الوقت- في يوليو 2011 تم الاعلان عن استقلال جنوب السودان عن شماله ومنذ ذلك الوقت وحكومة جنوب السودان الجديدة، تقوم بتقييد حرية التعبير بشدة، ولهذا فقد اعتبرت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية أن جنوب السودان أصبح الدولة الأخطر في العالم بالنسبة للمعارضين والصحفيين ومنتقدي الحكومة وتستخدم حكومة جنوب السودان في المقام الأول من خلال جهاز الأمن الوطني، الترهيب، والمضايقة، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز المطول، والتعذيب، وغيرها من ضروب المعاملة السيئة، والاخفاء القسري، والإعدام خارج نطاق القضاء، لإسكات منتقدي الحكومة، ونشطاء حقوق الإنسان، والصحفيين.
وحول هذا السياق، قالت منظمة العفو الدولية، يوم الثلاثاء الماضي، إن جهاز الأمن الوطني في جنوب السودان يستخدم المراقبة لإرهاب الصحفيين والنشطاء والمنتقدين، ما يؤدي إلى أجواء من الخوف الشديد. وقال "ديبروز موشينا"، مدير منظمة العفو في شرق وجنوب إفريقيا، إن "التهديد بالمراقبة هو سلاح في حد ذاته، وأخبرنا منتقدو الحكومة ونشطاء حقوق الإنسان أنهم يعيشون في خوف دائم من التجسس عليهم". وذكرت المنظمة أنه خلال تحقيق استمر عامين، قابلت المنظمة 63 شخصا، بينهم نشطاء من جنوب السودان وصحفيون ومحامون. كما اطلعت منظمة العفو الدولية أيضاً على ما يزيد على 57 تقريراً ودراسة أعدتها هيئات الأمم المتحدة، والمنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات غير الحكومية، فضلاً عن القرارات والقوانين والاتفاقيات. واكتشفت أن الإطار القانوني لجنوب السودان يمنح لجهاز الأمن الوطني سلطات واسعة، ودون قيود، لإجراء المراقبة دون توفير حماية كافية للحق في الخصوصية.
وقال معظم النشطاء إن المراقبة والمضايقة والخطر الذي يلوح في الأفق المتمثل في الاعتقال التعسفي، والاحتجاز، والموت المحتمل، لا يمنعهم من التحدث بصراحة، ولكنهم يضبطون ويزنون بدقة ما يقولون من كلام، وأين يقولونه، وإلى من يوجهونه. وقال أحد النشطاء، "لا يمكنك التحدث دون التفكير مرتين في العواقب". ولفت اولئك النشطاء إلى أن جهاز الأمن الوطني، قام بنشر عملاء في جميع أنحاء جنوب السودان والبلدان المجاورة، متغلغلاً بذلك في جميع مستويات المجتمع والحياة اليومية. وتُطلب موافقة جهاز الأمن الوطني لعقد الفعاليات العامة، مما يخنق الحوار الحقيقي. وتظهر الروايات الموثوقة والمتسقة من مصادر متعددة أن عملاء المخابرات قد تسللوا إلى المنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام، وشركات الأمن التابعة للقطاع الخاص، والفنادق وشبكة التجسس التابعة لجهاز الأمن الوطني هذه خلقت بيئة تُنتهك فيها حرية الرأي والتعبير والخصوصية.
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير أن حكومة جنوب السودان، مارست خلال السنوات الماضية الكثير من عمليات الترهيب والمضايقة والاعتقالات التعسفية والاحتجاز لفترات طويلة والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون لإسكات منتقدي الحكومة ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين. وذكرت تلك التقارير أن روايات موثوقة من مصادر متعددة تشير إلى أن عملاء المخابرات تسللوا إلى منظمات غير حكومية ووسائل إعلام وشركات أمنية في القطاع الخاص وفنادق وعلى الرغم من ذلك، يواصل العديد من النشطاء الشجعان في جنوب السودان الدفاع عن حقوقهم وحقوق الآخرين، متحدين المراقبة والترهيب والمضايقة ومطالبين سلطات جنوب السودان بوقف الممارسات غير القانونية التي يقوم بها جهاز الأمن الوطني، وتمكين الناس من ممارسة حريتهم في التعبير دون خوف من الانتقام.
