الوقت- على الباغي تدور الدوائر، هذا هو الحال الذي وصل إليه رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بعد أن بدا واضحاً أنّ الأمريكيين باتوا مُترددين في دعم تنفيذ مشاريع الضم التي يطمح إليها نتنياهو، وهنا تظهر وجهتي نظر داخل القيادة الأمريكية، بعضها يُريد الدفع قُدماً بهذا المشروع قبل نهاية ولاية ترامب، والبعض الآخر يُفضل الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، إذا يتوقع البعض فوز ترامب بولاية ثانية، وهذا يعني أنّ المجال حينها سيكون مفتوحاً أمام نتنياهو لتنفيذ مشاريعه، تضارب الآراء هذه، والخوف من عدم تمكن ترامب من الوصول إلى سُدّة البيت الأبيض، ووصول ماكين إلى البيت الأبيض من شأنه أن يُقوّض أحلام نتنياهو، وفي ظل هذه الأوضاع المتضاربة؛ وجد نتنياهو نفسه وحيداً أمام ليس مجتمع الكيان وحسب، بل أمام الفلسطينيين والمجتمع الدولي الرافض لتلك المشاريع، وهو بانتظار ما ستقرره الإدارة الأمريكية بشأن مشاريع الضم.
خلاف داخلي
قلق نتنياهو من التراجع أو البرود الأمريكي مردّه أنّ تحالفاته الداخلية ولا سيما تحالفه مع حزب أزرق - أبيض الذي شكلّ الحكومة معه مناصفةً بدأت تظهر عليه ملامح الانهيار خصوصاً بعد الانتقادات الكبيرة التي تُلاحق بيني غانتس رئيس الحزب، الذي عمل مع نتنياهو كنائب لرئيس الوزراء ووزير الدفاع، قبل توليه منصب رئيس الوزراء في أكتوبر 2021 لمدّة 18 شهراً أخرى.
ومن الانتقادات التي تُلاحق غانتس أنّه كان يُمثل أملاً لليسار في الكيان الإسرائيلي، غير أنّ رضوخه لنتنياهو أسقطه من حسابات اليسار خصوصاً بعد وقوفه موقف المُتفرج من مشروع الضم الذي يعارضه اليسار، وهنا لم يجد غانتس بُدّاً من العودة إلى اليسار ومعارضة مشاريع نتنياهو، بعد كل الانتقادات التي طالته.
ردّ نتنياهو على تغيير غانتس موقفه لم يتأخر، حيث نقلت وسائل الإعلامي عن نتنياهو تأكيده إنه إذا نجح (أزرق – أبيض) في معارضة قرار فرض السيادة، لن يتردد في خوض انتخابات جديدة، حيث منحه "قانون رئيس الوزراء البديل" الجديد، حق حل الكنيست في الأشهر الستة الأولى من تأسيس الحكومة، من دون موافقة غانتس، وهذا يمنحه خمسة أشهر أخرى من الآن.
ومن جهةٍ أخرى يبدو أنّ الهدف الأساسي التي يسعى خلفه نتنياهو من محاولة حل الحكومة وإجراء انتخابات جديدة؛ هو أمله في تحقيق حكومة يمينية ذات أغلبية مطلقة (على عكس حكومة الوحدة الحالية)، وهو الأمر الذي سيمكّن نتنياهو من تمرير قوانين قد تحميه من الملاحقة الجنائية أولاً والتي بدأت حديثاً، وثانياً تنفيذ توصية وزير المخابرات في الكيان الإسرائيلي إيلي كوهين والتي تؤكد أن مزايا الضم لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة أكبر من مضارها، حيث تؤكد التوصيات على أنّ الضم يحسن شروط بدء المفاوضات المستقبلية مع الفلسطينيين للكيان الإسرائيلي، ومن جهة أخرى يمكن أن يدفع الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات في محاولة لوقف مراحل إضافية من عمليات الضم.
عربياً أيضاً..
انقياد بعض الدول العربية ولا سيما الخليجية منها وراء الراعي الأمريكي هو الآخر بدأ يزعج نتنياهو، الذي يُريد منهم تطبيعاً كاملاً ودون أيِّ ثمن، غير أنّ مقالة يوسف العتيبة سفير دولة الإمارات في واشنطن والتي نُشرت بصحيفة يدعوت أحرونت وربطه تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي بإيقاف مشاريع الضم، والبدء بمفاوضات مع الفلسطينيين، تُشكّل رسالة مُزعجة لنتنياهو الذي كان يأمل بتطبيع العلاقات مع الدول الخليجية الغنيّة والذي كان من المحتمل أن يشكل التطبيع معها فرصة اقتصادية كبيرة للكيان الإسرائيلي.
أكثر من ذلك؛ فإنّ انكفاء الدول العربية الخليجية عن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي يضّر بجهود نتنياهو لتلميع صورته داخلياً وخارجياً، داخلياً يأمل نتنياهو من أنّ التطبيع مع الدول العربية الخليجية سيزيد من فرصه الانتخابية في الانتخابات التي من المتوقّع إجراؤها قريباً، وخارجياً فإنّ التطبيع مع الدول العربية الخليجية من شأنّه تسويق الكيان على الصعيد الدولي وإظهار بقيّة الدول على أنّها دول معادية للسامية، وأنّ الدول العربية (المهمة مالياً لأوروبا) قامت بالتطبيع مع الكيان.
وفي النهاية؛ فإنّ إصرار نتنياهو على مشاريع الضم؛ حتى ولو وقف ضدها غانتس وحزبه (أزرق أبيض)، أو حتى بعض الدول الخليجية المؤيدة للكيان الإسرائيلي (السعودية والإمارات)، يبدو أنّه قابل للتحقق، خصوصاً وأنّه من المُتوقّع أن يطرح نتنياهو مشاريعه تلك من أجل موافقة حكومة الكيان عليها، وإلّا سيقوم بحل الحكومة، ليأخذ بعدها "الضوء الأخضر" من القيادة الأمريكية على البدء بمشاريع "الضم"، خصوصاً وأنّ ترامب لا يُريد أن يترك نتنياهو وحيداً بعد أن شارف ولايته الرئاسية على النهاية، ومن غير المُتوقّع أن يُعاد انتخابه مُجدداً.