الوقت- ظلت العلاقات السورية_الجزائرية جدلية طيلة سنوات الأزمة السورية بالنسبة لبقية الدول العربية أو معظمها، اذ ان غالبية الدول العربية كانت تؤيد وتدعم المعارضة السورية بينما التزمت الجزائر الصمت وراقبت ما يجري بحذر وتمعن إلى أن وصلت لقناعة تامة بأن ما يجري ليس "ثورة حقيقية" وانما مؤامرة غربية هدفها النيل من السيادة السورية وتقسيم سوريا تمهيداً لانتاج شرق اوسط جديد وفق المعايير الغربية. هنا غضب الجميع من الجزائر، لكنها حافظت على موقفها الداعم لسوريا في وجه الارهاب.
اليوم الجزائر انتقلت من مرحلة الأقوال إلى مرحلة الأفعال، اذ قال وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، أن بلده وقف إلى جانب سوريا في أصعب الظروف، لافتاً إلى أنه سيبقى إلى جانبها بالأفعال وليس بالأقوال فقط. وبالنسبة للتدخلات الخارجية، أشار بوقادوم إلى أن "موقف الجزائر حاسم ومبدئي، والشعب السوري فقط من يقرر مصيره".
الجزائر لم تنتظر حتى ينتصر الجيش السوري على الارهاب لكي تعلن موقفها، كما فعلت العديد من الدول العربية التي أعادت العلاقات مع دمشق بعد سلسلة الانتصارات التي حظيت بها خلال الاعوام الاخيرة ويقين الجميع بأن اليد العليا في سوريا اليوم للدول السورية.
في الحقيقة الجزائر كانت إلى جانب سوريا طيلة فترة الأزمة، ودافعت عن سوريا في المحافل الدولية بشراسة، وفي شباط العام الماضي دعا وزير الخارجية الجزائري صبري بو قادوم كل الدول العربية إلى العمل على عودة سوريا لجامعة الدول العربية، معتبراً أن "غياب سوريا فيه ضرر كبير للجامعة والعرب"، وقبله وجه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون نفس الدعوة للعرب قبل احتضان أعمال القمة العربية،وطالب برفع التجميد عن عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. وقال تبون: "الجزائر وفية لمبادئها الدبلوماسية، ولا نقبل أن يُمس أي شعب عربي أو دولة عربية بسوء، وسوريا من الدول المؤسسة للجامعة العربية وهذا ما نعمل عليه في الواقع".
والموقف الجزائري، بشأن عضوية سوريا في الجامعة العربية، ليس بالجديد؛ إذ كانت الدولة الوحيدة رفقة العراق التي تحفظت على قرار تجميد تلك العضوية.
الجزائر باركت أيضاً انتصارات الجيش السوري وحلفائه، خاصة في حلب، اذ أكد وزير الشئون الخارجية والتعاون الدولي الجزائري رمطان لعمامرة حينها أن تحرير الجيش السوري لمدينة حلب هو انتصار على الإرهاب، موضحا أن ما تقوم به التنظيمات المسلحة فى مدينة حلب هو إرهاب وإن إعادة السيطرة على حلب هى انتصار على هذا الإرهاب.
موقف الجزائر لم يكن عبثيا ولا حتى عاطفيا، فهو مبني على تجربة طويلة مع الارهاب والاستعمار، وهي تستطيع أن تميز بين الارهاب والمطالبة بالديمقراطية والحرية بذكاء، وهذا بالفعل ما حصل، خاصة أنها كانت ترى كمية التدخل الخارجي بالشؤون السورية والدعم الغربي وحتى العربي وتسليح الشعب لاثارة الفوضى وأعمال الشغب، دون هدف محدد، خاصة وان المعارضة السورية لم تكن يوما موحدة ولا تملك اهدافا موحدة، وانما كانت مجموعات هنا وهناك، تدعمها هذه الجهة وتلك، وهاهي اليوم تتخلى عنها لذلك لم يعد لها أي تأثير أو قيمة على الارض، وهنا أدرك الجميع مدى قوة بصيرة الجزائر وحكمتها في اتخاذ المواقف، فهي منذ البداية ترى أن ما يجري في سوريا مؤامرة موجهة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وقوى أوروبية كفرنسا وبريطانيا لمشروع شرق أوسط كبير – متجدد – بمعاييرها وتصوراتها، بتوظيف أدوات إقليمية في شكل دول كتركيا وقطر تدعم لوجيستيا وبالمال والسلاح والإرهابيين وبالتحريض الإعلامي لنشر الفوضى الخلاقة وضرب استقرار الدولة السورية كمصلحة مشتركة، على اعتبار سوريا في الفكر الإستراتيجي للغرب خط الدفاع الأول عن مصالح روسيا والصين وايران في منطقة الشرق الأوسط. وأن آخر اهتمامات هذه الدول المحرضة على الإرهاب هو حماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والحرية.
الجزائر أيضاً استمرت في زياراتها لدمشق، وحتى الوفود السورية لم تنقطع عن زيارة الجزائر، وشجعت الجزائر ولا تزال تشجع الحوار السوري_السوري لإيجاد مخرج من المأزق السياسي من خلال مصالحة وطنية سورية كإستنساخ لتجربة الجزائر، ودعم جهود الدول الصديقة كروسيا لإعادة الأمن والإستقرار وحماية الوحدة الترابية لسوريا ومنع خطر التفكك وفشل الدولة.
تعاطي الجزائر مع الأزمة السورية بهذا الشكل، عرضها للكثير من المضايقات من قبل العرب والغرب، وفي الحقيقة ليس فقط الأزمة السورية، فالموقف الجزائري كان باردا من جميع ثورات "الربيع العربي"، اختلفت مع الكثير من الدول، حتى انها تحفظت على تصنيف جامعة الدول العربية "حزب الله" اللبناني منظمة إرهابية، ورفضها التدخل الذي قادته المملكة العربية السعودية ضد جماعة انصارالله في اليمن، وامتناعها عن المشاركة في "القوة العربية المشتركة لمحاربة الإرهاب"، التي أقرت الجامعة العربية إنشاءها العام الماضي؛ إضافة إلى احتفاظها بعلاقات جيدة مع القيادة السورية واستقبالها وفوداً سورية كان آخرها زيارة وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم.
في الختام؛ وكما ذكرنا فإن موقف الجزائر الثابت عرضها للكثير من المضايقات ولكنها لم تتخلى عن مواقفها، حتى لو دفعت الضريبة وتأزمت علاقاتها مع الدول العربية والاسلامية، وتقول الحكومة الجزائرية إن فرنسا والولايات المتحدة تحاولان معاقبتها على مواقفها، وخاصة من القضية الفلسطينية.