الوقت- في الوقت الذي زادت فيه تكهنات العديد من المراقبين ووسائل الاعلام حول احتمال نشوب صراع عسكري بين روسيا وتركيا داخل الاراضي السورية، رأينا الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ونظيره التركي "رجب طيب أردوغان" يتفقان يوم الـ 5 مارس 2020، في قصر الكرملين حول وقف لإطلاق النار في مدينة إدلب السورية ولقد جاء هذا الاتفاق في اعقاب قيام مقاتلات الجو الروسية في 27 فبراير 2020 بشن هجوم على قافلة تابعة للجيش التركي كانت تتجه نحو محافظة "إدلب"، ووفقاً لبيان صدر عن الحكومة التركية فلقد قُتل 34 جنديًا تركيًا في ذلك الهجوم.
وعقب تلك الهجمات الروسية على القافلة التركية، أطلق القادة الاتراك عدداً من التهديدات للحكومة السورية وحلفائها وقالوا بأن الجيش التركي سوف يقوم بشن هجمات شرسة على مواقع القوات السورية وأنها تعتزم الوقوف بحزم ضد دمشق وحلفائها وفي هذا الصدد، أظهر الإعلان عن عملية "درع الربيع" التي قام بها الجيش التركي في مدينة إدلب السورية، أن الرئيس "أردوغان" عازم على الصمود والحفاظ على وجود بلاده العسكري في سوريا، ولكنه وفي خطوة غير متوقعة قام قبل عدة أيام بزيارة موسكو ومقابلة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين". وعلى صعيد متصل، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية أنه خلال الاجتماع الذي عُقد بين الرئيس التركي "أردوغان" ونظيره الروسي ، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار في مدينة إدلب. ومع ذلك، فإن السؤال الآن، هو إلى أي مدى يمكن لصفقة "بوتين وأردوغان" إنهاء الأزمة في مدينة إدلب والحفاظ على عملية وقف اطلاق النار الذي تشهده هذه المدينة السورية ؟. وفي مقالنا هذا سوف نثبت بأن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ونظيره التركي "رجب طيب أردوغان" لن يتمكن من حل الازمة في إدلب بشكل نهائي وأن ما تم الاتفاق عليه ما هي إلا خطوة في اتجاه إحالة أزمة "إدلب" إلى المستقبل.
إرادة دمشق الحاسمة لتوسيع سيادتها على كافة الاراضي السورية والقضاء على الإرهابيين
إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع عليه الرئيس التركي "أردوغان" ونظيره الروسي "بوتين"، يمكن له أن يضمن تسوية الأزمة في مدينة إدلب السورية عندما يتماشى فقط مع المعادلات الميدانية للأزمة السورية وهنا يمكن القول أن الحقيقة هي أنه منذ انطلاق العام الجديد 2020، تمكن أبطال الجيش السوري من تطهير حوالي 1900 كيلومترات مربعة من الأراضي السورية في محافظات حلب وإدلب وحماة من الجماعات المتطرفة والإرهابية الموالية لـ"أنقرة". وفي هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن أبطال الجيش السوري تمكنوا خلال الفترة الماضية من تحرير 215 قرية كانت قابعة تحت سيطرة تلك الجماعات الارهابية وبعد هذه الإنجازات، قام أبطال الجيش السوري، وبمساعدة القوات الروسية والإيرانية، بالتقدم في عدد من المحاور لبسط سيطرتها وسيادتها على كافة الاراضي السورية، ومن المؤكد أن يتمكن أبطال الجيش السوري خلال الفترة القادمة من تحرير مدينة إدلب بالكامل من أيدي الجماعات الارهابية الموالية لتركيا.
لذلك، يمكن اعتبار الاتفاق الأخير الذي تم التوقيع عليه بين الرئيس التركي "أردوغان" ونظيره الروسي "بوتين" نوعًا من الحلول السياسية المؤقتة، وهو ما رأيناه بالفعل خلال مفاوضات "أستانا" و"سوتشي" ومؤتمر القمة الذي عُقد في إسطنبول. وفي صعيد متصل، ذكرت عدد من التقارير الاخبارية بأن الرئيس السوري "بشار الاسد" عازم في وقتنا الحاضر على استعادة سيادة الحكومة المركزية إلى البلاد على كافة الاراضي السورية، ولهذا فإنه يبدو أن أزمة "أدلب" ليس لها سوى حل واحد، يتمثل في خروج تركيا والانسحاب من هذه المدينة الاستراتيجية واحترام السيادة الوطنية لدمشق.
تكرار مؤتمر "سوتشي" هذه المرة في الكرملين
يمكن تقييم اتفاقية الكرملين على مستويات مختلفة حتى أنه يمكن القول أنها تعتبر أقل أهمية من اتفاقية "سوتشي" وبالنظر إلى مجمل هذه الاتفاقية، نرى بأن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" قال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي، إن الجانبين توصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مدينة إدلب السورية. وتحدث "بوتين" أيضا عن اهتمام موسكو وأنقرة بمواصلة التعاون في إطار مشاورات "آستانا" بشأن سوريا من أجل تخفيف معاناة المدنيين السوريين. ومن ناحية أخرى، أصر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" على أنه يحتفظ بالحق في الرد على أي هجوم وادعى أن تركيا "لن تلتزم الصمت" ضد الهجمات السورية وسترد بكل قوة.
وفقًا لبنود هذه الاتفاقية، فلقد وافقت أنقرة وموسكو على تسيير دوريات مشتركة في البلدات القريبة من مدينة إدلب في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل بدءاً من الـ 4 مارس 2020 لمراقبة المنطقة. ومع ذلك، ومنذ حوالي عام ونصف، أكد اتفاق "سوتشي" الذي تم التوقيع عليه بين رؤساء إيران وروسيا وتركيا، على أقامت دوريات مشتركة بين الجيشين الروسي والتركي لمواجهة العناصر الارهابية وطردها من تلك المناطق، لكننا رأينا أن ذلك الاتفاق لم يتم تنفيذه على ارض الواقع وخاصتاًعندما قام الجيش التركي بتقديم الكثير من الدعم لبعض الجماعات الارهابية في تلك المناطق. والآن يبدو أن نفس هذا السيناريو سوف يتكرر في مدينة إدلب السورية.
الاتفاق على "لا شيء" والنهاية المحددة لأنقرة على الحدود السورية
بصرف النظر عن الاتفاق التي تم التوقيع عليه بين القادة الروس والاتراك لوقف إطلاق النار، يمكن القول أنه لم يحدث أي تغيير في قضية "إدلب" ولم يتم تقديم حل نهائي طويل الأجل لهذه الازمة وهنا تجدر الاشارة إلى أن أساس ذلك الاتفاق كان نوع من التسوية حول "لا شيء"، بمعنى أن ذلك الاتفاق لم ينتج عنه أي حدث كبير في مجال المعادلات الميدانية والسياسية المتعلقة بقضية "إدلب"، ولم يجبر ذلك الاتفاق أي قوة على التراجع والانسحاب من مواقعها وفي هذا الاتفاق تم تجاهل مصير حل الأزمة في مدينة "إدلب"، والمتمثل في انسحاب تركيا من كامل الأراضي السورية.