن بناء الحكومة يمنع الانهيار".
ويحاول بعض الأطراف السياسية في لبنان اللعب على وتر الخلاف السياسي والطائفي وإفشال الحوار يإيعاز من دول خليجية سعت في الفترة الماضية لإغراق الساحة اللبنانية بالوحول الإرهابية، لكن بعد أن مُنع المشروع التكفيري من عبور الحدود اللبنانية، ومع عجز الكيان الإسرائيلي على الإعتداء على لبنان، حاولت هذه الدول إحياء مشروع الفتنة الداخلية من خلال التظاهرات لنقل الإشتباك من على طاولة الحوار إلى الشارع كي يتقاتل اللبنانيون فيما بينهم.
ففي ظل إحتدام الخلاف السياسي وتبادل الإتهامات حول قضايا الفساد، يبقى السؤال: هل يستطيع لبنان الخروج من أزمته بتسوية داخلية بمعزل عن تسوية إقليمية أو دولية؟ ومن يسعى لإفشال الحوار وما هي مصالحه ؟
ليس خافياً على أحد أنّ الملف اللبناني كباقي الملفات الإقليمية يحظى بإهتمام إقليمي ودولي، وبالتالي فحلّ أزمته تنتظر الإفراج عن التسوية الشاملة المرتقبة ليكون لبنان جزءاً منها. يقول بعض العارفين بكواليس السياسة اللبنانية بأن الملف اللبناني وُضع على رف الإنتظار بكل مندرجاته واستحقاقاته، وأن كل ما يجري من لقاءات وحوارات لا تخرج عن كونها تعبئة للوقت الضائع وأنها بمثابة مرحلة امتصاص الضغط الذي يعيشه اللبنانيون وصمام الأمان لهم في هذه المرحلة بانتظار إعلان التسوية التي يُعمل عليها في حال تمّ التوافق بين الدول الكبرى للوصل لحلول للملفات الإقليمية والدولية.
ومع اختلاف أجندات الدول الغربية والعربية وتضارب أولوياتهم ومصالحهم في المنطقة، فإنّه يُنظر إلى لبنان على أنها صورة مصغرة للخلاف القائم بين الفرقاء الإقليميين. فبعض هذه الدول يريد الأمن والإستقرار للداخل اللبناني وبعضه الآخر يسعى لكي يعبر المرض الإرهابي من سوريا إلى لبنان. وما الحشد التكفيري الذي كان على الحدود اللبنانية إلا دليلاً على نوايا البعض لإغراق لبنان لتصبح عراقاً جديد. لكن الشعب اللبناني تمكن بفضل مقاومته وجيشه أن يحمي حدوده ويدحر الإرهابيين عنها.
فقد كان واضحاً في ذلك الوقت كما كان الحال في حرب تموز 2006، وكما هو الحال الآن، أنّ أمريكا و"إسرائيل" والسعودية وغيرهم من أعداء المقاومة كانوا ومازالوا يسعون لزرع الخلاف بين الأطراف اللبنانية وإشعال حرب أهلية من أجل الضغط على المقاومة وإجبارها على إستخدام سلاحها الداخل وإغراقها في حرب أهلية. وها هي القوى ذاتها تسعى لإفشال الحوار بين اللبنانيين وإبقاء الفراغ الرئاسي وإسقاط الحكومة لنقل الإشتباك إلى الشارع.
وقد أثبتت التجارب السابقة أنّ اللبنانيين عند تعذر وصولهم إلى إتفاق داخلي بعد وصول الأزمة السياسية والأمنية إلى حائط مسدود، تتدخل الدول إقليمياً ودولياً للمساعدة في إيجاد تسوية مرضية للجميع .فإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1975 لم تتوقف إلا بعد التوصل إلى "اتفاق الطائف"، بين امريكا والسعودية وسوريا. وأحداث العام 2007 لم تتوقف إلا بتوقيع "إتفاق الدوحة" لإنهاء 18 شهراً من الأزمة السياسية والأمنية في لبنان والذي اثمر انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية لتدخل البلاد بعد انتهاء ولايته شهر مايو من العام الماضي في ازمة شغور رئاسي لغاية الآن.
لكن مهما كان التأثير الإقليمي والدولي في الساحة اللبنانية، فإنّ من واجب اللبنانيين في ظل هذا الحريق المشتعل من حولهم أن يحافظوا على إستقرارهم بأنفسهم، ولا ضمانة لذلك إلا في التلاقي والحوار فيما بينهم. أمّا الخيار البديل فهو الفتنة والتقاتل الداخلي. وهناك معادلة أصبحت ثابتة في لبنان أنّه من يستطيع إشعال حرب إهلية فيه لا يريد ذلك، ومن يريد ذلك لا يقدر عليها.
