الوقت- "التحالف الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط" كما يسميه دونالد ترامب وعلى هذا الأساس بدأ بالترويج له في الأروقة الدولية، فتحدث عنه وعن أهمية إنشائه خلال كلمته الأخيرة في الأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه قام وزير خارجيته مايك بومبيو بعقد عدة اجتماعات مع بعض القادة الخليجيين ومصر والأردن على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ 72 لاستعراض الأنشطة التي من الممكن أن يقوم بها "الناتو العربي العبري" للتصدي لما يصفونه للأنشطة الإيرانية في المنطقة.
وتعود فكرة تشكيل السعودية لناتو عربي لمواجهة "النفوذ الإيراني في المنطقة" إلى عقود مضت، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة تشكيل مجلس التعاون الخليجي، فبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران زادت مخاوف الأنظمة العربية، وخاصة السعودية، من تمدد مبادئ هذه الثورة إلى الدول العربية المحافظة ما اضطر بالرياض إلى تأسيس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981 من أجل مواجهة انهيار نموذجها الأمني والتوجيه الاستراتيجي أمام هكذا نوع من الثورات، وسعى النظام السعودي عبر دعمه لحرب الثمانية سنوات التي خاضها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين اللوجستي والمالي إلى إضعاف إيران ومنعها من تشكيل قوة إقليمية، لكن تلك الحرب تعرّضت للهزيمة بعد انكسار صدام أمام الصمود الإيراني الذي سطر الملاحم والبطولات من أجل حماية بلاده من الطمع الخارجي.
وعلى الرغم من خسارة هذا التحالف أمام إيران في زمن صدام حسين، إلا أننا شهدنا أيضاً محاولة سعودية جديدة بضم مصر وسوريا إلى مجلس التعاون الخليجي من أجل سد الثغرة الأمنية التي شكلتها خسارة "عراق صدام حسين" أمام إيران، ولكن على الرغم من هذه الجهود، فقد فشل هذا التحالف إلى حدّ ما بسبب العديد من الخلافات.
وعلى مدى العقود الماضية، يعدّ تشكيل الائتلافات والتحالفات إحدى الاستراتيجيات الرئيسية للسياسة الإقليمية في السعودية، حيث يمكن ملاحظة ذلك عبر حضور ترامب إلى الرياض وعقده صفقات سلاح بمئات مليارات الدولارات، أو عبر اجتماعات بومبيو الأخيرة مع القادة العرب على هامش الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي الواقع، وبعد الهزائم المتكررة التي لحقت بالسعودية في كل من العراق وسوريا واليمن، عادت لتتكلم حول تشكيل تحالفات جديدة في المنطقة أتت تحت عنوان "الناتو العربي العبري بإدارة أمريكية إسرائيلية" من أجل مواجهة ما يسمونه النفوذ الإيراني في المنطقة، هذا الجدل غيّر من صورة السعودية من مملكة مشغولة بتبذير الأموال هنا وهناك إلى مملكة ذات طابع عسكري جعلت من إيران عدوها الأول، ووضعت هذه القضية على طاولة البحث في "الناتو العربي" الذي حاولت من خلاله جذب جميع الدول السنية كتونس ومصر والأردن من أجل إيجاد الحلول للمشكلة الإيرانية، لكن ما هو واضح أنه بالنظر إلى تجربة التحالف الفاشلة في اليمن في عملية "عودة الأمل" وعدم مشاركة الدول العربية القوية مثل مصر والسودان فيها، يمكن توقّع أن يكون حلف "الناتو العربي –العبري" ما هو إلا حدث ترويجي، وعرض أيضاً من أجل إبراز تطور القدرة العسكرية السعودية أمام إيران.
وتحاول السعودية من خلال شراء الأسلحة المتقدمة جذب الدول العربية السنية إلى جانبها للوقوف معها ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، إلا أن هناك مطبات كثيرة أمام نجاح الرياض وأمريكا في تشكيل "الناتو العربي" وهي:
أولاً: مع مرور الوقت وقعت البلدان التي تريد المشاركة في التحالف ضد إيران في خلافات حول صنع القرار العسكري والأمني، وبحسب محللين، ربما تريد أمريكا من خلال الإعلان عن "الناتو العربي" إنقاذ التحالفات العسكرية المعادية لإيران في المنطقة، وظهرت هذه الخلافات فيما بينهم في كل من سوريا والعراق واليمن، ما أدّى إلى انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي أو من التحالف المشارك في حرب اليمن.
ثانياً: إن السعي وراء تشكيل الناتو العربي ما هو إلا دغدغة أمنية سعودية ملحّة وبالتالي إن عملية تطبيقه على أرض الميدان صعبة وستواجه مشكلات هيكلية وتشغيلية في المستقبل، لأنه كما أشير سابقاً، خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي، وازدياد الخلافات بين السعودية والإمارات في اليمن، وعدم المشاركة الجدية لبعض الدول المشاركة في "التحالف العربي" على اليمن من الأسباب التي تؤكد فشل تشكيل هكذا "ناتو عربي – عبري" في المنطقة.
ثالثاً: إن فشل "التحالف العربي" في اليمن وعجزه عن تحقيق إنجازات، يفرض تشكيل حلف عسكري استخباري عربي بدعم أمريكي لمواجهة طهران يكون شبيهاً بحلف "الناتو"، وهذا يعني تشكيله لأهداف "وطنية" وهذا ما سيبعد الدول عن الالتحاق في أحلاف جديدة لا تشكّل لها الأزمة اليمنية مصلحة وطنية لا من قريب ولا من بعيد.
في غضون ذلك، وبالرغم من ارتفاع نسبة فشل تشكيل "الناتو العربي – العبري"، لكن وفي حال نجحت الرياض في ذلك فإنها ستقلب موازين القوى في المنطقة وسيشكل ذلك تهديداً أمنياً لمصالح إيران، وليس الأخيرة فقط بل مصالح تركيا وروسيا الفاعلتين أيضاً في المنطقة، كما أنه من خلال هذا الناتو يجري الترويج لمقاربة مقتضاها أن التصدي الفعّال لمثل هذه التهديدات لا يمكن أن يتحقق من غير تكاثف جهود جميع الدول المعنية، وهو ما يعني ضمنياً دخول الكيان الإسرائيلي ضمن التحالف المتوقع. ويبدو أن ذلك لا يثير مشكلة لدى الدول العربية "ذات الاعتدال"، بل ربما توجد رغبة حقيقية عندهم في رؤية "إسرائيل" جنباً إلى جنب معهم في ذات الحلف، كما أن الأخيرة لديها رغبة قوية أيضاً في زيادة التنسيق مع الدول العربية من أجل إخراج نفسها من العزلة الدولية القابعة فيها، من ناحية أخرى، وفي حال نجاح الدول الخليجية والكيان الإسرائيلي والمدير الأمريكي في إنشاء "الناتو العربي – العبري"، فيمكن اعتبار ذلك علامة خطيرة على تطرف الأمن في الشرق الأوسط.
ختاماً.. نؤكد أن فكرة إنشاء "ناتو عربي – عبري" ما هي إلا أضغاث أحلام سعودية أمريكية إسرائيلية، وما هي إلا وسيلة ترامبية جديدة لابتزاز السعودية التي يتفنن ترامب بابتزازها يومياً كما أنها ليست إلا ورقة ضغط في الحرب النفسية ضد إيران، وما هي إلا فكرة ولدت ميتة، ولن تنفع كل أموال الخليج، في بعث الروح فيها.