الوقت- يأتي الإعلان، الذي نُقل عن طيباوي، بشأن التوصل إلى اتفاق بين جبهة التغيير وحزب التجمع لتشكيل قائمة مشتركة في لحظة سياسية دقيقة داخل الكيان الإسرائيلي، تتسم بحالة من عدم الاستقرار المزمن والانقسام الحاد حول القيادة الحالية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، هذا السياق لا يقتصر على الصراع بين اليمين والمعارضة، بل يعكس أيضاً أزمة ثقة عميقة في النظام السياسي برمته، وفي ظل هذا الواقع، تجد الأحزاب العربية نفسها أمام تحدٍ مزدوج يتمثل في الحفاظ على وجودها البرلماني ومحاولة استعادة دورها السياسي بعد سنوات من التراجع والتهميش، ما يجعل هذا الاتفاق استجابة سياسية لظرف ضاغط لا خطوة شكلية عابرة.
خلفيات التقارب بين جبهة التغيير والتجمع
لطالما اتسمت العلاقة بين الأحزاب العربية بتوترات وانقسامات ناتجة عن اختلافات أيديولوجية وتنظيمية، إلا أن التجربة العملية أظهرت أن هذا الانقسام كان له ثمن سياسي باهظ، تمثل في تراجع عدد المقاعد، وضعف التأثير داخل الكنيست، وتزايد حالة الإحباط لدى الناخبين العرب، في هذا الإطار، يبدو أن جبهة التغيير والتجمع توصلا إلى قناعة مفادها بأن الاستمرار في التنافس المنفصل لم يعد مجدياً، وأن العمل المشترك، ولو كان محدوداً بزمن الانتخابات، قد يشكل فرصة لتجميع القوة السياسية ومنع المزيد من الخسائر، هذا التقارب يعكس تحوّلاً من منطق الصراع الداخلي إلى منطق إدارة الخلاف ضمن إطار تحالفي.
القائمة المشتركة كأداة سياسية لا كغاية
تشكيل قائمة مشتركة لا يعني بالضرورة ذوبان الفوارق بين الحزبين، بل يمثل أداة سياسية مرحلية تهدف إلى تحقيق مكاسب محددة، فالقائمة هنا تُستخدم كوسيلة لتعظيم الحضور البرلماني وضمان تجاوز نسبة الحسم، وليس كمشروع اندماج فكري شامل، هذا الفهم البراغماتي يوضح أن الاتفاق قائم على حسابات واقعية أكثر منه على تقارب أيديولوجي عميق، كما أن هذه الصيغة تتيح لكل طرف الحفاظ على هويته السياسية، مع الاستفادة من قوة التحالف في مواجهة التحديات الانتخابية، وهو ما يجعل القائمة المشتركة حلاً عملياً في ظرف استثنائي.
الاصطفاف ضد نتنياهو ومعانيه السياسية
يشير الخبر إلى أن هذا التحالف يتجه نحو الاصطفاف ضمن معسكر يسعى إلى إسقاط بنيامين نتنياهو، وهو ما يضفي على الاتفاق بُعداً سياسياً أوسع، نتنياهو لم يعد مجرد رئيس حكومة، بل أصبح رمزاً لنهج سياسي يعتبره كثيرون مسؤولاً عن تعميق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، وعن سياسات تُنظر إليها كمعادية للعرب، من هذا المنطلق، فإن الوقوف ضده يُقدَّم على أنه موقف سياسي مبدئي من قبل بعض القوى العربية، بينما يراه آخرون خياراً تكتيكياً يهدف إلى تغيير موازين القوى، في الحالتين، يضع هذا الاصطفاف الأحزاب العربية في قلب الصراع السياسي الإسرائيلي، لا على هامشه.
