الوقت- في الأيام الأخيرة، أثيرت بشكل جدي مسألة قطع حصة ميزانية إقليم كردستان من قبل الحكومة المركزية العراقية.
في أعقاب هذه القضية، سافر وفد من حكومة إقليم كردستان في الأيام القليلة الماضية برئاسة وزير المالية في الإقليم "آوات شيخ جناب" إلى بغداد، لمناقشة القضايا الاقتصادية والقضايا المتعلقة بالنفط، لكن الأدلة تظهر أن الخلاف بين الطرفين خطير، ولا يبدو أن بغداد مستعدة لدفع حصة أربيل من الميزانية.
بعد هذا المسار، يُطرح السؤال الآن ما هي أسباب الخلافات الأخيرة بين الجانبين؟ ولماذا قطعت بغداد ميزانية إقليم كردستان؟
فيما يتعلق بهذا السؤال، من الضروري أولاً دراسة الخلاف حول الميزانية بين بغداد وأربيل، ثم عرض أهم الحجج حول سبب قطع الميزانية.
لغز الميزانية والنفط
إن الخلاف حول ميزانية إقليم كردستان لا يرتبط بالوضع الحالي أو السنوات القليلة الماضية، بل هو أمر بدأ منذ بداية عام 2005، أي بعد تشكيل الحكومة العراقية الرسمية بعد نهاية ديكتاتورية صدام حسين، واستمر إلی الآن.
في أواخر عام 2013، قامت حكومة "نوري المالكي" بقطع ميزانية إقليم كردستان في قرار مهم، وفي عام 2014 تم البتّ في هذا القرار. خلال هذه الفترة، كانت القضية الرئيسية بين الجانبين هي أن بغداد اتهمت حكومة إقليم كردستان بتوقيع عقود نفطية مع شركات أجنبية خلافاً لدستور أربيل، وعدم إعادة عائداتها إلى الحكومة المركزية.
وبعد ما يقرب من خمس سنوات من الخلافات الشديدة بين الجانبين، في عام 2018 وبعد تولي "عادل عبد المهدي" منصبه، رأينا أخيراً اتفاقيةً تم التوصل إليها بين الأكراد والحكومة المركزية، والتي بموجبها کانت بغداد تستلم كميةً معينةً من النفط من أربيل على أساس يومي، مقابل دفع نصف راتب العاملين في الإقليم.
استمراراً لهذا الاتجاه، جعل قانون الموازنة العراقية لعام 2019 دفع حصة ميزانية إقليم كردستان مشروطاً بالتسليم اليومي لـ 250 ألف برميل من النفط من قبل حكومة الإقليم إلى الحكومة المركزية العراقية، لكن الحكومة المركزية تعتقد الآن أن الأكراد لم يفوا بالتزاماتهم.
عدم التزام أربيل واتفاق أوبك النفطي
في الظروف الحالية، يمكن اعتبار الحجة الأكثر أهميةً لقطع ميزانية إقليم كردستان، بأنه عدم التزام أربيل بدفع سعر النفط المحدد لبغداد، واتفاق أوبك النفطي لخفض الإنتاج.
فمن ناحية، أعلن الأكراد أن 23 بالمائة فقط من عائدات النفط في إقليم كردستان، أي ما يعادل 60 مليون دولار، تم دفعها لوزارة المالية لدفع رواتب الموظفين، وسيتم استخدام الباقي لسداد الديون، لكن بغداد تعتقد أنهم وضعوا العراقيل في هذا الطريق وتقاعسوا في الوفاء بالتزاماتهم.
ومن ناحية أخرى، وفقاً لاتفاق أوبك يضطر العراق إلى خفض إنتاجه النفطي، وقد طلب من الإقليم خفض إنتاجه النفطي أيضاً، لكن مسؤولي الإقليم قالوا إنهم لا يستطيعون تقليل إنتاج النفط.
في الظروف الراهنة أيضاً، تظهر نتائج المحادثات بين وفد حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية العراقية، أن الأكراد وفي حوارهم مع مسؤولي بغداد، قد أعلنوا استعداد الإقليم لتسليم كمية النفط المحددة في قانون موازنة العراق لعام 2019 للحكومة المركزية، لتلقي حصتهم من الميزانية وأجور عمال الإقليم من الموازنة العامة العراقية، لكن بغداد لم تقبل هذا الخيار وطالب باستلام إيرادات الإقليم الأخرى، ولا يمكن أن يكون النفط عاملاً في الموافقة على حل مشكلة دفع رواتب موظفي الإقليم.
في الوقت الحاضر، يبدو أن الأمل الوحيد المتبقي للإقليم بشأن التوصل إلى اتفاق مع بغداد وتلقي الميزانية، هو تسليم الغاز المنتج في الإقليم وکذلك تسليم نصف عائداته الحدودية والجمركية إلى بغداد، ولا يزال هذا الخيار مطروحاً على طاولة المفاوضات ولم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنه.
قضية استقالة فؤاد حسين
الإستدلالات الأخرى تؤکد علی أن إصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي على إبقاء فؤاد حسين وزيراً للمالية، كان سبب الأزمة. وفي هذا الصدد، يعتقد "يوسف محمد صادق" رئيس كتلة "حركة التغيير" و"غالب محمد" وهو نائب آخر في حركة التغيير في البرلمان العراقي، أن السبب الرئيسي لقطع حصة الميزانية يعود إلى بقاء فؤاد حسين في منصبه.
في الواقع، حجة هؤلاء هي أن فؤاد حسين وخلافاً لرأي مجلس الوزراء، قد دفع حصة الإقليم من الميزانية في مرحلة ما، ولهذا السبب فإن جميع التيارات السياسية العراقية تريد منه الآن أن يتنحى.
الميزانية أداة للضغط وتسوية الحسابات السياسية
الحجة الأخرى التي يطرحها الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، وخاصةً من قبل "مسرور بارزاني" رئيس وزراء إقليم كردستان، هي ربط القضية كعامل للضغط والتسوية السياسية.
يعتقد الحزب الديمقراطي أن ممثلي نفس الأحزاب والتيارات التي تمثل إقليم كردستان في بغداد، وأن الحكومة المركزية كانت قد قطعت في السابق رواتب عمال وموظفي الإقليم بناءً على طلبهم، دعوا الحكومة العراقية مرةً أخرى لقطع هذه الحقوق.
بشكل عام، الحجة هي أن بغداد تستخدم الميزانية كسلاح سياسي لإضعاف أربيل وتحريض مواطني الإقليم على الاحتجاج ضد الحكومة، وأن ممثلي بعض الأحزاب الكردية يسايرون بغداد في هذا المسار.