الوقت- عجت وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية بالوثيقة السعوديّة السريّة التي سربتها صحيفة "الأخبار" اللبنانيّة تحت عنوان "السعودية ليكس، فوائد التطبيع مع الكيان الصهيونيّ"، كتبها رئيس المخابرات السعوديّة خالد الحميدان في 31/10/2018 إلى رئيسه وليّ العهد محمد بن سلمان، تتعلّق بملف التطبيع مع الصهاينة وتشرح الخطوط العامة للتوجّه السعوديّ في كيفية التعامل مع هذا الملف، وتشير الصحيفة إلى أنّ الحميدان قدم إلى الديوان الملكيّ السعودي تقريراً مصنّفاً بأنه "سري للغاية"، يتضمن تقديراً أمنياً حول مسار التطبيع بين العدو الغاصب و الدول الخليجية وحدود الاستفادة الخليجية من تل أبيب.
تعاون إقليميّ
بشكل واضح وصريح كشفت الوثيقة السريّة حجم السعيّ السعوديّ للانخراط في مشاريع التعاون الإقليميّ مع العدو على المستويات الأمنيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، والاستفادة من إمكانيات اللوبي الصهيونيّ في أمريكا، وتتوقف صحيفة "الاخبار" عند ما جاء في الوثيقة حول الواقع الاستراتيجي الذي يخص المصالح الرئيسية لدول التحالف الجديد، السعودية والإمارات والبحرين، والتي تخشى على استقرار نظامها السياسيّ والأمنيّ والاقتصاديّ مع اعتقادها أن الحماية الأمريكية لم تعد كافية، كما أنّ هناك خشية من تصاعد قوة محور المقاومة.
وفي هذا السياق، تؤكّد المصادر أن انهيار المنظومة الحالية في دول الخليجية سيضيق هامش الحركة الأمريكية والأوروبية في هذه المنطقة، وهو ما يتطلّب الحضور الصهيونيّ المباشر، وهذا يحتاج الى مشروعية تسهّل الكثير من الأمور الى جانب أمر آخر يتعلق بفئة من المستثمرين الصهاينة الذين يريدون هذه السوق مباشرة، أو استخدامها للوصول الى أسواق يصعب الدخول إليها بشكل عادي والتي تمتد شرقاً حتى أفغانستان، وغرباً حتى إفريقيا.
خيانة موثقة
في ظل موجة الخيانة العربيّة التي تدعمها الرياض بشكل علنيّ، لابد من التذكير بما كشفه الإعلام الصهيونيّ قبل أسبوعين، حول دور وليّ العهد السعوديّ، محمد بن سلمان في إدخال الدول العربيّة إلى حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الكيان الغاصب، وبالأخص في محادثات التطبيع الصهيونيّة – المغربيّة، ونيّته إلقاء بلاد الحرمين في هاوية التطبيع مع تل أبيب، بعد اكتمال فصول الاستسلام من قبل الدول المطَبّعَة.
أكثر من ذلك، لفتت المصادر إلى أنّه بعد أن تستكمل قائمة العار وتدخل سلطنة عمان وإندونيسيا وجيبوتي وباكستان في حظيرة التطبيع، ستقوم بلاد الحرمين الشريفين التي يسيطر عليها نظام آل سعود بالتطبيع مع كيان الاحتلال، ما يثير تساؤلات كثيرة حول نتائج التطبيع المستقبليّة في الداخل السعوديّ، بسبب الرفض الشعبيّ القاطع الذي يستند إلى مبررات أخلاقيّة وإنسانيّة ودينيّة.
وبغض النظر عن الاستعراض التاريخيّ الذي قدمته صحيفة "الأخبار" عن تاريخ العلاقات بين الدول الخليجيّة والكيان الغاصب قبل أن تصبح علنيّة، فضحت إذاعة جيش العدو، قبل أسابيع، زيارة رئيس الوزراء الصهيونيّ بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجيّة الأمريكيّ مايك بومبيو، إلى السعودية، واجتماعهما مع وليّ العهد السعوديّ وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبريّة وقتها، إلى أنّ اللقاء الثلاثيّ جرى بعد أن استقل نتنياهو طائرة إلى مدينة "ناعوم" الساحليّة وأمضى هناك 3 ساعات، فيما ادعت الرياض أنّ تلك الأنباء غير صحيحة، رغم توضيح هيئة البث الرسمية التابعة للعدو، أنّ الرقابة العسكريّة سمحت ببث خبر زيارة نتنياهو وكوهين للسعودية، ما يشير إلى رغبة حكومة العدو بإلقاء الضوء على انجازهم مع النظام السعوديّ، الذي سيخفض من جديد أسهم المملكة الهابطة في الشارع العربيّ والإسلاميّ.
