الوقت- بدأت الخطوات التنفيذية لمشروع روسيا بتشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب، حيث حط الجيش الاحمر رحاله أواخر شهر آب المنصرم في العديد من المناطق السورية، في خطوة عسكرية أولى توازي الحراك السياسي الروسي-الإيراني-المصري لحل الازمة السورية.
ورغم أن موسكو ودمشق ترتبطان باتفاقات عسكرية تستفيد بموجبها الأخيرة من أسلحة روسية بملايين الدولارات، كما أن التواجد العسكري الروسي على الأراضي السورية، يعود إلى عقود خلت، وأشهر ملامح هذا الحضور، هو القاعدة الروسية في محافظة طرطوس الساحلية، غربي البلاد والتي شهدت تعزيزات كبيرة في السنوات الأخيرة، إلا أن الخطوة الأخيرة والمتمثلة بوصول قوة من التدخل السريع الروسية مكونة من مقاتلات روسية وطائرات مروحية هجومية تمركزت في قاعدة جوية بدمشق لتشكل قاعدة للعمليات الروسية، بالتوازي مع حضور خبراء روس تسلموا مطار اللاذقية غرب البلاد، تعني أن الحضور العسكري القتالي لروسيا في الحرب السورية، بات أمراً واقعاً يعزز العلاقة القوية بين الجيشين، والتي يصفها مسؤولون سوريون بـ"القديمة والدائمة والمتطورة".
في الحقيقة، وبالرغم من أن القرار الروسي ينطوي على مصالح أمن قومي بالنسبة لموسكو التي تريد الحفاظ على آخر قواعدها في الشرق الأوسط، إلا أن الحضور الفعلي للجيش الروسي يعود بالفائدة الاكبر على شعوب المنطقة، لاسيّما الشعب السوري. فإذا كان تدخل روسيا يعني المحافظة على قاعدة طرطوس، وليدة الإتحاد السوفيتي، وتدمير المؤامرة التي تحاك تجاهها عبر الجماعات التكفيرية التي تهدد المصالح الروسية، إلا أن هذا الحضور يشير في الآن نفسه إلى ضرب الجماعات التكفيرية تمهيداً للقضاء عليها من ناحية، وإعادة الإستقرار إلى ربوع البلاد من ناحية أخرى.
اذا، قطع الشك باليقين حول التدخل العسكري الروسي في الازمة السورية، مع تواجد أكثر من ألف ضابط وعسكري روسي على الأراضي السورية، وهو عدد مرجح للإرتفاع إلى ثلاثة آلاف في المرحلة المقبلة، ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذا التدخل يحمل في طياته جملة من الرسائل للداخل والخارج، أبرزها:
أولا: يعزز التواجد الروسي موقف دمشق على الصعيدين الداخلي والخارجي، السياسي والعسكري، وبالتالي لا صحّة للأقوال التي تناقلتها العديد من الصحف في الآونة الأخيرة حول موافقة موسكو على رحيل الأسد وفقاً للمطالب الامريكية والسعودية. كما أنه من المرجح أن تعود مصر، التي تربطها مع دمشق علاقات مباشرة، إلى الفلك السوري. وروسيا تريد أن تطير بمبادرة «مكافحة الإرهاب» في سوريا عبر جناحين، الأول عسكري مدعوم إيرانياً، والآخر سياسي مدعوم مصريا وإيرانياً أيضاً.
ثانياً: يمنع التواجد العسكري الروسي العبثية الإسرائيلية في التعاطي مع الأزمة السورية، حيث قد يضطر الكيان الإسرائيلي إلى الإنكفاء على حدود الجولان المحتل، والتوقف عن دعم الجماعات التكفيرية من جهة، وتعطيل غاراته الجوية على الأراضي السورية من جهة أخرى. وتدرك تل أبيب أن المشاركة الروسية سيكون لها أثر ميداني متصاعد، وفي حال شكّلت الجبهة الجنوبية أي تهديد للعاصمة دمشق، فمن المرجح أن يشن الجيش السوري، بدعم روسي قوي، حملة واسعة على الجنوب السوري لإستعادته من الجماعات التكفيرية، عندها سيقف الكيان الإسرائيلي مكتوف الأيدي خشية الإصطدام مع الدب الروسي، غير مأمون العواقب، وبالتالي ستصبح الجبهة الجنوبية بأيدي الجيش والمقاومة اللبنانية، وهذا ما ترفضه تل أبيب. ولا نستغرب حصول تسوية روسية-إسرائيلية في المرحلة المقبلة تقضي بوقف الاخيرة دعمها للجماعات التكفيرية وعودة الجيش السوري إلى الحدود كما كان الحال سابقاً، مقابل ضمانات روسية بعدم تعرض الجولان السوري المحتل لهجمات عسكرية من قبل المقاومة اللبنانية واللجان الشعبية. وتشير التقارير الدبلوماسيّة إلى أن أي تدخل إسرائيلي يضع نتنياهو أمام مأزق قيام منطقة مقاومة في جنوب سوريا، بغطاء روسي، مما يعني معادلة جديدة لقضية الجولان المحتل .
ثالثاً: وعلى الجبهة الشمالية، لا يختلف الوضع التركي إزاء التدخل الروسي كثيراً عن نظيره الإسرائيلي على الجبهة الجنوبية، لأن أي دعم تركي للجماعات المسلحة يعني دخول انقرة على خط المواجهة العسكرية مع موسكو، وهذا ما تخشاه تركيا حالياً، في ظل الازمة الكردية التي تواجهها. ولا شك في أن الدعم العسكري الروسي يبدد فرص أنقرة بإقامة منطقة عازلة على الأراضي السورية. ومن المرجح أن ينكفئ أردوغان إلى الداخل التركي لمواجهة المأزق الكردي، إلا أنه "ليس من المستغرب حصول صفقة روسية تركية، حيث تلتزم الاولى عبر التعاون مع دمشق في منع إقامة أي إقليم كردي، أو الإستفادة من الأراضي السورية لشن هجمات على الجيش التركي من الحزب العمالي، مقابل ان تلتزم الأخيرة بالإنكفاء الداخلي والحد من الدعم العسكري للجماعات التكفيرية"، وفق مصدر دبلوماسي.
رابعاً: داعشياً، يعتبر التنظيم الإرهابي المتضرّر الأكبر من التواجد العسكري الروسي، حيث يوضح مصدر سوري ميداني لصحيفة «الأخبار» اللبنانية أن المعادلة الميدانية، بالنسبة لسلاح الجو، تغيرت؛ فبينما كنا نحصل على 50 في المئة من طلباتنا لقصف أهداف للإرهابيين، أصبح الطيران الحربي يطلب منا تحديد المزيد من الأهداف؛ وأعتقد أن قدرة القوة الجوية السورية، قد تضاعفت .