التحديات الداخلية والخارجية أمام التحالف
رغم ما يحمله الاتفاق من فرص، إلا أنه يواجه تحديات جدية. داخلياً، قد تظهر الخلافات مجدداً عند صياغة البرنامج السياسي أو اتخاذ مواقف حساسة داخل الكنيست. كما أن القواعد الشعبية للحزبين ليست بالضرورة متفقة على جدوى هذا التحالف، وخاصة في ما يتعلق بالتعاون مع معسكرات إسرائيلية معارضة لنتنياهو دون ضمانات واضحة، خارجياً، يبقى السؤال مطروحاً حول مدى استعداد المعسكر المعارض لنتنياهو للتعامل مع الأحزاب العربية كشريك سياسي حقيقي، وليس مجرد داعم ظرفي في معركة إسقاط الحكومة.
الأبعاد الاجتماعية للتحالف
يتجاوز الاتفاق بين جبهة التغيير والتجمع البعد الانتخابي ليحمل آثاراً اجتماعية مهمة على المجتمع العربي في "إسرائيل"، فالتوحد السياسي يعكس رغبة الأحزاب في تقديم صورة أكثر تماسكاً أمام قواعدها الشعبية، ويمنح الناخبين شعورًاً بالتمثيل الجماعي الموحد، كما أن تعزيز الوحدة قد يساهم في رفع نسبة المشاركة السياسية، التي شهدت تراجعاً خلال السنوات السابقة بسبب الإحباط وفقدان الثقة بالعملية السياسية، من هنا، يمكن اعتبار هذا التحالف رسالة للجمهور بأن الأحزاب العربية قادرة على تجاوز خلافاتها التاريخية من أجل أهداف مشتركة تخدم المجتمع بأسره.
الدور الإعلامي والتحشيد السياسي
يلعب الإعلام الداخلي والخارجي دوراً بارزاً في تشكيل الرأي حول هذا التحالف، فالتغطية الإيجابية قد تعزز صورة الوحدة والفعالية، بينما التركيز على الخلافات القديمة أو الصراعات المحتملة قد يقلل من أثر القائمة المشتركة، من جهة أخرى، يعتمد نجاح التحالف جزئياً على قدرة قياداته على التواصل مع الجمهور العربي بشكل مباشر، وتوضيح أهدافهم الاستراتيجية من الاصطفاف ضد نتنياهو، وكيف سيستفيد المجتمع العربي عملياً من هذا التوحد، هذا الدور الإعلامي والتحشيد السياسي يصبح محوراً لنجاح أي خطوة انتخابية مستقبلية.
السيناريوهات المستقبلية والتحالفات المحتملة
يبقى السؤال الأكبر هو مدى قدرة هذا التحالف على الصمود بعد الانتخابات وما إذا كان سيؤدي إلى شراكات أوسع مع أحزاب يهودية أخرى داخل الكنيست، في حال تحقيق نتائج إيجابية، قد يعزز ذلك مكانة الأحزاب العربية ويمنحها دوراً أكبر في صياغة السياسات، سواء المتعلقة بالمجتمع العربي أو بمختلف القضايا الوطنية، أما في حال لم يتحقق النجاح المتوقع، فقد تواجه الأحزاب نقداً شديداً من جمهورها وتحديات داخلية تهدد استمرارية القائمة المشتركة في الانتخابات المقبلة، ما يجعل المستقبل السياسي للتحالف مرتبطاً بنتائج ملموسة.
قراءة مستقبلية ودلالات أوسع
في المحصلة، يعكس الاتفاق بين جبهة التغيير والتجمع محاولة لإعادة تعريف الدور السياسي للأحزاب العربية داخل "إسرائيل" في مرحلة تتسم بالتحولات وعدم اليقين، نجاح هذا التحالف لن يتوقف فقط على النتائج الانتخابية، بل على قدرة التحالف على تحويل هذا التمثيل إلى تأثير سياسي ملموس يخدم قضايا المجتمع العربي ويعيد الثقة بالعمل السياسي، وبين الرهان على إضعاف نتنياهو والمخاوف من تكرار تجارب سابقة لم تُثمر نتائج ملموسة، يبقى هذا التحالف خطوة تحمل دلالات مهمة، واختباراً حقيقياً لمدى نضج الفعل السياسي العربي في الداخل.