وكان محمد بن سلمان قد اجتمع مع ووفد إسرائيليّ، قبل أشهر قليلة، على متن يخته في البحر الأحمر، بمرافقة رئيس الاستخبارات السعوديّة، بدواعي مشاريع التطبيع الجارفة في المنطقة العربيّة، فيما أبدى السفير السعوديّ في الأمم المتحدة، عبد الله المُعَلمي، في وقت سابق، استعداد الرياض لتطبيع العلاقات مع تل أبيب، إذا اعترف الكيان الصهيونيّ بتأسيس الدولة الفلسطينيّة وإنهاء الاحتلال، متناسيّاً بشكل مثير للسخرية ادعاءات الخيانة من قبل الإمارات والبحرين بعد التطبيع والتي لم تفرز عن إيقاف قضم الأراضي الفلسطينيّة من قبل قوات الاحتلال.
وقد انحازت الرياض إلى صف الاحتلال ضد أصحاب الأرض والمقدسات، فهل يمكن لأحد أن ينسى تصريحات رئيس استخبارات النظام السعوديّ السابق، بندر بن سلطان، الذي فضح نوايا السعوديّة تجاه القضيّة الفلسطينيّة، وعبّر بكل وقاحة عن غضب بلاده من تصريحات المسؤولين الفلسطينيين، وكأنّه كان ينتظر ترحيباً فلسطينيّاً بانخراط بعض الدول العربيّة في التحالف مع العدو الصهيونيّ.
أهداف صهيونيّة
كشف إعلام العدو الصهيونيّ، قبل أشهر، عن مشروع إماراتيّ – إسرائيليّ يهدف إلى تعزيز السياحة جنوب الأراضي العربيّة التي يسيطر عليها الكيان، وفتح الباب أمام السياحة الدينيّة المباشرة بين بلاد الحرمين الشريفين وكيان الاحتلال، عبر السماح لقوافل الحج والعمرة من فلسطينيي 48 بالسفر عبر الممر البحريّ إلى مدينة جدة ومن ثم إلى مكة المكرمة.
وفي الوقت الذي يعاني فيه الكيان الصهيونيّ ومنطقة إيلات بالتحديد من أزمة سياحيّة خانقة، يقدم المشروع السعوديّ – الإسرائيليّ، خطة إنقاذ لتل أبيب بالتزامن مع الحديث عن اقتراب دخول الرياض إلى حظيرة التطبيع الأمريكيّة، لأنّ حركة المسافرين من إيلات إلى السعودية تنشط وتعزز السياحة، إذ تبلغ الإمكانيات السياحيّة من خلال الممر البحريّ نحو مليونيّ مسافر سنوياً، ما سيكون له بالتأكيد تأثير إيجابيّ على السياحة في إيلات قصر الرحلة البحريّة، ما يجعل الرحلة إلى مكة أسهل وأسرع، وفقاً للإعلام العبريّ.
وإضافة إلى الخط البحري المباشر بين السعودية والعدو الصهيونيّ، الذي سيجعل بلاد الحرمين الشريفين مرتعاً للصهاينة ويخدم مساعي الكيان الإجراميّة ويقدم له "فرصة ذهبيّة" من الناحية الاقتصادية، سيتم دراسة التعاون في تشغيل خط سفن حاويات منتظم بين ميناء إيلات وميناء جبل علي في الإمارات، في رحلة تستغرق نحو 10 أيام، فيما يتم الحديث عن تعاون بين أبوظبي وتل أبيب لتصدير الخضار والفواكه من مزارعي مستوطنات الأغوار ووادي عربة إلى الإمارات على متن سفن مبردة، وبذلك تكون الحكومتين الإماراتيّة والسعوديّة قد خدمتا الصهاينة أكثر من حكومة كيانهم.
وتحاول تل أبيب أيضاً استغلال فرص نقل النفط الخليجيّ إلى أوروبا، من خلال الاجتماعات التي عقدتها وزارتيّ الخارجيّة والدفاع في حكومة الاحتلال، قبل بضعة أشهر، وشارك فيها مسؤولون كبار من شركة النفط الحكوميّة "كاتشا"، ويتضمن المخطط الصهيونيّ تفعيل خط "إيلات عسقلان" في الاتجاهين، بحيث يتم عبره نقل النفط الخليجيّ إلى الدول الأوروبيّة، بالإضافة إلى نقل نفط أذربيجان وكازاخستان، اللتين تربطهما علاقات قوية مع الكيان الصهيونيّ، إلى إفريقيا وجنوب شرق آسيا.
خلاصة القول، لن تجني السعودية ذات النفوذ الاقتصاديّ والدينيّ من الشوك العنب، وإنّ التنازلات التي يقدمها حكام الدول الخليجية وعلى رأسهم الانقلابيّ محمد بن سلمان، للحصول على مزايا الخيانة من الناحية العسكريّة والإعلاميّة والسياسيّة، لن تجلب لهم سوى "النهاية الحتميّة"، فالدول الخليجيّة "جلبت الدب إلى كرمها" كما يقول المثل العربيّ المعروف.