الوقت-ينتظر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في طريق وصوله الى الكرسي الملكي أمرين: الأول هو وفاة والده الملك الحالي، والثاني هو الانتخابات الأمريكية التي تحدد مصير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي هذا الطريق، بدأ بن سلمان بإقصاء أي منافسة ومعارضة تعترض طريقه، وان مجريات القصر الملكي وخلافات الأمراء جعل حلفاء الرياض أكثر حساسية.
ولأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية، خرج الصراع بين الأطراف الداخلية عن طريقها التقليدي، وتحولت من تنافس داخل القصر الملكي بين أمراء الأسرة السعودية، إلى صراع على السلطة، بمشاركة الحليف السعودي التقليدي، أي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استطاع الملك سلمان وابنه محمد على مدى السنوات الخمس الماضية، غلق جميع مراكز التأثير لأي صراع داخلي بدعم من واشنطن.
ولكن لم يمض وقت طويل على تهدئة الصراعات غير المتوازنة بين عائلة بن سلمان من جانب ومجموعة واسعة من الأمراء السعوديين والتيارات الدينية والاقتصادية من جانب آخر، وتدخل ايضا بعض المسؤولين والنخب في المؤسسات الأمريكية في هذا الصراع لحماية ولي العهد. وفي هذا السياق، لم يطالب معارضو ترامب بتنحي بن سلمان فحسب، بل حاولوا أيضًا رسم اتجاه جديد للعلاقات المستقبلية بين البلدين، خاصة بعد اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي والجرائم السعودية المرتكبة في حرب اليمن.
وقد عاد الأمير أحمد بن عبد العزيز إلى السعودية قبل عام بدعم وضمان من المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين. لكنه بعد عودته للبلاد، لم يبايع بن سلمان كولي عهد، وهو اذا دل على شيء، فإنما يدل على تحذير أمريكي أوروبي لبن سلمان وذلك خلال لقاء جمع الأمير أحمد بأمراء آخرين في "هئية البيعة السعودية" بهدف تغيير نظام ولاية العهد السعودية. ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مصادرها قولها إن مثل هذه الخطوة جارية حاليا.
كما تشير المعلومات أن مهمة الأمير أحمد كانت إقناع الملك سلمان بإعادة النظر في النظام الداخلي للمملكة وتنحية ابنه من حكم البلاد. وتفيد الأنباء أن الأمير أحمد بن عبد العزيز كان يخطط لشن انقلاب عسكري بمعية الولايات المتحدة وأوروبا، لكن قيام بن سلمان بإعتقال الأمير أحمد وولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف ومجموعة من الأمراء، منعت حدوث الإنقلاب.من جانب أخر، يعتقد بعض الخبراء أن الولايات المتحدة والغرب في الظروف الحالية راضون تمامًا عن بن سلمان بالقدر وأن اعتقال بن سلمان، لأحمد بن عبد العزيز كان بعلم الغرب.
يعرف محمد بن سلمان أن الضمانات الأجنبية لن يكون لها اي تأثير لأي شخص داخل السعودية. لكن في الوقت الحاضر، بالنظر إلى توقيت اعتقال بن سلمان للأمراء السعوديين، لا يمكن اعتبار الاعتقالات أنها جاءت خوفًا من انقلاب عسكري داخلي، بل أنه متعلق بقضيتين داخلية وخارجية.
الأول يتعلق بوفاة الملك، الذي من المقرر ان يجلس نجله على كرسي الحكم وهو ما يسعى اليه بن سلمان؛ والثاني يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي في حال فوز دونالد ترامب بولاية ثانية، سيبقى بن سلمان في ساحة المنافسة على العرش السعودي، وفيما اذا خسر ترامب الانتخابات سيعني ذلك نهاية دعم بن سلمان أمريكيا. لكن اذا ما توفي الملك سلمان، سيتصاعد الضغط السعودي على واشنطن أو سيزيد من التحركات الداخلية المحتملة في المملكة العربية السعودية، وبالتالي سيُجبر ترامب على التخلي عن دعمه لمحمد بن سلمان لحماية مصالح بلاده.
إن معادلة "استقرار العرش" التي رسمها ولي العهد السعودي والذي أكد أن لا شيء يمكن أن يمنعه من تولي العرش سوى الموت، لا يدل سوى عن ابتزاز ترامب لبن سلمان. لقد قال الرئيس الأمريكي مراراً وتكراراً أنه في المملكة العربية السعودية لا يوجد سوى المال، وهذا يعني أنه عندما لا يكون هناك أموال سعودية تذهب للأمريكيين، فلن يكون هناك دعم أمريكي للسعوديين.
بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الولايات المتحدة حاليًا سلاحين لابتزاز المملكة العربية السعودية: قانون "جاستا"، الذي يعد عاملا للضغط الأمريكي على السعودية ويسمح لها بالشكوى حول ضحايا هجمات 11 سبتمبر على النظام السعودي في أي وقت، والسلاح الثاني هو قانون "ماغنتسكي"، الذي يسعى الكونغرس لاستخدامه لمعاقبة قتلة الصحفي المعارض جمال خاشقجي.
في الوقت الحاضر، تشبه السياسة المتطرفة ومشاركة الولايات المتحدة في الشؤون والصراعات السعودية الداخلية، السياسة البريطانية في الانقلاب السعودي عام 1964 الذي أطاح فيه ولي العهد السعودي آنذاك، فيصل بن عبد العزيز، بشقيقه الملك سعود.
يمكن تسمية المرحلة الحالية في المملكة العربية السعودية بمرحلة الخوف من انهيار الملكية السعودية بعد سوء إدارة الملك. لكن هذه المرة، لم تعد الحكومة الأمريكية، التي كان لها اليد العليا في إيصال بن سلمان إلى السلطة، ترى المملكة العربية السعودية شريك مُلح وضروري؛ بل بالنسبة لواشنطن، أصبحت الرياض الآن حليفًا يجب أن تستغلها لمصلحتها.