الوقت- كتبت مؤسسة هريتج "التراث" الأمريكية في تقرير أعده لوك كافي مدير مركز السياسة الخارجية وجيمس فيليبس، باحث كبير في الشرق الأوسط في مركز الدراسات الأمريكي هذه: "لقد اقترحت إدارة ترامب تشكيل تحالف استراتيجي متعدد الأطراف في الشرق الأوسط يسمى ميسا مع شركائها العرب لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة.
ومنذ تقديم الاقتراح في عام 2017 ، تم إحراز تقدم ضئيل في هذا المشروع. وقد أعاقت قرون من عدم الثقة بين دول المنطقة، وعدم وجود توافق في الآراء حول وجود تهديد مشترك، والصراع المستمر في الخليج بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى، التقدم الحقيقي في المشروع. لكن فكرة تشكيل تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط فكرة قيمة.
يجب على الولايات المتحدة مضاعفة جهودها لإنهاء الصراع في الخليج على الرغم من وجود عقبات، وأن تعلن ان التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط سيركز على ملفات الأمن والطاقة والقضايا الاقتصادية، وبدلاً من التأكيد على التهديدات، عليها ان تولي الإهتمام بتحسين القدرات العسكرية؛ وإشراك الكونغرس في الوقت المناسب.
تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات ثنائية عسكرية وأمنية واستخباراتية ودبلوماسية قوية مع العديد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر والعراق وإسرائيل والأردن وستة أعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ولأن الظروف التاريخية والسياسية التي أدت إلى إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 1949 غير موجودة إلى حد كبير في الشرق الأوسط، اذاً هنالك مكان شاغر لشراكة قوية شبيهة بحلف الناتو في المنطقة.
لقد لفتت خطة الولايات المتحدة البدائية، المتعلقة بتشكيل تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط، والتي تضمنت التعاون الأمني والاقتصادي، بالإضافة إلى حل النزاعات ومنع وقوع الحرب، الكثير من الاهتمام والحماس. لكن المشروع تم تهميشه بسبب الخلافات بين الدول الخليجية.
ففي يونيو 2017 ، قطعت المملكة العربية السعودية العلاقات الدبلوماسية مع قطر بعد اتهام الدوحة بدعم الإرهاب في المنطقة وتبعها في ذلك، الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر والعديد من الدول الأخرى ذات الأغلبية المسلمة. وتم قطع جميع الرحلات التجارية البرية والجوية والبحرية بين قطر وهذه الدول، وطرد جميع الدبلوماسيين القطريين والمواطنين من هذه البلدان.
لقد تم طرح فكرة إنشاء تحالف أمني جديد، خلال زيارة دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية لحضور قمة الرياض في مايو 2017 ؛ وكانت هذه الزيارة أول زيارة رسمية لترامب خارج الولايات المتحدة. وقد ركز السعوديون، على غرار دول الخليج الأخرى، على تعزيز العلاقات الوثيقة والودية مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين هذه الدول والولايات المتحدة في عهد إدارة أوباما واجهت مشاكل بسبب الاتفاق النووي غير المكتمل والخطير مع إيران في عام 2015. وقد اتفقت إدارة ترامب مع مخاوف مجلس التعاون الخليجي بشأن طموحات إيران التوسعية في المنطقة، وطرحت فكرة إنشاء منظمة أمنية متعددة الأطراف يمكنها تعزيز التعاون الاستراتيجي ضد تنظيم داعش والتهديدات الإسلامية المتطرفة الأخرى.
ترافقت فكرة التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط مع ضغوط من إدارة ترامب لزيادة الضغط والتركيز على التنافس على القدرة، وفقًا لاستراتيجية الأمن القومي لحكومته لعام 2017. وكان يمكن لواشنطن زيادة الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال تعزيز القدرات العسكرية للشركاء الاستراتيجيين في الشرق الأوسط، بينما تحرر في الوقت نفسه القوات الأمريكية من الانتشار في مناطق أخرى.
وبعد النزاع المرير بين قطر وجيرانها في عام 2017 ، تم تقليص الخطط الطموحة لتشكيل تحالف رسمي، إلى التركيز على إنشاء إطار محدود أكثر للتعاون الإقليمي في مجالات التعليم والطاقة والتجارة. وفي أبريل 2019 ، انسحبت مصر من مجال التعليم، والتي مثلت عقبة أخرى أمام برامج الحكومة الأمريكية. ولا تزال التوترات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بشأن الإعدام غير القانوني للصحفي المعارض جمال خاشقجي، تلقي بظلالها على رؤية تشكيل التحالف.
التحديات التي تواجه التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط
بعض التحديات التي تواجه التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط هي:
1-النزاعات في الخليج العربي: إن نزاعات دول الخليج، التي تدور بين قطر وبعض جيرانها العرب، هي المشكلة الأولى التي تعوق التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط. وما لم يتم حل هذه القضية، من غير الواقعي التفكير في أن هذه الدول يمكنها الجلوس على طاولة واحدة لأجل تشكيل تحالف أمني.
2-عدم وجود إجماع بين الدول العربية حول مهمة التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط: تريد السعودية والإمارات العربية المتحدة أن يركز التحالف على القضايا الأمنية. ومن ناحية أخرى، تريد عُمان أن يكون التحالف مركزا بالدرجة الأولى على الإقتصاد التجاري. يجب أن يركز التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط على الأمن والاقتصاد والتجارة والطاقة.
