الوقت- لقد كان عام 2020 للبنانيين بمثابة بارقة أمل لإنهاء الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد من خلال تشكيل حكومة برئاسة "حسان دياب" ولقد تولت الحكومة السلطة بـ 20 وزيراً وتطلعت إلى رؤية إيجابية لتنفيذ العديد من الإصلاحات في لبنان ولقد تشكلت حكومة "دياب" في الوقت الذي كان يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، كركود اقتصادي، وتزايد معدلات الفقر ، والبطالة، وارتفاع الأسعار ، وإغلاق بعض المؤسسات ، وارتفاع الدين العام، واحتمال عدم القدرة على سداده، وغير ذلك وفي أواخر فبراير 2020، تسبب أيضًا تفشي فيروس "كورونا" بدخول هذا البلد في مسار معقد آخر. ولقد شرعت الحكومة في ذلك الوقت بتنفيذ برنامج إصلاح شامل لمحاربة الفساد في لبنان، والذي قوبل منذ البداية بالمعارضة الشديدة من قبل الأحزاب الموالية للغرب والتدخل الأمريكي المباشر وغير المباشر، وتم اتخاذ خطوات مختلفة لتفكيك ذلك البرنامج الاصلاحي.
الحدث الأكثر إيلاما في عام 2020 للبنان وركوب المحور الأمريكي السعودي الصهيوني على أمواج الفتنة
في الوقت الذي كانت فيه الحكومة اللبنانية الوليدة تصارع المشاكل الاقتصادية والمالية وأزمة "كورونا" من جهة، والتدخل الغربي والتخريب من جهة أخرى، أدى الانفجار المروع الذي وقع في مرفأ بيروت في الـ4 آب الماضي بأكثر من 2700 طن من نترات الأمونيوم في أحد المستودعات في مرفأ بيروت، من تفاقم الأزمة في لبنان. ولم تقتصر تداعيات هذه الحادثة الكارثية، التي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص، بينهم بعض العديد من الشخصيات اللبنانية البارزة، وخلفت أكثر من 6000 جريح وعدة مئات الآلاف من النازحين، على القطاعين الاقتصادي والإنساني، بل إنها أيضا هزت بشدة العملية السياسية اللبنانية. وبينما حاولت الحكومة اللبنانية تهدئة الوضع والتركيز على محاولة تقليل الخسائر والأضرار التي خلفها انفجار بيروت وإيجاد طريقة مناسبة لمساعدة الجرحى، قام عدد من أعضاء مجلس الوزراء الذين لم يتمكنوا من التعامل مع موجة الاتهامات والمشاكل المتراكمة، بالاستقالة واحدا تلو الآخر.
وفي نهاية المطاف، اضطر "حسان دياب" إلى الاستقالة في الـ10 آب 2020، بعد أقل من أسبوع على انفجار مرفأ بيروت، وبهذا الامر عادت العملية السياسية في لبنان إلى نقطة الصفر. وطبعا وفي هذه الأثناء يجب ألا نتجاهل الفتنة التي نسج خيوطها المحور الأمريكي السعودي الصهيوني لاستغلال انفجار بيروت لتحقيق أهدافه المناهضة للمقاومة. وحتى أنه قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، استخدمت السعودية أدواتها الإعلامية والدعاية لركوب موجة المأساة اللبنانية لخدمة مصالح واشنطن وتل أبيب، وبعد ذلك بدأ المسؤولون الصهاينة والبيت الأبيض باطلاق تصريحاتهم الاستفزازية المتعلقة بمحور المقاومة في لبنان.
وفي 31 سبتمبر الماضي، تم تعيين "مصطفى أديب"، سفير لبنان السابق في ألمانيا، والذي رشحه رؤساء الوزراء اللبنانيون السابقون، بمن فيهم "سعد الحريري"، على رأس الحكومة اللبنانية الجديدة بعدما حصل على 90 صوتًا وتم تكليفه بتشكيل حكومة جديدة في لبنان. لكن مع بداية مشاورات "أديب" مع الفصائل النيابية، اتضح أنه ليس لديه أي مبادرة خاصة لتشكيل وهيكلية الحكومة في لبنان، وكل ما قاله كان يمليه عليه "سعد الحريري" وفرنسا. وذكر "أديب" في ذلك الوقت أنه كان يتحدث فقط مع الرئيس "ميشال عون" عن هيكلة الحكومة ودعا إلى تشكيل حكومة دون وجود أحزاب سياسية أو ما سماها بحكومة "تكنوقراط" من 14 وزيرا وهذه هي الحكومة نفسها التي أرادها "سعد الحريري" وأحزاب خارجية العام الماضي.
وأخيرًا، وبعد أسابيع من المفاوضات غير المثمرة، رفضت القوى السياسية اللبنانية و"حزب الله" والتيار الوطني الحر بشدة الهيكلية التي اقترحها "أديب"، ولهذا فقد استقال هذا الاخير في 26 أيلول / سبتمبر الماضي. وبعد أيام قليلة، أعلن "سعد الحريري" ترشحه لمنصب رئيس الوزراء اللبناني الجديد، وفي 22 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ، فاز بـ 65 من أصل 120 صوتًا تم الإدلاء بها لتشكيل حكومة جديدة في لبنان. وبينما كان "الحريري" كان قد وعد بتشكيل حكومة في غضون 10 أيام، إلا أنه إلى الآن، وبعد مرور أكثر من شهرين وبعد التدخل الأمريكي السعودي الفرنسي الواضح، لا يزال تشكيل الحكومة في لبنان في حالة ارتباك مشوش وتم تأجيله إلى عام 2021.
