الوقت- دخل قانون "قيصر" حيّز التنفيذ الأسبوع الفائت وكانت البداية فرض عقوبات على الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته و39 كياناً مرتبطاً بالدولة السورية، بهدف المزيد من الضغط على الحكومة السورية اقتصادياً وسياسياً، تمهيداً لإرضاخ سوريا ورئيسها للشروط الأمريكية، وحتى كتابة هذه السطور لا تزال سوريا صامدة شامخة كما كانت في السابق، موصدة جميع أبوابها في وجه الإدارة الأمريكية وأذنابها في المنطقة، مضحّية بكل شيء من أجل الحفاظ على قرارها المستقل وسيادتها وكرامتها رافضةً جميع الاغراءات والدولارات التي وضعت على طاولة الرئيس السوري بشار الأسد مقابل الاستغناء عن المقاومة والابتعاد عنها.
ما لا يعرفه الأمريكيون أنّ "المقاومة" أصبحت تمثّل الهوية السورية، ولا يمكن دفعها للتخلي عن هويتها مهما كانت النتائج والأسباب، فالحكومة السورية رفضت جميع العروض التي قدّمت لها، وكلام المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري بأنّ واشنطن لا تريد إسقاط الرئيس السوري وإنّما تعديل سلوك الدولة السورية ما هو إلا ضحك على اللحى، وتمهيد وقح لجرّ سوريا نحو الفوضى كما حصل في السيناريو العراقي والليبي، وبالتالي لن تتخلى سوريا عن نهجها المقاوم مهما كلّف الثمن، ولديها تجربة ناضجة في هذا الملف.
الخط الذي تلعب عليه الإدارة الأمريكية حالياً هو قوت الشعب السوري، حيث بدأت بمحاربة الشعب السوري بلقمة عيشه لجرّه نحو الانتفاض على الدولة السورية، وهذا أمر خطير ولكنّ الدولة السورية تعي مخاطره جيداً، وقد يوصل الأمور إلى حافة الهاوية، ولكن سوريا حتى اللحظة تقدّم صورة منقطعة النظير بالتحدي والصمود، على الرغم من أن أمريكا تتباهى بأنها تقف خلف تجويع الشعب السوري، حيث قال جيفري: " انهيار العملة السورية نتيجة لإجراءاتنا والنظام لا يستطيع تبييض أمواله بمصارف لبنان".
ضغوط أمريكا طالت لبنان، حيث أطبق قانون "قيصر" الخناق ليس فقط على الاقتصاد السوري وانما على الاقتصاد اللبناني الذي يرتبط اقتصاده بشكل وثيق مع سوريا وهناك علاقات اقتصادية متشابكة بين البلدين لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.
وزارة الخارجية والمغتربين السورية ردّت على تصريح جيفري وقالت إن تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا تشكّل اعترافاً صريحاً من الإدارة الأمريكية بمسؤوليتها المباشرة عن معاناة السوريين، وإنّ تشديد العقوبات هو الوجه الآخر للحرب المعلنة على سوريا بعد ترنّح المشروع العدواني أمام الهزائم المتتالية لأدواته من المجموعات الإرهابية.
وبيّن مصدر رسمي في الوزارة أنّ هذه التصريحات تؤكّد مجدّداً أنّ أمريكا تنظر إلى المنطقة بعيون إسرائيلية، لأن المطالب التي يتحدّث عنها جيفري هي مطالب إسرائيلية قديمة متجدّدة لفرض سيطرتها على المنطقة مشيراً إلى أنّ "هذه السياسة الأمريكية التي تشكّل انتهاكاً سافراً لأبسط حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني سوف تفشل مجدّداً أمام إصرار السوريين على التمسك بسيادة وطنهم واستقلالية خياراتهم السياسية والاقتصادية".
وشدّد المصدر على أنّه "لو كان هناك شرعية دولية حقيقية وتضامن عربي لكان من الواجب محاسبة الإدارة الأمريكية على هذه السياسة التي تستهدف الإنسان السوري في حياته اليومية".
الكلام الأخير من وزارة الخارجية مهم جداً بهذا الخصوص، حيث يجب على الدول العربية أن تكفّر عن ذنبها بمحاصرة الشعب السوري وإيصاله إلى الوضع الذي هو عليه اليوم، حيث تمّ إخراج سوريا من الجامعة العربية التي هي أوائل المؤسسين لها وقامت دول عربية بدعم جماعات إرهابية مسلّحة داخل سوريا لإسقاط الحكومة السورية، واليوم استسلمت جميع هذه الدول لفكرة اسقاط النظام، وبدأت تعيد علاقاتها مع دمشق، ولكنها حتى اللحظة لم تتخذ اي قرار جريء لمساعدة الشعب السوري وتخفيف معاناته وانما بقيت صامتة حيال كل المؤامرات التي تحيكها واشنطن ضد سوريا، ولو كان هناك رأي عربي موحد لما كان الاقتصاد السوري على ما هو عليه اليوم.
قانون قيصر في ظاهره لمصلحة إسرائيل وأمريكا ولكنه في نفس الوقت سيكون اختباراً قوياً لدمشق وعلاقتها مع محور المقاومة وقد يأتي الرّد صاعقاً من دمشق وحلفائها، وفي حال كانت تبحث واشنطن عن غزو دمشق فلن يكون بمقدورها القيام بذلك في ظلّ تماسك الجيش السوري ووجود قوى كبرى تدافع عن دمشق على الاراضي السورية.
الفوضى هي ما تبحث عنه واشنطن في سوريا واستمرار هذه الفوضى هو المهم بالنسبة لها، فهي استشعرت أنّ دمشق بدأت تتعافى وتنفض عنها غبار الحرب وبالتالي لا بدّ من إعادتها إلى نقطة الصفر، وبعد عجزها عسكرياً، وجدت أنّ الطريقة الأفضل هي ضرب الاقتصاد لدفع الشعب للنزول إلى الشارع والمطالبة بإسقاط النظام.
إرضاخ سوريا لن يكون أمراً سهلاً خاصة في ظلّ وجود حلفائها، ستكون الأيام المقبلة قاسية على الشعب السوري، وفي حال الصمود ستكون النتائج أفضل بألف مرّة من جرّ الأمور نحو الفوضى، لأن النتائج مجهولة بالدرجة الأولى وليس هناك حلول واضحة في الأفق، وبالتالي فإنّ الفوضى لن تخدم الشعب السوري، في المقابل على الحكومة أن تفعّل جميع مؤسساتها لخدمة المواطن السوري وتذليل العقبات التي تستهدف لقمة عيشه.
الوحدة هي المطلوبة، وعلى الدول العربية المساهمة بهذا الأمر، لأن انهيار دمشق يعني انهيار بيروت وهكذا دولة خلف دولة حتى تصل واشنطن إلى مبتغاها بنشر الفوضى الخلاقة، وتقسيم الشرق الاوسط الى دويلات بما يخدم مصالح العدو الصهيوني.
الصمود مرهون بعدّة عوامل أساسها الشعب الذي عليه أن يحدّد خياراته بشكل واضح أمام التحولات القادمة على المنطقة، وعلى الحكومة كما ذكرنا ان تتخذ سلسلة قرارات لخدمة هذا الشعب الذي تحمل ويلات الحرب لعشر سنوات متتالية وبقي صامداً وهو اليوم يعاني في لقمة عيشه وهذا امر خطير على الدولة السورية توفير جميع الامكانات اللازمة لمنع ذهاب الامور الى اماكن لا تحمد عقباها.