الوقت-أثارت أوامر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بمهاجمة قوات الحشد الشعبي في 26 حزيران 2020 الكثير من الجدل في الساحة السياسية العراقية في الأيام الأخيرة. ففي الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم، هاجمت قوات مكافحة الإرهاب العراقية، في منطقة الدورة ببغداد، مقر لواء 45 التابع لحركة كتائب حزب الله المنضوية تحت قوات الحشد الشعبي. كما أثار الهجوم، الذي تم فيه اعتقال 14 عنصرا من عناصر قوات الحشد الشعبي، مخاوف بشأن تورط أمريكا في العملية.
ومن الجدير بالذكر أنّ عملية "الدورة" كانت بحسب الحكومة العراقية، تهدف إلى حماية سيادة الحكومة وهيبة القانون، وتدّعي حكومة الكاظمي أن المعتقلين كانوا عازمين على مهاجمة السفارة الأمريكية والمنطقة الخضراء في بغداد. وفي الظروف الحالية، وعلى الرغم من إطلاق سراح المعتقلين، أثارت قضية تعاون الكاظمي مع الأمريكيين ضد قوات الحشد الشعبي الكثير من الانتقادات وردود الفعل الغاضبة.
وبالنظر إلى هذه المقدمة الآنف ذكرها، فإن الاستدلال الرئيس الآن هو أنه إذا كان مصطفى الكاظمي قد حاول بالفعل إضعاف الحشد الشعبي من خلال إصدار أوامر باعتقال إحدى فصائله في بغداد، فإنه إنما فتح الطريق لنفسه للخروج من المنطقة الخضراء، والواقع أن رئيس الوزراء الجديد في العراق سيواجَه بغضب شديد من قبل إرادة الشعب والقوى السياسية العراقية الوطنية في المستقبل القريب إذا استمر في فرض رغبته للضغط على الحشد الشعبي.
سراب الصداقة الأمريكية
خلافاً لمزاعم الحكومة العراقية، يتهم قادة الحشد الشعبي، مصطفى الكاظمي بتقديمه خدمة لأمريكا، وعلى الرغم من نفي أمريكا والتحالف الدولي ضدّ داعش تورّطهما في العملية، فالحقيقة هي أنّ أوامر مهاجمة مقرّ كتائب حزب الله يمكن عدّها أنه إشارة إيجابية من الرئيس مصطفى الكاظمي لواشنطن، يبدو أن الكاظمي يسعى للحصول على دعم أمريكا بغية الحفاظ على منصبه حتى بعد إجراء الانتخابات المبكّرة، وذلك تزامناً مع المفاوضات الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن.
لكن الحقائق الميدانية والخلفية التاريخية لمثل هذه الأعمال تظهر للكاظمي ومستشاريه السياسيين أنّ هذا الطريق ليس سوى سراباً خادعاً ولن يكون نصيبه سوى الفشل بلا شك. ويمكن رؤية حقيقة هذا الكلام في خطوات وأفعال رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي بين عامي 2014 و 2018.
على الرغم من أن العبادي كان قد حقّق خلال عهده الانتصار ضد تنظيم داعش الإرهابي واستطاع أيضاً إحباط الاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان عن العراق، إلا أنه لم يتمكن في النهاية من البقاء في مكتب رئاسة الوزراء بسبب قربه من الأمريكيين وموقفه الإيجابي تجاه أمريكا، يبدو أن الكاظمي بحاجة الآن إلى إعادة النظر في تبعات نهجه الحالي وفي المسار السياسي للدولة، لأنه من دون تغيير المسار، سيتوجّب عليه معرفة أنّ مصيره سيتوّج بخروجه من المنطقة الخضراء مُجرّداً من منصبه الحالي.
الوسطيّة والعداء في التعامل مع الحشد الشعبي
قد يكون مصطفى الكاظمي أهم شخصية وأرجح خيار اتفقت عليه القوى السياسية العراقية لتشكيل الحكومة، وعلى عكس شخصيات مثل عدنان الزرفي ومحمد توفيق علاوي، تمكّن الكاظمي وكابينته الوزارية من كسب ثقة مجلس النواب العراقي بسهولة، لكن من المهم الالتفات الى أن القسم الأكبر لهذا النجاح يعود الى تمتع الكاظمي بشخصية وطنية معتدلة في التعامل مع القوى السياسية العراقية. وحتى عند لقائه بفالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، وقادة آخرين في الحشد في الأيام الأولى من تولّيه منصب رئيس الوزراء، وارتدى في لفتة رمزية، زيّ قوات الحشد الشعبي، زادت هذه الخطوة من شعبيته أكثر.
ينظر الشعب العراقي والقوى السياسية الى قوات الحشد الشعبي نظرة الأبطال الوطنيين، الذين سجّلوا حروفهم في التاريخ بقلم من ذهب بعد قضائهم على تنظيم داعش الإرهابي وإنهاء خلافته المزعومة بقيادة ابو بكر البغدادي. ولا شك أنّ أي شخص أو طرف يقدّر شجاعة قوات الحشد الشعبي سيكون موضع تقدير واحترام من قبل الشعب العراقي، ولكن إذا تبنّت أيّ جهة، استراتيجية لمعارضة هذه القوات، فلن يكون من المتوقّع أن يُكتب له النجاح.