الوقت- بعد رفض المقترح المصري لوقف إطلاق النار في ليبيا من قبل حكومة الوفاق الوطني، تشير الدلائل إلى أن القاهرة تتحرك لتعزيز وجودها العسكري في ليبيا، بينما يعلن أردوغان استمرار التقدم في ليبيا ويدعو للسيطرة على مدينة "سرت الاستراتيجية"، ومن بعدها كل ليبيا. وهذا يؤدي إلى احتمال مواجهة عسكرية بين مصر بدعم من الإمارات والسعودية من جهة، وتركيا من جهة أخرى، في ليبيا.
العوامل التي تعزز امكانية المواجهة العسكرية بين مصر وتركيا
فيما يتعلق بالقضية الليبية، لطالما اتبعت الحكومة المصرية خطاً ثابتاً في جميع مواقفها، وهو رفض وجود الإرهابيين في ليبيا والتدخلات الأجنبية في هذا البلد. وتقصد مصر عبر هذا الموقف وجود جهاديي الإخوان في ليبيا، الذين تم نقلهم بشكل رئيسي من سوريا(إدلب) إلی ليبيا من قبل تركيا، كما تشير بوضوح إلى تدخلات تركيا في ليبيا.
بالنظر إلى هذا الأمر وطبيعة الحكومة المصرية الحالية، التي تخوض صراعاً واضحاً مع جماعة الإخوان المسلمين، وانخرطت منذ تنصيب السيسي رئيساً في توترات مع قطر وتركيا، باعتبارهما الداعمين الرئيسيين للإخوان المسلمين، وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين في مصر جماعةً إرهابيةً وحظرت نشاطها، فلا شك أن أحد العوامل الرئيسية للتوتر في ليبيا بين مصر وتركيا، يمكن اعتباره بأنه مواجهة إيديولوجية بين البلدين.
وفقاً لذلك، لا شك أن الحكومة المصرية لن تتسامح مع وجود ونفوذ تركيا الإخوانية بالقرب من حدودها، وتعتبر وجود الجماعات الجهادية الإخوانية في ليبيا، التي جلبتها تركيا بشكل رئيسي من سوريا لمحاربة قوات خليفة حفتر، تهديدًا كبيرًا لأمنها القومي.
ومن العوامل الأخرى التي تعزز إمكانية حدوث مواجهة عسكرية بين البلدين، هي مسألة الاتفاقية البحرية بين حكومة الوفاق الوطني وتركيا. هذه الاتفاقية التي تحدد الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، ومن الطبيعي أن تمنح تركيا الحق في استكشاف واستخراج موارد الغاز في البحر الأبيض المتوسط في هذه المنطقة؛ تعرض مصالح مصر للخطر عبر إغلاق البحر المتوسط على أي خط أنابيب محتمل، تريد مصر من خلاله تصدير الغاز إلى أوروبا في المستقبل.
والأهم من ذلك، على الرغم من العلاقات الحالية والمتوترة بين أنقرة والقاهرة، لن تسمح تركيا للقاهرة بعبور خط الأنابيب هذا حدودها البحرية، وحتى بافتراض حدوث انفراجة في العلاقات المستقبلية بين البلدين وإمکانية عبور خط أنابيب الغاز المصري من هذه المنطقة، فإن هذه القضية ستصبح أداةً بيد أنقرة للضغط على القاهرة، لذا فإن مصر لديها مخاوف جدية بهذا الشأن.
من ناحية أخرى، وفي سياق التطورات الميدانية في ليبيا، بينما تحاول قوات حکومة الوفاق الوطني السيطرة على مدينة "سرت" الغنية بالنفط، وتحظی بدعم أردوغان في هذا الأمر، أعلنت مصادر إعلامية قريبة من الجيش المصري أن مدينة "سرت" خط أحمر، وقالت إنه إذا دخلت قوات فايز السراج المدينة، فلن يتحمل الجيش المصري ذلك. وهكذا، فقد اتسمت المعارك للسيطرة على هذه المدينة بطابع الکرامة والهيبة لکل من مصر وتركيا.
العوائق التي تحول دون مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا
على الرغم من بعض الأدلة التي تشير إلی أن جزءًا من المعدات العسكرية الثقيلة المصرية تم نقله إلى الحدود الليبية، يبدو أن هذه الخطوة المصرية تكتيك للتدخل في حسابات أنقرة – طرابلس، حيث بهذه الطريقة ستبعث مصر برسالة إلى السراج مفادها أنه إذا لم يتم قبول وقف إطلاق النار، فإن الجيش المصري سيتخذ إجراءات مباشرة، وهكذا تسعى مصر في المقام الأول للضغط على طرابلس لقبول وقف إطلاق النار المقترح، وفي حال كان ذلك ناجعاً ستلغي مصر العمل العسكري أو تقوم بتأجيله على الأقل.
في الوقت ذاته، تتعارض مصالح فرنسا وإيطاليا مع الصراع بين مصر وتركيا في ليبيا، وسيتضرر البلدان من الصراع المحتمل بين أنقرة والقاهرة في ليبيا، لأن هذا الصراع سيلحق بلا شك الكثير من الأضرار بليبيا وبنيتها التحتية، وبالإضافة إلى خلق موجة جديدة من المهاجرين الذين سيختارون فرنسا وإيطاليا كمقصد لهم، سيتعرض أمن الطاقة في البلدين اللذين يستوردان جزءًا من نفطهما من ليبيا للخطر. لذلك، يبدو أن روما وباريس ستبذلان قصارى جهدهما لمنع حدوث صراع عسكري بين مصر وتركيا في ليبيا.
ومع ذلك، فإن دور الولايات المتحدة وروسيا في هذا الملف لا يمكن إنكاره، ولا شك أن مواقف البلدين لها تأثير كبير على هذه القضية، بالنظر إلى نوع المصالح التي لديهما في ليبيا والعلاقات السياسية الوثيقة بين البلدين مع مصر وتركيا.
وفي هذا الإطار تلعب روسيا دورًا بارزًا، ونظراً لدعم موسكو لخليفة حفتر، فضلاً عن تعاون روسيا وتركيا في الملف السوري، فإن هذا البلد يتمتع بدرجة عالية من التأثير في هذا الملف.
فی الختام يبدو بشكل عام أنه على الرغم من بعض الأرضيات التي تقود مصر وتركيا إلى مواجهة عسكرية في ليبيا، هناك بعض المكونات الهامة والمؤثرة التي لها وزن کبير في منع حدوث الصراع بين القاهرة وأنقرة، وأي حدث في هذا الصدد يعتمد على موقف الجهات الفاعلة الأخرى في هذا الملف، وبعض المكونات الخارجة عن إرادة أنقرة والقاهرة.