الوقت- شُكلت الحكومة اللبنانية برئاسة "حسان دياب" بعد عدة أشهر من اندلاع الاحتجاجات في لبنان، في 17 تشرين الأول 2019، بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري بحوالي شهرين، وقد أثرت تلك الاحتجاجات بشكل كبير على السياسة اللبنانية والتفاهمات بين القوى المختلفة، وأسقطت حكومة الحريري وأخرجته مع حلفائه من العملية السياسية، في ظل أزمة اقتصادية و مالية خانقة يعاني منها لبنان، كل ذلك وغيره رتب على الحكومة الجديدة أعباء ثقيلة ومسؤوليات كبيرة على جميع المستويات .
وعلى هذا الأساس؛ تتمثل أولوية حكومة "حسان دياب" الأساسية بمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية من خلال إقرار حزمة إصلاحات شاملة تطبق على النحو الملائم من أجل المعالجة الفعالة للمشكلات، على رأسها ايجاد حلول لمشكلة الكهرباء المستمرة منذ ثلاثة عقود، والسعي للحصول على مساعدات خارجية .
بناء على ذلك، تواجه مهمة رئيس الوزراء اللبناني تحديات صعبة وضغوط كثيرة على المستويين الداخلي والخارجي وهنا نشير إلى أبرز تلك التحديات:
أولاً: الحاجة الماسة إلى التوافق بين مختلف القوى على أسس معالجة الأزمة الاقتصادية، لكن بيان الحكومة الوزاري لم يتضمن خطة اقتصادية متكاملة للخروج من الأزمة، حيث يتطلب إعداد الخطة الاقتصادية والموافقة عليها، إجماعاً بين الحلفاء، وهذا لم يتحقق بشكل كامل، على الرغم من أنّ وزير المالية "غازي وزني" وعد في تصريحاته بإعداد خطة تلبّي شروط صندوق النقد الدولي حيال لبنان .
ثانياً: في ظل انكماش الاقتصاد اللبناني، كيف سيتخطى لبنان مسألة إعادة هيكلة الديون؟ بمعنى آخر على حساب من سيتخطى تلك المسألة؟ ، فمن المهم ألّا تتحمّل الطبقة الفقيرة في لبنان العبء الأكبر، حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن أثرى 1% من السكان، يحصلون على ربع الدخل القومي، فيما يحوز 10% منهم على نصفه، ما يجعل لبنان في مقدمة الدول التي تنعدم فيها المساواة بين السكان، وتتّسع فيها الهوّة بين الأغنياء والفقراء، وفقاً لتقارير البنك الدولي، ومنها ما يشير إلى أن نسبة الفقر في لبنان ربما تتخطى 50% من عدد السكان خلال الأشهر القادمة.
ثالثاً: كانت الحكومة اللبنانية قد اتخذت قراراً بالحصول على المشورة التقنية لصندوق النقد الدولي الذي يضع شروطًا قاسية، مثل رفع الدعم عن المحروقات واقتطاع رواتب القطاع العام، على الرغم من أن ارتفاع سعر الصرف والتضخم المرافق له، يقلل من القدرة الشرائية لهذه الشريحة الواسعة والمهمة، ويدفع بها إلى الفقر، وإلى الاحتجاج أيضاً، وهو ما حذر منه السيد "حسن نصر الله" الأمين العام لحزب الله في خطاباته الأخيرة، بقوله: كيف ستكون ردة الفعل المحلّية على ارتفاع سعر الوقود، أو تجاه الضريبة على القيمة المضافة؟
رابعاً: الصراع مع المصارف واتهامها بالتورّط في تهريب الأموال إلى الخارج خلال فترة الأزمة، وأنها باعت حصصها في ديون الدولة اللبنانية الخارجية (اليوروبوند) لأطرافٍ أجنبية، على نحوٍ جعل تخلّف الحكومة عن السداد ضرورً ملحة، إضافة إلى أن المصارف باتت في عمق المواجهة بين المحتجين والسلطة، نظراً إلى حجبها أموال المودعين، وتقنين إجراءاتها الأسبوعية، ما انعكس على سعر الصرف والقدرة الشرائية لدى الناس؛ إذ أصبحت طوابير الزبائن أمام المصارف في انتظار السحوبات المحددة، مشهداً يومياً معتاداً، وقد تعرض عدد كبير من المصارف للتكسير والتخريب، ويُنظر إلى جمعية المصارف باعتبارها أحد الأطراف النافذة في البلاد، وحمّلها المحتجون المسؤولية عن الوضع الاقتصادي والمالي الحالي، وسط اتهامات لها بالتواطؤ مع السلطة السياسية.
خامساً: على المستوى الخارجي تتمثل المهمة الشاقة بالنسبة للحكومة في مقاربة العلاقات الدولية، ذلك أن حزب الله يرى إمكانية في الحصول على مساعدات دولية دون إجراء تعديل جذري في المعادلات السياسية الداخلية، والاكتفاء بتغييرات شكلية، وقد بذل الحزب وحلفاءه جهداً كبيراً في بلورة شكل الحكومة لمصلحة الشعب اللبناني، وعلى مايبدو هناك تصلب أميركي واضح حيال توفير المساعدة للحكومة، عبرت عنه تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركي "ديفيد شنكر" ، إضافة إلى البرود الخليجي العربي في التعامل مع الأزمة اللبنانية، على الرغم من خطورتها.
سادساً: يتجه الموقف الأوروبي، وفقاً لمسؤولين في الاتحاد، نحو حصر الدعم في صندوق النقد الدولي، و وفقاً لمسؤول أوروبي معنيّ بالملف اللبناني، حصر الاتحاد الأوروبي، باستثناء فرنسا، مسألة المساعدات المالية في صندوق النقد الدولي، ويركز حالياً على رفع مستوى المساعدات الإنسانية لِلبنان خلال الفترة المقبلة، وفي هذا الصدد، یرفض "حزب الله"، تطبیق برنامج صندوق النقد الدولي للإصلاح الاقتصادي في لبنان. وكان آخر من عبر عن هذا الموقف هو النائب حسن فضل الله، الذي قال، في 3 مارس الجاري، إن "الحزب يرفض الشروط التي تتضمنها أي خطة إنقاذ لصندوق النقد الدولي، لأنها ستؤدي إلى ثورة شعبية"، داعياً إلى الوصول لـ"حل وطني" للأزمة الاقتصادية. وقبل ذلك، قال نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم: "نحن لا نقبل أن نخضع لأدوات استكبارية في العلاج، يعني لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة، نعم لا مانع من تقديم الاستشارات.. بإمكان الحكومة أن تضع خطة وتتخذ إجراءات بناءة لبدء المعالجة النقدية والمالية ووضعها على طريق الحل.. وإن شاء الله ستقوم الحكومة بهذا العمل، وتظهر بعض النتائج.. ولو بعد حين".
وفي النهاية، يتمثل التحدي الأبرز أمام حكومة حسان دياب بوضع خطة اقتصادية تراعي الوضع الصعب للطبقات الفقيرة، يليها ضرورة الحصول على دعمٍ خارجي لتجاوز الأزمة الحالية والتخفيف من غضب الشارع، لا سيما في ظل ارتفاع وتيرة المطالبة بانتخابات مبكِرة يرفضها حزب الله وحلفاؤه، وبات تيار المستقبل من مؤيديها.