الوقت- في الوقت الذي تتجه فيه الاضطرابات التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية نحو خلق أزمة كبرى في هذا البلد، بعد أن أعلن كلا المرشحين أنه قد فاز في الانتخابات، يحاول النظام الحاكم منع انتشار الأزمة واستعادة التماسك الاجتماعي بعد الاستقطاب الثنائي الشديد.
وفي هذا الصدد، إضافة إلى إعلان وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى من کلا الحزبين أن بايدن هو الفائز الواضح في الانتخابات، فإن الافتقار إلى الدعم الواسع والصريح من القادة الجمهوريين لمزاعم ترامب بالتزوير، يشير أيضًا إلى الإحساس بخطر أكبر من خسارة البيت الأبيض في المستقبل.
في غضون ذلك، وبغض النظر عما سيحدث في الأيام المقبلة وما ستواجهه العملية الانتقالية في أمريكا، إلا أن القضية الحتمية هي أن الساحة السياسية الأمريكية، حتى دون وجود ترامب في البيت الأبيض، ستواجه الإرث الذي تركه ترامب والأيديولوجية الترامبية التي ترسخت في جزء كبير من المجتمع الأمريکي.
فجوة اجتماعية لا يمكن إصلاحها
على مدى السنوات الأربع الماضية، تعرضت مواقف ترامب اليمينية، التي لم يحاول أحيانًا حتى إخفاء أفكاره العنصرية والمعادية للأقليات، لانتقادات من قبل النخب السياسية في كلا الحزبين ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية، وتمت الإشارة إليه على أنه شخص يسعى إلى تعزيز قاعدته الاجتماعية للبقاء في البيت الأبيض، من خلال تأجيج نيران الصراع السياسي وفجوات الهوية عن عمد.
هذا الرأي الذي يسعى إلى عكس الواقع، لا يجيب على السؤال القائل إنه إذا كانت أفكار ترامب اليمينية غير مقبولة لدى غالبية المجتمع، فكيف ينجح في الفوز بنصف الأصوات الانتخابية؟
هذا في حين أن تفشي وباء كورونا المميت والأزمة الاقتصادية واستجابة إدارة ترامب المثيرة للانتقادات لها، قلَّصت بشكل كبير من تبرير المكاسب الاقتصادية للمواطنين الأمريكيين. وحتى بناءً على البيانات الإحصائية، فقد تحسن إقبال الناخبين على ترامب في الولايات التي سجلت أعلى إصابات بفيروس كورونا مقارنةً بعام 2016.
في الواقع، كانت الانتخابات الأخيرة بمثابة استفتاء على أفكار ترامب اليمينية، والتي انعكست في شعارات مثل "أمريكا أولا"، وعلى الرغم من خسارة مؤيدي ترامب لهذا الاستفتاء، إلا أن هذه الانتخابات لا تزال تُظهر أن شريحةً كبيرةً من المجتمع الأمريكي تفضِّل مثل هذه الأيديولوجية التي تسعی إلی الهيمنة.
النخبة الحاكمة والنظام السياسي في أمريكا على مدى السبعين عامًا الماضية، وخاصةً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، قد وسّعا الهيمنة السياسية والعسكرية في جميع أنحاء العالم، من خلال تقديم نفسهما كزعيم للعالم الحر ومروِّج للديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان، والتستر على الجرح الداخلي للعنصرية.
وهذه القضية، مثل البركان الذي تم إخماده لسنوات وانفجر اليوم، أدت إلى وصول ترامب إلى السلطة، ولم يعد من الممكن تغطيتها بسهولة.
هذا الأمر له خلفية تاريخية أيضاً. فبعد الحرب الأهلية في ستينيات القرن التاسع عشر، فاز الأميركيون الأفارقة المحرّرون حديثًا بحق التصويت، وأرسلوا عدة أشخاص إلى الكونغرس نيابةً عن الولايات الجنوبية.
ولكن منذ أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر، حرم الأمريكيون البيض بشكل منهجي السود من حق التصويت، عبر التذرُّع بمختلف القوانين بما في ذلك الأصول الاقتصادية ومستويات الإلمام بالقراءة والكتابة. حتى إن العنف في مراكز الاقتراع، قد أبقى الرجال والنساء الأمريكيين من أصل إفريقي خارج التصويت لعقود بعد عام 1920.
حتى الآن أيضاً، يُمنع الجناة والسجناء في 11 ولاية من التصويت لفترات طويلة بعد قضاء عقوبة السجن أو الغرامات، وأحيانًا مدى الحياة. ويؤثر هذا القانون على الأمريكيين الفقراء والأقل تعليماً، وخاصةً الأمريكيين الأفارقة واللاتينيين، أكثر من الأمريكيين الأثرياء.
كذلك، في انتخابات حكام الولايات لعام 2018 في مدينة جورجيا، هزم المرشح الجمهوري "بريان كامب" المرشح الديمقراطي، الذي كان أيضًا من أصل أفريقي، بعد استبعاد 53 ألف ناخب(معظمهم من أصل أفريقي).
ولكن طالما يستمر نظام الثنائية الحزبية في الولايات المتحدة في تجاهل الفجوة الخطيرة بين العنصريين البيض والأقليات المهمشة، سيستمر ترامب والترامبية في الازدهار والنمو في الفضاء الاجتماعي والسياسي الأمريكي.
وهذا أمر يعترف به بعض السياسيين بالطبع، حيث قال سياسيون مثل "رون جونسون" السناتور الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، "أتساءل ماذا کانت رسالة ترامب الرئيسية؟ رجال ونساء منسيون".