تحدي الديون اللبنانية
تُظهر أبحاث ودراسات الخبراء أن الاقتصاد اللبناني، كغيره من دول العالم، عانى بشدة خلال تفشي وباء "كورونا". لكن مع وجود 45 في المئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب البنك الدولي، وجّه "كورونا" ضربة قاضية لاقتصاد البلاد. ووفق وزير الرعاية الاجتماعية اللبناني، فإن أكثر من 75٪ من السكان يعيشون حاليًا تحت خط الفقر. ولقد عانى لبنان خلال الفترة الماضية من نقص في العملة الخارجية "الدولار" وانخفاض قيمة الليرة، الامر الذي قلل من واردات القمح والنفط. وفي غضون ذلك، قامت الكثير من الشركات بالاعتماد على السوق السوداء للحصول على العملة الاجنبية.
ووفق مسؤولين لبنانيين كبار، حوّل أصحاب خمسة بنوك خاصة نحو 2.3 مليار دولار من الودائع العامة إلى الخارج، وهذا جزء فقط من تحويل الأموال العامة من لبنان إلى دول أخرى، وهو ما لاقى احتجاجًا شديدًا من أبناء الشعب اللبناني.وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان، فإن الانفجار في مرفأ بيروت جعل الأمور أسوأ، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ديون البلاد في عام 2021 ستصل إلى نحو 167٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ليحتل لبنان المرتبة الرابعة في العالم من حيث الديون.
حدوث فجوة كبيرة داخل الشارع الصهيوني بسبب الخوف من انتقام "حزب الله"
في أعقاب استشهاد "علي كامل محسن"، عضو "حزب الله"، في غارة جوية إسرائيلية بالقرب من مطار دمشق أواخر تموز الماضي، زادت المخاوف من انتقام "حزب الله" داخل معسكر الجيش الإسرائيلي. وبعد ذلك، أصبحت عناصر الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة في حالة تأهب قصوى. وبعد أيام قليلة من استشهاد "كامل محسن"، استهدف الجيش الصهيوني في 27 تموز الماضي الحدود اللبنانية بقذائف المدفعية والهاون على خلفية زعم قناة صهيونية أن قوات "حزب الله" قامت بتنفيذ هجوم. لكن بعد ساعات قليلة، اتضح أنه لم يكن هناك هجوم أو اشتباك من قبل "حزب الله" على الإطلاق. ولطالما كان هذا التحرك من قبل الصهاينة موضوع سخرية في وسائل الإعلام من الجيش الإسرائيلي الذي أظهر خوفه الشديد من "حزب الله".
محادثات غير مباشرة مع الكيان الصهيوني ومؤامرات واشنطن و"تل أبيب"
في 14 تشرين الأول 2020 الماضي، وبعد سنوات من التوترات على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، والمحاولة الأمريكية الفاشلة للحصول على تنازل لـ"تل أبيب" في المنطقة المتنازع عليها، بدأت الجولة الأولى من المحادثات لترسيم هذه الحدود بشكل غير مباشر في منطقة "الناقورة". واستمرت هذه المحادثات حتى الجولة الرابعة، بعد أن تمسك لبنان بكامل حقوقه على الحدود البحرية، وهو ما كان مخالفًا لرغبة واشنطن وتل أبيب، ورفض لبنان الانصياع للمؤامرة الأمريكية الصهيونية المتمثلة في تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني. وأعلن الجانب الصهيوني - الأمريكي - العربي، بعد خيبة أمله في تحقيق أهدافه، أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود وأن اللبنانيين هم المسؤولون عنه. وعليه، لا تزال المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع فلسطين المحتلة معلقة في هذا الوقت.
استمرار سلسلة المؤامرات الأمريكية ضد "حزب الله" والتشكيل المشوش للحكومة الجديدة في لبنان
في عام 2020، كما في فترة ما قبل المؤامرة، بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لإخراج المقاومة من المشهد السياسي اللبناني. وفي 8 سبتمبر / أيلول الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزيرين لبنانيين سابقين بزعم دعمهما لـ"حزب الله"، وهما "يوسف فانيانوس" و"علي حسن الخليل"، في محاولة لمواصلة سياسات إدارة "دونالد ترامب" العدائية ضد "حزب الله" وتم وضع وزيري النقل والمالية اللبنانيين السابقين على قائمة العقوبات الأمريكية على التوالي.
وفي 6 تشرين الثاني 2020 الماضي، وسط ارتفاع مستوى التوترات السياسية اللبنانية وعدم اليقين بشأن تشكيل حكومة في لبنان، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على زعيم جبهة التحرير الوطنية اللبنانية "جبران باسيل"، أحد حلفاء "حزب الله" الرئيسيين. وبعد أن طلب الرئيس اللبناني "ميشال عون" من الولايات المتحدة تقديم دليل على تلك العقوبات، قدمت السفيرة الأمريكية في بيروت "دوروثي شيا"، ادعاءات كاذبة بأنه لا يمكن الكشف عن أدلة لتلك العقوبات التي تم فرضها على "باسيل".
وإضافة إلى ذلك، هددت الولايات المتحدة مرارًا "سعد الحريري" عبر سفيرتها بأنه في حال وجود "حزب الله" في الحكومة المقبلة، فإن مصير "باسيل" سينتظره، وبناء على أن "الحريري" لن يتمكن من تنفيذ هذا المطلب الأمريكي، فإن قضية تشكيل الحكومة في لبنان لن ترى النور قريباً. وفي الختام يمكن القول أن مؤامرات واشنطن المستمرة ضد "حزب الله"، والتخريب الأمريكي في عملية تشكيل حكومة لبنانية من خلال استهداف "حزب الله"، هو العامل الخارجي الأساسي في الجمود السياسي في لبنان.