وعلى سياق متصل، ذكرت منظمة العفو الدولية أن جميع النشطاء الذين قابلتهم يشعرون تقريبًا بالقلق إزاء المراقبة، ويتجنبون الحديث بشأن مواضيع حساسة عبر الهاتف، ويفضلون التحدث شخصياً، أو من خلال التطبيقات المشفرة. ولقد قال "عبد الله"، وهو أحد المدافعين عن حقوق الإنسان في جنوب السودان، لمنظمة العفو الدولية، إنه في آب 2018، قبل أن يعتقل تعسفياً، اتصل به ضابط في جهاز الأمن الوطني، وسرد محادثة هاتفية أجراها "عبد الله" مع موظف في منظمة دولية بشأن التهديدات التي يواجهها. ويعتبر "عبد الله" أن جهاز الأمن الوطني لم يكن بإمكانه معرفة محتويات المكالمة الهاتفية دون التنصت على هاتفه. وعلى الأرجح، يمكن لجهاز الأمن الوطني في جنوب السودان، اعتراض الاتصالات فقط بالتعاون من مزودي خدمات الاتصالات. ولقد أخبر موظف سابق في شركة "فيفاسيل" وهي شركة اتصالات عملت في جنوب السودان حتى آذار 2018، منظمة العفو الدولية أن جهاز الأمن الوطني لديه إمكانية الوصول المباشر إلى جميع مقدمي خدمات الاتصالات في البلاد من خلال تكنولوجيا المراقبة التي تم شراؤها من إسرائيل.
ونظرا لكل عمليات التنصت غير القانونية التي تقوم بها حكومة جنوب السودان، قال "ديبروز موشينا"، مدير منظمة العفو في شرق وجنوب أفريقيا: "تقع على عاتق شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية وشركات تكنولوجيا المراقبة مسؤولية احترام حقوق الإنسان في جميع عملياتها التجارية. إن توفير أنظمة المراقبة لجهاز الأمن الوطني عندما يكون هناك خطر جسيم على حقوق الإنسان، ومنحه إمكانية الوصول دون رقابة إلى شبكات الاتصالات، يعد تخلياً عن مسؤوليات الشركات. ويجب على سلطات جنوب السودان كبح جماح جهاز الأمن الوطني، ووضع حد لممارسة جهاز الأمن للعمل خارج نطاق القانون. كما يجب وضع حد لأعمال الترهيب والمضايقة والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني لمنتقدي الحكومة ".
وعلى نفس هذا المنوال حذرت منظمتان يوم الجمعة الماضي من أن قمع الصحفيين في جنوب السودان يمنع النقاش حول طريقة وضع حد للازمة التي تمزق البلاد منذ كانون الاول وتهدده بمجاعة. واعلنت هاتان المنظمتان في تقرير مشترك ان اجهزة الامن الوطنية يجب أن "يتوقف عن مصادرة واغلاق الصحف ومضايقة وتخويف الصحافيين واعتقالهم تعسفيا". واعتبرت "اليزابيث اشامو دينغ" الباحثة في مجال حقوق الانسان أن "القمع الذي تمارسه الحكومة ياتي في وقت بات فيه جنوب السودان بامس الحاجة لاصوات مستقلة للمساهمة في الحوار حول طريقة انهاء الازمة السياسية والنزاع المسلح الداخلي". وقد اندلع النزاع في 15 كانون الاول داخل الجيش المنقسم وفق انتماءات عرقية وسياسية على خلفية عداوة بين نظام الرئيس "سلفا كير" ونائبه السابق "رياك مشار". واسفرت المعارك بين الجيش وجنود منشقين ومليشيات قبلية بمجازر وفظاعات ارتكبت بحق المدنيين على اسس عرقية، وأسفرت عن سقوط الاف وربما عشرات الاف القتلى ونزوح مليون ونصف ساكن من ديارهم.
ولقد اعتبر "دنيال بيكيلي" مدير فرع افريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، انه لا يمكن للصحافيين والمعلقين والمحللين ان يقوموا بعملهم وتغطية النزاع الدائر، من دون ان يكونوا خائفين من قمع قوات امن الدولة لهم. واعتقلت قوات الامن العديد من الصحفيين لفترات متفاوتة بينما فر آخرون من البلاد. وقالت المنظمات غير الحكومية ان صحيفة "المجهر السياسي" تلقت الامر بوقف النشر بينما صودرت ثمانية اعداد من اسبوعية جوبا مونيتور منذ بداية كانون الاول، وضبط عدد من اسبوعية "سيتيزن" في حزيران. وقالت "اليزابيث اشامو دينغ"، انه "اذا اراد جنوب السودان مستقبل سلام فيجب عليه ان لا يغطي الجرائم وان يحمي حرية التعبير وان لا يهاجمها". وحذرت المنظمات الانسانية منذ عدة اشهر من ان المجاعة تهدد جنوب السودان، ولم تحترم الاطراف المتناحرة اتفاقين لوقف اطلاق النار تم التوصل اليهما في كانون الثاني/يناير، وقد خفت حدة المعارك خلال الاسابيع الاخيرة لكن خصوصا بسبب موسم الامطار الذي يعطل الطرق ويمنع نقل العتاد.