3-انعدام الثقة العامة بين الدول الخليجية: لطالما فضلت دول الشرق الأوسط الحفاظ على العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة ورفضت بشكل عام إقامة علاقات متعددة الأطراف بسبب عدم الثقة بين الدول العربية. تواجه الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي صعوبة في الاتفاق على سياسة مشتركة بشأن القضايا الأمنية. وهذا يوضح الطبيعة الحكومية وكذلك استعداد أعضائها لإعطاء الأولوية للمصالح الوطنية على مصالح دول مجلس التعاون الخليجي. ويشير الخلاف الأخير مع قطر إلى هذه المشاكل.
4-عدم الاتفاق حول التهديدات الرئيسية للمنطقة: لدى البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نظرة متشائمة للتهديد الذي تشكله إيران، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، حافظت عمان، التي تفتخر بحيادها في المنطقة، وقطر، التي لديها حقول غاز طبيعي مشتركة مع إيران، على علاقات ودية مع طهران. كما تقع الكويت في وسط هذا الطيف. وتعقد هذه القضايا إمكانية تشكيل اتحاد مثل التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة قصير المدى، بناء أساس قوي لبناء تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط. وبدلاً من السعي وراء بناء تحالف استراتيجي سريع في الشرق الأوسط، يجب على حكومة الولايات المتحدة التعاون مع الدول الشريكة في الشرق الأوسط لبناء الثقة والمضي قدمًا وخطوة بخطوة في استراتيجية تؤدي في نهاية المطاف إلى تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط. ولهذه الغاية، يجب على حكومة الولايات المتحدة:
1-انهاء الصراع غير المجدي في الخليج من خلال مضاعفة الجهود: منذ عام 2017 ، فرضت بعض دول الخليج، بقيادة السعودية، عقوبات اقتصادية على قطر وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها. ولدى هذه الدول مخاوف مشروعة بشأن بعض أنشطة قطر، ولكن في السنوات الأخيرة نجحت الدوحة في معالجة العديد من هذه المخاوف. وحان الوقت الآن لجميع البلدان المعنية للجلوس على نفس الطاولة وإيجاد حل لإنهاء هذا المأزق. ويجب أن تلعب الولايات المتحدة دوراً قيادياً في هذه العملية.
2-التركيز بشكل أقل على التهديدات المحددة وإيلاء المزيد من الاهتمام لتحسين القدرات العسكرية: ترى السعودية والإمارات العربية المتحدة إيران أكبر تهديد لمنطقة الخليج. في حين لا تعتقد بذلك دول أخرى في المنطقة، أو لم يبينوا ذلك على الأقل.
وتشعر الولايات المتحدة بالقلق أيضا من الدور المتنامي لروسيا والصين في المنطقة، والذي لا يبدو أنه مصدر قلق كبير لدول الخليج. يجب على الولايات المتحدة، بدلاً من التركيز على تهديد معين، الذي لن يكون هناك إجماع عليه ابدًا، تحديد أوجه القصور الرئيسية في قدراتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية التي يمكن لجميع الدول معالجتها معًا. وسيسمح هذا الأمر للتحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط بأن يكون جاهزًا لجميع التهديدات الأمنية في المنطقة، دون أن يعلن علنًا أن إيران هي مصدر العديد من التهديدات للمنطقة.
3-الحفاظ على التوازن بين الأمن والاقتصاد والطاقة: قد تكون الإستراتيجية الأمريكية المنطقية، هي تحقيق التوازن بين هذه القضايا، إن أمكن. يجب رؤية التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط أنه كرسي ثلاثي الأرجل: الأمن والاقتصاد والطاقة. إذا كانت احدى الأرجل أطول من الأخرى، فسيكون المقعد مائلاً في أحسن الأحوال وغير مُهَيء للجلوس في أسوأ الأحوال. ولطالما ركزت الولايات المتحدة على واحدة فقط من هذه القضايا. وهذا النهج ليس الطريقة الصحيحة أو المستدامة لدعم المصالح الأمريكية في المنطقة.
4-إشراك الكونغرس: يجب تقديم أي اتفاق نهائي لإنشاء تحالف استراتيجي مع الشرق الأوسط يتضمن صراحةً ضمانًا أمنيًا أمريكيًا (مشابهًا للفقرة 5 من الناتو) إلى مجلس الشيوخ الأمريكي كمعاهدة للموافقة عليه.
فشل واشنطن في تشكيل تحالف استراتيجي مع الشرق الأوسط
في نهاية التقرير، خلص المؤلفون إلى أن جهود واشنطن لتشكيل تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط باءت بالفشل بسبب تضارب الأولويات، والخلافات السياسية، والاختلافات بين دول الخليج حول التهديدات المقبلة. يجب على الولايات المتحدة أولاً التوصل إلى توافق واسع في الآراء حول مهمة التحالف، وتقسيم العمل بينهم، وتحديد الأهداف طويلة المدى للتحالف المقترح، قبل التحرك بسرعة نحو انشاء التحالف.
لن يكون التقدم ممكناً حتى يتم حل التوترات السياسية حول نزاع قطر وقضية خاشقجي. وحتى ذلك الحين، يجب على واشنطن أن تتصرف من خلال الإطار الأمني الحالي للخليج".